في الواقع، إن عودة ظهور وباء "كوفيد-19" بشكل مفاجئ في الأماكن التي تمتعت بأفضل الممارسات العالمية فيما يخص تعاملها مع الوباء، يعد أمرًا يحمل رسالةً مُحبِطة إلى مسؤولي الصحة. إذ لا تبدو الاستراتيجيات الرامية للتصدي للفيروس كحل طويل الأمد. وحتى في أكثر الأماكن نجاحًا أصبح من الصعب المحافظة على الهدوء وإخفاء حالة الحذر التي تتخذها الحكومات.
فبعد مرور أكثر من 250 يومًا دون تسجيل أي إصابات بفيروس كورونا، سجلت تايوان أول حالة إصابة بها منذ شهر أبريل وذلك في شهر ديسمبر 2020. لتُنهي بذلك ما كان يعتبر أطول سلسلة انتصارات متتالية خالية من الفيروس على مستوى العالم. وفي الوقت نفسه، شهدت تايلاند تسجيل 427 حالة إصابة جديدة، وهي قفزة مذهلة لبلد سجل 100 يوم منذ شهر سبتمبر دون أي إصابات.
عودة الوباء من جديد
ويقول بيتر كوليجنون، خبير الأمراض المعدية والأستاذ في كلية الطب بالجامعة الوطنية الأسترالية في كانبيرا: "من المؤسف أن الدول التي لديها مستويات منخفضة بالفعل من الفيروس والتي ربما نجحت في القضاء عليه، قد تعاني من عودة الوباء بكل سهولة مرة أخرى".
وأضاف كوليجنون، الذي قدم مشورة للبلاد بشأن الحد من تفشي الفيروس: "إن ما يقلقني حقًا هو استخدام مصطلح القضاء على الفيروس، وهو ما يجعل الناس يعتقدون بأن الوباء قد انتهى، وبالتالي يمكنهم العودة إلى أنشطتهم العادية دون فرض أي قيود".
ولقد تجنبت منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى حد كبير التفشي الجامح للوباء، الذي استمر في التأثير على الولايات المتحدة وأجزاء من أوروبا، ولكن استمرار تفشي الوباء في أماكن أخرى يعني أنه من الممكن عودته من جديد إلى أكثر الدول نجاحًا في التصدي له، وذلك بالرغم من فرض القيود على الحدود والحجر الصحي الإلزامي.
وظهرت أول حالة إصابة في تايوان لدى امرأة كانت على اتصال بطيار وصل من الولايات المتحدة، في حين أن الاندلاع المفاجئ في سيدني قد يكون بدأ من أحد عمال فندق مخصص للحجر الصحي، وذلك بعد أن شهدت المدينة الأسترالية انخفاضا في حالات الإصابة لأشهر عديدة.
أزمة فيروس كورونا ستستمر لمدة عامين أو ثلاثة أعوام أخرى حتى مع توافر اللقاحات
اليابان وكوريا
ويأتي ارتفاع حالات الإصابة في وقت تتعرض فيه أجزاء أخرى من المنطقة، التي تمت الإشادة بسيطرتها على الوباء، للضغط مع بداية فصل الشتاء. حيث تمكنت كوريا الجنوبية واليابان من إبقاء حالات الإصابة عند مستوى يمكن السيطرة عليه في معظم أوقات العام الماضي دون اللجوء إلى فرض إغلاق أو قيود مثل تلك التي فُرضت في أماكن أخرى من العالم، ولكنهم باتوا يسجلون في الوقت الحالي معدلات إصابة غير مسبوقة خاصة أن الاستراتيجية التي يتبعها كلا البلدان باتت تواجه تحديا يتمثل في إرهاق الناس من الوباء وهجرتهم الداخلية في ظل الطقس البارد.
وقال كوليجنون إن الدول التي نجحت في تسجيل أدنى حد من انتقال العدوى أو عدم انتقالها قد تحتاج إلى فرض ضوابط أكثر صرامة من أجل إبقاء حالات الإصابة قريبة من الصفر. وكانت هذه هي الاستراتيجية التي طُبقت في أماكن، مثل الصين وأستراليا ونيوزيلندا، التي فرضت بعض من أشد التدابير صرامة للقضاء على تفشي الوباء، وقد عادت الحياة إلى طبيعتها بشكل كبير في هذه الدول. بالرغم من استمرار الناس في ارتداء الأقنعة الطبية في أماكن مثل بكين، كما أن الأستراليين باتوا ممنوعين من السفر إلى الخارج.
وأضاف أنه بدلًا من السعي للقضاء التام على الوباء، ربما يكون من الأفضل محاولة إبقاء العدوى عند مستويات منخفضة، وبالتالي ضمان استمرار الالتزام بإجراءات التباعد الاجتماعي والابتعاد عن العمل عند الإصابة، والابتعاد أيضًا عن الأسرة والحفاظ على ارتداء الأقنعة، ليبدو الأمر وكأن المجتمع آخذ في التحول نحو هذا الواقع الجديد ومتطلباته.
اللقاح سيحول وباء كورونا في نهاية المطاف إلى مرض مثل الإنفلونزا
مخاطر السفر
ويتوقع كوليجنون استمرار أزمة فيروس كورونا لمدة عامين أو ثلاثة أعوام أخرى، حتى مع توافر اللقاحات، التي يُعتقد أنها قد تكون أكثر فعالية في وقاية الشخص المُلقح مقارنة بوقف تفشي الوباء.
وقال: "قد تكون آمنًا إلى حد معقول في بلدك، لكن بمجرد السفر فستكون معرضًا لخطر الإصابة بالعدوى".
وتهدد إمكانية تفشي الوباء من جديد في المجتمع بتشويه بعض قصص النجاح البارزة للتصدي له حتى الآن. وتحتل تايوان المركز الثاني في مؤشر "مرونة التعامل مع كورونا" التابع لـ "بلومبرغ"، وهو مقياس لأفضل الأماكن تعاملا مع عصر "كوفيد-19"، بينما تحتل تايلاند المركز الـ 14، وذلك من أصل 53 اقتصادًا تم تقييمها وإدراجها ضمن المؤشر. وكان المركز الأول من نصيب نيوزيلندا، التي أعلنت تبني استراتيجية للقضاء على الوباء.
ويمكن أن تتسبب عودة ظهور الوباء في هذه الأماكن إلى فرض قيود على الحركة بها مرة أخرى، فعلى سبيل المثال تايلاند التي خففت القيود المفروضة على الزوار القادمين من 56 دولة، مثل الولايات المتحدة واليابان وسنغافورة، في محاولة لتعزيز قطاع السياحة المتعثر في البلاد قبل ذروة موسم الأعياد، أعلنت مؤخرا أنها ستنظر في تشديد إجراءات الرقابة على طواقم الطيران.
اللقاح حل أساسي
وفي كوريا الجنوبية، التي أصبحت ممارساتها لإجراءات الاختبار والتتبع نموذجًا عالميًا لأفضل الممارسات، اعترف مسؤولو الصحة بأن التفشي الأخير للوباء يشكل تحديًا خاصًا بالنسبة لإمكانية التصدي لتكتلات العدوى الصغيرة التي تعتبر أكثر انتشارًا في مختلف أرجاء البلد.
ويقول نايجل ماكميلان، مدير برنامج الأمراض المعدية وعلم المناعة في معهد مينزيس الصحي في كوينزلاند التابع لجامعة جريفيث: "الفيروس سيستمر معنا إلى الأبد ولن يتم القضاء عليه. إن الأمر يتعلق بالخضوع إلى اختبار مستمر وتتبع المخالطين ومنع الاتصالات الوثيقة وإخضاع الزائرين الدوليين القادمين والبحارة وطواقم الطائرات إلى حجر صحي". وأضاف: "اللقاح سيحول هذا الوباء في نهاية المطاف إلى مرض مثل الإنفلونزا".