ربط الطبيب النفسي الألماني "آلويس ألزهايمر" منذ زمن بعيد، وتحديداً في عام 1906، حالة الخرف للمرة الأولى بترسبات غير طبيعية في الدماغ. واعتمد الباحثون المعاصرون بشكل واسع على فرضية تقول إنَّ سبل علاج هذا المرض، الذي سمي تيمناً به، تقوم على إزالة هذه الكتل الشاذة المكونة من بروتين يدعى "أميلويد" الذي يؤدي إلى انسداد أدمغة المرضى. وبعد الأداء المخيّب للعديد من الأدوية التي تستهدف الأميلويد، بما فيها ذلك العلاج المثير للجدل الذي وافق عليه المشرّعون الأميركيون في 2021، أصبح الدواء المسمى "ليكانيماب" (lecanemab) أول علاج يبطّئ تطور مرض الزهايمر بشكل لا يدع مجالاً للشك، بعد اختبار واسع أُبلغ عنه أواخر 2022. أعطت النتائج دفعة نادرة من الأمل في مجال أبحاث مرض الزهايمر. لكن، وفي الوقت ذاته، هناك نقاط ضعف عديدة للدواء.
1- ما هو "ليكانيماب"؟
"ليكانيماب" هو دواء طُور بالشراكة بين "إيساي" و"بيوجين"، وهو عبارة عن جسم مضاد مُصنع معملياً، وقد صُمم لاستهداف أحد أشكال الأميلويد الذي يدعى "بروتوفايبرلز"، علماً أنَّه ظهر في حالة عائلة سويدية دمرتها الإصابة المبكرة بمرض الزهايمر.
أبدى أولئك الذين تلقوا "ليكانيماب" انخفاضاً ملحوظاً في مستويات الأميلويد في الدماغ، في اختبار فعّال استغرق 18 شهراً، وشمل 1800 مصاب بمرض الزهايمر المبكر. والأهم أنَّ الدواء أبطأ التدهور المعرفي والوظيفي بنسبة 27%، بالمقارنة مع مجموعة أخرى تلقت علاجاً وهمياً يعتمد على العامل النفسي.
2- هل يتوافر "ليكانيماب" في الأسواق؟
بالاعتماد على قدرته على تخفيض الأميلود، أعطت إدارة الغذاء والدواء الأميركية الضوء الأخضر للعقار باستخدام الموافقة المعجّلة على الأدوية التي تعالج الحالات الخطيرة وتلبي احتياجات لا تلبيها عقارات أخرى، وتعمل بطريقة يُتوقَّع أن تحقق فائدة للمرضى دون قياس هذه الفائدة فعلياً. ومن غير المتوقَّع أن يحصل الدواء على موافقة كاملة من إدارة الغذاء والدواء قبل وقت متأخر من العام الجاري.
دراسة صادمة: ارتفاع مرضى الخَرَف عالمياً 3 أضعاف بحلول 2050
أشار برنامج الرعاية الصحية الفيدرالي "ميديكير" (Medicare ) لرعاية المسنين -الذي يغطي معظم المصابين بمرض الزهايمر- إلى أنَّه لن يغطي أدوية خفض الأميلويد على نطاق واسع قبل حصولها على الموافقة الكاملة من السلطات الأميركية بناءً على الفوائد السريرية، وليس بناءً على الموافقة المعجلة المعتمدة فقط على خفض الأميلويد.
3- لمن يوصف "ليكانيماب"؟
اختُبر الدواء على أشخاص في مراحل مبكرة من المرض، إذ تشمل الأعراض النسيان الخفيف الذي يصاحب الشيخوخة غالباً، لكنَّها ربما تشمل أيضاً مشاكل التركيز. عانى معظم المرضى في اختبار "ليكانيماب" الموسّع من ضعف إدراكي خفيف، بينما ظهر لدى بعضهم خرف طفيف. غالباً، سيحتاج الأشخاص للخضوع إلى فحص يظهر علامات وجود الأميلويد في الدماغ حتى يوصف لهم الدواء، وهو موجود في أكثر من ثلثي مرضى الزهايمر، وفي نحو نصف 10 ملايين آخرين ممن يعانون من ضعف إدراكي خفيف.
إنَّ فحص التصوير المقطعي المعتمد على الإصدار البوزيتروني في الدماغ يعد أحد الخيارات، لكنَّه قد يكلّف ما يصل إلى 7000 دولار. كما وضع برنامج "ميديكير" الأميركي قيوداً على تغطية تكلفة الفحوصات، وتجري المستشفيات هذا الفحص في مناسبات قليلة فقط.
تعتبر الخزعات المأخوذة من العمود الفقري طريقة أخرى لإجراء الاختبار، لكنَّها تكون مزعجة ومؤلمة في بعض الأحيان. لذلك؛ يتجنبها بعض المرضى. كما يمكن أن توفر بعض اختبارات الدم المتاحة على نطاق تجاري في الولايات المتحدة المؤشر على وجود الأميلويد في الدماغ، لكنَّ شركات التأمين لا تغطي أياً منها بشكل روتيني، وهي غير معتمدة من قبل إدارة الغذاء والدواء. ووافقت وزارة الصحة في اليابان على اختبار مشابه طورته "سيسميكس" بالتعاون مع "إيساي" في ديسمبر.
4- ما نقاط ضعف "ليكانيماب"؟
كان تباطؤ التدهور المعرفي الذي ظهر في الاختبار متواضعاً، ولم يوقف الدواء تطور المرض. كما تأتي فوائد "ليكانيماب" مع أعراض جانبية، فقد عانى أكثر خُمس الأشخاص من تورّم أو نزيف في الدماغ. لكن لم تظهر الأعراض في معظم الحالات، برغم أنَّ المرضى اشتكوا من الصداع واضطرابات وتشوش الرؤية، بالإضافة إلى إصابة خمسة منهم بنزيف دماغي كبير. كما توفي شخصان ممن يتناولون مميعات الدم في فترة تمديد الاختبار، وقالت "إيساي" إنَّ اللوم لا يقع على "ليكانيماب".
إنفوغراف.. الخرف يصيب 3 ملايين شخص بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا
يُعطى الدواء على شكل حقن كل أسبوعين، مما يعني أنَّ تلقيه من قبل المريض يجب أن يتم في مركز صحي. ويحتمل أن يكون باهظ الثمن، إذ يقدّر باحثو "إيساي"، باستخدام دراسات المرحلة المبكرة، أن تتراوح التكلفة السنوية بين 9 آلاف دولار و35 ألف دولار.
5- لماذا أثارت الموافقة على دواء آخر يخفض الأميلويد الجدل؟
وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية في يونيو 2021 على "أدوهلم" (Aduhelm)، وهو علاج آخر لمرض الزهايمر من شركتي "إيساي" و"بيوجين"، برغم النتائج المتضاربة للاختبارات.
أظهرت دراسة موسعة عدم وجود أي تأثير، بينما أظهرت دراسة أخرى فائدة صغيرة في إبطاء التدهور المعرفي، لكنَّ "بيوجين" أوقفت الاختبارين في وقت مبكر، مما صعّب تفسير النتائج.
اعتمدت الإدارة الدواء، على الرغم من نصائح لجنة خارجية من الخبراء الطبيين بعدم إقراره، مما أدى إلى استقالة 3 من أعضاء المجموعة بعد ذلك، وقيّد برنامج "ميديكير" بشدة المدفوعات المخصصة لدواء "أدوهلم"، ليتوقف صانعوه عن التسويق له في الولايات المتحدة. وخلص محققو الكونغرس الأميركي في ديسمبر إلى أنَّ عملية الموافقة على "أدوهلم" كانت "مليئة بالمخالفات"، مشيرين إلى أنَّ إدارة الغذاء والدواء تعاونت بشكل مفرط مع "بيوجين" أثناء تقييم الدواء.
6- هل سيكون لـ"ليكانيماب" عقارات منافسة؟
لن تكون هناك عقارات كثيرة في البداية. سيكون المنافس المحتمل الرئيسي القريب من الموافقة هو "دونانماب" من شركة "إيلي ليلي". ففي المرحلة الثانية من الاختبار الذي أُبلغ عنه في 2021؛ خفّض "دونانماب" أميلويد الدماغ، وأبطأ التدهور المعرفي والوظيفي لدى 32% من المصابين بالمراحل المبكرة من الزهايمر. وتقدمت الشركة للحصول على الموافقة المعجّلة في الولايات المتحدة على أساس خفض الأميلويد. وهي تجري مرحلة ثالثة أوسع من الاختبار، وينبغي أن تقدم نتائجها خلال العام الجاري، حيث يمكن أن تُمنح إثر ذلك الموافقة الكاملة إذا كانت النتائج إيجابية.
بينما فشل جسم مضاد آخر لخفض الأميلويد طورته "روش هولدينغ" (Roche Holding) تحت اسم "غانتنيروماب" (Gantenerumab) في إبطاء التدهور المعرفي ضمن اختبارين كبيرين أُعلن عنهما في مؤتمر طبي في نوفمبر.
7- ما المسارات المستقبلية لأبحاث الزهايمر؟
بعد كارثة "أدوهلم"؛ برهنت نتائج "ليكانيماب" أنَّ الباحثين يسيرون على الطريق الصحيح لاستهداف الأميلويد. لكنْ لم يتضح بعد سبب تفوق نتائج "ليكانيماب" على معظم أدوية خفض الأميلويد. يشك بعض الباحثين في أنَّه يجب تحقيق حد معين من إزالة الأميلويد قبل أن تُظهر الأدوية فوائدها. ويركز بعضهم الآخر على محاولة استباق المرض والمضي قدماً، نظراً إلى الفوائد المحققة، حتى لو كان ذلك لدى من يصيبهم في المراحل الأولى من الزهايمر، ربما بسبب الانتشار الفعلي للضرر الذي يصيب مناطق الدماغ الأساسية.
كيف نجحت شركة أدوية يابانية مغمورة في الفوز على مرض الزهايمر؟
تشير دراسات مسح الدماغ إلى أنَّ الأميلويد يبدأ بالتراكم في الدماغ لمدة تصل إلى عقدين قبل أن يصاب الشخص بالخرف. ويخطط الباحثون لاختبار أدوية إزالة الأميلويد على الآلاف من البالغين الأصحاء، وذلك في مراحل نهائية من اختبارات ضخمة تجريها "إيلي ليلي" مع "إيساي". والغاية هي تجنب التدهور المعرفي قبل أن يبدأ أو تأخيره على الأقل.
في الوقت ذاته، يركز الباحثون أيضاً على أشياء أخرى شاذة في الزهايمر، بما فيها زيادة في بروتين ثانٍ يسمى "تاو" (tau)، والتهاب الدماغ الذي يقود إلى موت الخلايا العصبية. كما تستهدف شركات عديدة الحالتين بأدوية أخرى قيد الاختبار، برغم عدم وجود مستجدات حاسمة حتى الآن.