تسبب الازدحام الذي أحدثه متحور "أوميكرون" في المستشفيات في جعل الدخول إليها أمراً أكثر خطورة، بل وربما أشد فتكاً.
يُعَدّ هذا المتحور شديد العدوى على نحو جعل المستشفيات مكتظة بالمرضى، في وقت تعاني فيه نقصاً حاداً في الموظفين. وفي الوقت الذي يُعَدّ فيه "أوميكرون" أقل حدة في أعراضه من المتحورات الأخرى لـ"كوفيد-19"، فإن هذا الوضع المرتبك بالمستشفيات لا يتيح الشعور بهذه الميزة.
قال سمير قدري، طبيب العناية المركزة في المركز الطبي للمعاهد الوطنية للصحة بالولايات المتحدة، إن "الاكتظاظ بالمستشفيات قاتل".
وكان قدري الباحث الرئيسي في دراسة رائدة كشفت عن تزايد حالات الوَفَيَات بين مرضى "كوفيد" في وقت مبكر من تفشي الوباء، عندما كانت الأطقم الطبية مضغوطة بسبب ارتفاع عدد الإصابات. وأشارت الدراسة إلى أن حالة وفاة واحدة من بين كل أربع حالات يمكن أن تُعزى إلى الزيادات الحادة في عدد الإصابات.
وأضاف قدري أنه حتى مع وجود متحور "أوميكرون" الأقل شدة فإنه "عند مرحلة ما، يصبح الاكتظاظ لعبة أرقام ضخمة"، على حد قوله. ونوّه بأنه "إذا كانت الأرقام مرتفعة حقاً فهذا ليس علم صناعة الصواريخ.. سواء يوجد متحور أو لا يوجد، من المحتمل أن يستمرّ الاكتظاظ في التسبب بفقدان المرضى".
من بين الحالات الخطيرة التي سببتها أزمة ندرة الطواقم الطبية، تشير الممرضات إلى زيادة الإصابات الناجمة عن البقاء في المستشفيات، بما في ذلك مرضى "كوفيد"، وإصابات الضغط مثل التقرحات، وحالات انهيار المرضى، والتأخير في إزالة الأجهزة مثل القسطرة.
من جانبه، قال دوج وايت، أستاذ الرعاية الحرجة في كلية الطب بجامعة بيتسبرغ، إن عديداً من المراكز الطبية بالولايات المتحدة ممتلئ لدرجة أنه إذا احتاج المريض في مستشفى مجتمعي صغير إلى الانتقال إلى منشأة أخرى للحصول على غسل الكلى لإنقاذ حياته، أو التعامل مع النوبات القلبية المتقدمة، فقد ينتهي به المطاف إلى الموت بسبب نقص الأسِرّة المتاحة. وأشار إلى أن هذا ما يطلق عليها الأطباء "الاحتضار في المكان"، وهو آخذ في الارتفاع.
جرى تداول قصص مروعة على امتداد أمريكا ضمن الوسط الطبي، حول مرضى جرى العثور عليهم أمواتاً داخل دورات مياه غرفهم بالمستشفى، بعد أن نزعوا إمدادات الأكسجين عنهم للنهوض من الفراش. وقال وايت: "انطلقت أجهزة الإنذار ولم يجدوا من يعتني بها. المستشفيات تجاوزت الحد الأقصى وتقترب من مرحلة الانهيار".
نُدرة الموارد
يؤثر نقص عدد الموظفين في جميع المرضى، لا أولئك الذين يعانون من أعراض "كوفيد" فحسب. وأضاف وايت: "الجميع، سواء كنت تعاني من نوبة قلبية أو فشل كلوي أو مشكلة في المرارة، فأنت ومرضى كوفيد تتنافسون للحصول على مساعدة الموارد نفسها التي تعاني من الندرة".
أفاد ما يقرب من خُمس المستشفيات أنها تعاني من نقص حادّ في الموظفين، حتى مع بلوغ عدد المرضى أرقاماً قياسية. وازداد نقص الموظفين في بعض المستشفيات تفاقماً لدرجة أن الطواقم الطبية العسكرية في طريقها للمساعدة في ست ولايات.
يُعَدّ "لايف سبان"، المركز الصحي الواقع في "رود آيلاند" ويضم أكثر من 1200 سرير، من بين المراكز المحظوظة التي تحصل على مساعدة الطواقم الطبية العسكرية. وقال تيم بابينو، الرئيس التنفيذي لـ"لايف سبان"، إنّ المركز يعاني نقصاً "غير مسبوق" في طاقم العمل.
على الرغم من شعورها بالامتنان والتقدير لمساعدة ما لا يقل عن 17 فرداً من الطاقم الطبي العسكري الذين أرسلتهم إدارة الرئيس الأمريكي بايدن، قالت ليزا أبوت، نائبة رئيس "لايف سبان"، إنه لا تزال الحاجة إلى المزيد من الطواقم ضخمة. وأضافت: "الأمر أشبه بحريق في مكبّ للقمامة. نحن نشهد جائحة محفوفة بأزمة نقص الطواقم. (أوميكرون) هو المُسرّع للحريق في مكبّ القمامة".
رعاية منقوصة
أظهر استطلاع للرأي صدر يوم الخميس الماضي عن الاتحاد الدولي لموظفي الخدمة أن الغالبية العظمى من بين أكثر من 1500 من العاملين بمجال الرعاية الصحية، الذين شملهم الاستطلاع، أبدوا قلقهم بشأن مخاطر نقص الموظفين.
من بين الموظفين الطبيين في الخطوط الأمامية في مؤسسة "إتش سي إيه" (HCA Healthcare)، التي تضم أكبر سلسلة مستشفيات هادفة إلى الربح في البلاد، وافق 89% على أن "نقص الموظفين في مستشفى ما، يعرّض رعاية المرضى للخطر"، حسبما أشار بيان صحفي للاتحاد.
وبالنسبة إلى "لايف سبان" فإنّ مستشفى رود آيلاند الرائد التابع له قادر على علاج نحو 590 مريضاً فقط في منشأة تضم أكثر من 700 سرير. ونحوالي 180 مريضاً داخلياً حالياً مصابون بفيروس "كوفيد"، وهو أكبر من أي رقم في وقت آخر خلال الوباء.
ويعمل لدى "لايف سبان" 17 ألف شخص، ولكن يوجد حالياً أكثر من 2000 وظيفة شاغرة. وأكثر من 600 موظف مصابون بالفيروس. وقال أبوت: "نحن نواصل المضي قدماً".