اعتقدت "كورتني مانينو" (Courtney Mannino) أن ألم ركبتها اليسرى يعود إلى تمزق الأربطة الذي تعرّضت له في مرحلة الدراسة الثانوية، بعد أن تجاهلت ذلك الألم لأطول فترة ممكنة، لكنها اضطرت إلى تقليل المسافة التي تركضها من 6.5 كم إلى النصف، قبل أن تتوقف نهائيًا بسبب الألم وسرعان ما تعذر على هذه الطبيبة الشابة صعود بضعة درجات للوصول إلى العمل.
ولم تكن نتيجة التشخيص سارّة أبدًا لـ"مانينو"، فقد تبين أنها مصابة بتلف غضروفي حاد لا يمكن علاجه بجرعات الكورتيزون ومسكنات الألم العادية، وليس حادًا إلى درجة تستدعي جراحة استبدال الركبة التي عادةً ما تُجرى لمرضى التهاب المفاصل المتقدم الذين يكبرونها بأعوام كثيرة، خاصة أنها لا تزال في سن 29 عامًا .
كيف تتم العملية؟
وفي ظل وجود القليل من الخيارات، قررت "مانينو" طبيبة الأطفال في المركز الطبي "سيدارز سايناي" (Cedars-Sinai) تجربة علاج فريد من نوعه تقدمه شركة التكنولوجيا الحيوية "فيريسل كورب" (Vericel Corp) المتخصصة في هندسة الأنسجة، فمن خلال استخدام سقالة طبية مصنوعة من الكولاجين، تأخذ "فيريسل" بعض الخلايا الغضروفية من المريض، لمضاعفتها في طبق بتري، وتعيد النسيج الجديد إلى الركبة المصابة.
وبعد حوالي عام من خضوعها لهذا الإجراء الطبي، تقول "مانينو" إن حالتها قد تحسنت بشكل مذهل، إذ يمكنها صعود السلالم وركوب الدراجة، مضيفة: "لم تشفَ ركبتي بالكامل، ولكن شعوري بالألم قد قلّ بشكل كبير".
قد يبدو هذا الإجراء من "فيريسل" غريبًا بعض الشيء، حيث تتمثل خطواته في قيام الأطباء أولا بأخذ عينة من الخلايا لإزالة قطعة صغيرة جدًا من غضروف الركبة السليم للمريض، ثم بعد ذلك، يستخرج التقنيون في مختبر الشركة في كامبريدج، ولاية ماساتشوستس، الخلايا الغضروفية ويغمرونها لمدة 10 أيام تقريبًا بالبروتينات والعناصر الغذائية لتحفيز نموها.
وعلى مدار يومين، يزرع التقنيون ملايين الخلايا الغضروفية في طبقة من الكولاجين القابل للتحلل الحيوي، ما ينتج طبقة مكونة من النسيج الحي يتجاوز عرضها 2.5 سم وطولها حوالي 5 سم، ثم يقص الطبيب طبقة النسيج لتناسب حجم الإصابة في ركبة المريض، ومن خلال شق صغير يدخلها في الركبة لتغطية الضرر، دون الحاجة إلى الخياطة الجراحية لأن النسيج الجديد يلتصق في مكانه. ويطلق على العملية بأكملها اسم "زرع الخلايا الغضروفية الذاتية المُستندة إلى المصفوفة" أو "مايسي" (MACI).
وتنمو الخلايا ببطء في غشاء الكولاجين، الذي يذوب دون التسبب بأذى، ثم تنتقل إلى الغضروف المصاب لتصل إلى العظام. حيث تلتحم وتحفز إنتاج الخلايا الغضروفية، وتملأ الفجوات تدريجيًا مما يؤدي إلى تقليل الألم وتحسين وظيفة الركبة. ويصف "نيك كولانجيلو" (Nick Colangelo) الرئيس التنفيذي لشركة "فيريسل" هذا الإجراء بأنه "أشبه بملء حفرة في الشارع".
أكثر فاعلية لبعض المرضى من الكورتيزون
قد يبدو ذلك الإجراء معقدًا بعض الشيء، إلا أنه أكثر سهولة مقارنةً بالعمليات التقليدية التدخلية والمعقدة، وبالنسبة لبعض المرضى، يكون إجراء "مايسي" أكثر فاعلية من الكورتيزون والأدوية التي توصف عادةً لعلاج مشكلات الركبة. إذ يمثل هذا الإجراء الطبي الذي اعتمدته إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (Food and Drug Administration) في ديسمبر عام 2016، فرصة هامة للعدد المتزايد من المصابين بتلف الغضاريف حتى ممن يمارسون الرياضة ليوم أو اثنين فقط في الأسبوع.
وصرّحت "فيريسل" بأن عدد الجراحين الأمريكيين الذين تم تدريبهم على هذا الإجراء قد تجاوز 900 طبيب في عام 2018، أي ما يقارب ضعف عددهم عام 2017. ويقول "كريستوفر جونز" (Kristofer Jones) جراح تقويم العظام في "جامعة كاليفورنيا" (University of California) في لوس أنجلوس والخبير في عمليات إصلاح الغضاريف: "أعتقد أننا سنشهد انتشارًا أكبر لهذه التقنية، لأنها بسيطة جدًا".
ويُعد إجراء "مايسي" جزءًا من التطور الواسع الذي تشهده هندسة الأنسجة، التي تتضمن استخدام العلاجات المتقدمة بالخلايا من أجل تحفيز نمو أجزاء من الأعضاء. وقد طُبق الإجراء في إعادة بناء قصبة هوائية مصابة وبعض الأوعية الدموية، كما يطوّر الباحثون هذا الإجراء ليشمل ترميم الجروح المزمنة وعلاج إصابات النخاع الشوكي.
مبيعات قياسية
وسرعان ما أصبحت الشريحة الغضروفية المنتج الرئيسي لشركة "فيريسل" (Vericel)، التي كانت معروفة حتى عام 2014 باسم "آستروم للعلوم البيولوجية إنك" (Aastrom Biosciences Inc). فمنذ اعتماد إدارة الغذاء والدواء الأمريكي لإجراء "مايسي"، حققت "فيريسل" مبيعات قياسية على مدار 5 أرباع متتالية. كما كان من المتوقع أن تصل إيرادات عام 2018 لأكثر من 80 مليون دولار، في ارتفاع قدره 64 مليون دولار عن عام 2017.
وتشير تقديرات "دانييل أنتلفي" (Danielle Antalffy) المحلل في بنك الاستثمار "ليرينك بارتنرز إل إل سي" (Leerink Partners LLC)، إلى أن ما بين 10 إلى 15 ألفًا من المرضى في الولايات المتحدة يحتاجون للخضوع لهذا الإجراء سنويًا، وهذا يشكل سوقًا محتملة لـ"فيريسل" قيمتها 700 مليون دولار سنويًا.
وتتحدث الأرقام أيضًا عن أن إجراء "مايسي" ليس قليل التكلفة. إذ تبلغ تكلفة النسيج الواحد 40 ألف دولار، وقد يكون الحصول على تغطية التأمين أمرًا صعبًا لأن الإجراء قد طُرح حديثًا، كما أنه لا يحقق نجاحًا لدى جميع المصابين بالتلف الغضروفي، لذلك يجب على المرضى المصابين بـالحالة الالتهابية من الفُصال العظمي، والذين يصل عددهم إلى أكثر من 27 مليون أمريكي، التمسك بالعلاجات التقليدية.
لكن لا يزال إجراء "مايسي" يستحق كل هذا العناء، حسب "مانينو"، وخاصةً بالنسبة لمن تقل أعمارهم عن 55 عامًا ولا يريدون التفكير في إجراء عملية استبدال الركبة بعد، قائلة: "لا يعقل ألا أكون قادرة على صعود ونزول الدرج وأنا ما زلت في شبابي".
الخلاصة: يناسب إجراء "مايسي" حوالي من 10 آلاف إلى 15 ألف مريض سنويًا فقط، ولكنه يتمتع بأهمية كبرى بالنسبة لهؤلاء الأشخاص وهذا ما أدى إلى ارتفاع عائدات "فيريسيل" بنسبة 25 بالمئة عام 2018.