يرى بعض العلماء أن الوقت مبكر للقول إن مستويات مبيدات الأعشاب الموجودة في جميع المنتجات بالمتاجر آمنة

ما هي كمية المبيدات الضارة المسموح بها في غذائنا؟

المصدر: - المصدر: بلومبرغ
المصدر: - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

سمع كثير من المستهلكين عن مادة "غليفوسيت" (Glyphosate)، تلك المادة الفعالة في مبيدات الأعشاب الضارة المعروفة بـاسم "راوند أب" (Roundup)، ولابد أنهم سمعوا أيضاً بالتحذيرات المتعلقة بوجودها في العديد من الأطعمة المفضلة لديهم.

وتوجد هذه المادة في عدة أطعمة، بدءًا من الشوفان وصولاً إلى ألواح الغرانولا والمثلجات وحتى عصير البرتقال، إذ يمكن العثور على كميات قليلة جداً من هذه المادة الكيميائية في العديد من المنتجات الموجودة في السوبرماركت.

وحقّقت مبيدات الأعشاب "راوند أب" نجاحاً كبيراً وانتشاراً واسعاً في جميع أنحاء العالم، منذ أن طرحته شركة "مونسانتو كو." (Monsanto Co) في الأسواق في سبعينيات القرن الماضي، وبناء عليه تم تعديل معظم محاصيل الذرة وفول الصويا في الولايات المتحدة جينياً لتتحمل هذا المبيد، ما جعله عنصراً مهماً في الزراعة الحديثة.

تغير ذلك في عام 2015، إذ قامت "الوكالة الدولية لبحوث السرطان" التابعة لـ"منظمة الصحة العالمية" بإدراجه ضمن قائمة المواد التي قد تكون مسرطنة، ومنذ ذلك الوقت، بدأت شركة "مونسانتو" بمواجهة مشاكل قانونية تحمّلت عبئها شركة "باير أيه جيي" (Bayer AG) بعد أن اشترتها في شهر يونيو 2018 مقابل 66 مليار دولار.

إصابات بالسرطان ودعاوى بالآلاف

وترى الجهات التنظيمية، ومن بينها "وكالة حماية البيئة الأمريكية"، أن نسبة "الغليفوسيت" الموجود في الطعام قليلة جداً ولا تسبب مشاكل، إلا أن بعض العلماء يدّعون أنه لا توجد معلومات كافية حول آثار تناول هذه المادة بنسب بسيطة وخاصة على المدى الطويل.

وتقول "سينثيا كيرل"، المدير المشارك في "مركز التميّز في الصحة والسلامة البيئية" في "جامعة بويزي الحكومية" (Boise State University): إنه "من الواضح أن هذه المادة موجودة في كل شيء، والمعلومات التي لدينا تدفعنا لمعرفة المزيد".

فيما رفضت شركة "باير"، التقرير الذي أعدته "الوكالة الدولية لبحوث السرطان"، مؤكدةً أنّ "الجليفوسيت" آمن عندما يُستخدم كما يجب. ولتدعيم موقفها استشهدت بدراسات عديدة وعدد من الجهات التشريعية من بينهم "وكالة حماية البيئة الأمريكية" و"الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية" اللتان استبعدتا أن يكون مبيد الأعشاب مسرطناً.

ولكن الشركة تعرضت لخسارة كبيرة عندما أيد قاضٍ في محكمة كاليفورنيا قرار هيئة المحلفين الذي يقضي بأن منتج "راوند أب" ساهم في إصابة مزارع يدعى "لي جونسون" بمرض السرطان، والذي كان يعمل في مدرسة بولاية كاليفورنيا، حيث كان يخلط ويرش مئات الغالونات من مبيد الأعشاب الضارة.

وقضى قرار المحكمة بتغريم شركة "باير"، التي قالت إنّها تنوي الاستئناف، مبلغ 78.6 مليون دولار في الوقت الذي ينتظر فيه الشركة حوالي 8,700 دعوى مماثلة. فيما يقول أحد المحللين إن هذه الدعاوى قد تُغرّم الشركة مبالغ تصل إلى مئات مليارات الدولارات في حال ثبت أن المادة الموجودة في المبيد مسرطنة بالفعل.

"الغليفوسات" (Glyphosate). المصور: "ثيري تشارلي" (Thierry Charlier)/AFP عبر Getty Images
"الغليفوسات" (Glyphosate). المصور: "ثيري تشارلي" (Thierry Charlier)/AFP عبر Getty Images

شعبية الأغذية العضوية تزداد

يعد ازدياد قلق المستهلكين من بقايا المواد الكيميائية في الطعام ما هو إلا جزء من حركة "الطعام النظيف"؛ إذ يقول المحلل في مجال صناعة الأغذية والمشروبات لدى "إن بي دي غروب" (NPD Group) "دارين سايفر" إن المتسوقين يبحثون عن الأغذية بشكلها الأقرب إلى الطبيعة، فقد ازدادت في الآونة الأخيرة شعبية الأغذية العضوية أو التي تحتوي فقط على مكونات طبيعية، ويتجنب أكثر من نصف البالغين المكونات المصنّعة والمواد الحافظة، وخاصة مَن ينتمي إلى جيل "الألفية" (Millennials) و"الجيل الذي يليه" (Generation Z) .

وبغض النظر عن الطريقة التي ستنتهي بها الدعوى المرفوعة ضد "راوند أب"، يبدو أنّ قطاع الأغذية يعيد النظر في الصناعة ليتأقلم مع الوعي العام حول المواد الكيميائية الزراعية واستخدامها في الإمدادات الغذائية.

وبدأت تظهر على ملصقات الأغذية عبارات بهدف طمأنة المستهلكين ممن يدققون بما يأكلون، فبحسب تقرير شركة أبحاث السوق "مينتل" (Mintel) يعتقد ثلث مشتريِ الخضراوات أن علامة "خالٍ من المبيدات الحشرية" مهمة، كما ظهرت شركات تمنح شهادات للعلامات الغذائية تفيد بخلو منتجاتها من بقايا "الغليفوسيت"، مثل شركة "ديتوكس بروجيكت" (Detox Project)، التي تقول إن عدد الشركات التي تسعى إلى الحصول على خدماتها يتزايد مع الارتفاع الكبير في أعداد المشاركين في حركة "الطعام النظيف".

ويؤكّد على هذا كبير العلماء لدى منظمة "كونسيومرز يونيون" (Consumers Union) التي تعد الجهة الداعمة لـمجلة "كونسيومرز ريبوتس" (Consumer Reports) "مايكل هانسن"، إذ يقول: "يهتم البعض بالمخاطر بغض النظر عن حجمها".

المواد الكيميائية حاضرة في أغذيتنا

من ناحية أخرى، صرّحت إدارة "ترامب" كغيرها من الإدارات السابقة بأنه لا داعي للقلق؛ فيما أصدرت "هيئة الغذاء والدواء" بيانات في عام 2018 تفيد بأنها لم تعثر على هذه المادة في الحليب والبيض. لكنها عثرت على نسبٍ قليلةٍ منها في بعض عينات الذرة وفول الصويا لكنها أقل من الحد الأدنى المعتمد من "وكالة حماية البيئة الأمريكية"، علماً بأن العديد من العينات الأخرى كانت نتائجها سلبية. والجدير بالذكر أن "هيئة الغذاء والدواء" تجري لأول مرة أبحاثاً لتحديد نسب مادة "الغليفوسيت" في المحاصيل الزراعية.

وظهرت مؤخراً دراسة تذكّر الأمريكيين بوجود مواد كيميائية في عصير البرتقال المفضل لديهم لوجبة الفطور، وقد كانت النتائج في صالح الشركات المصنّعة، وقد أجريت هذه الدراسة بطلب من مجموعة التوعية الغذائية "مومز أكروس أمريكا" (Moms Across America) في مختبرات "هيلث ريسيرش إنستيتيوت" (Health Research Institute Laboratories).

وتشير نتائج الدراسة إلى أنّ نسبة مادة "الغليفوسيت" الفعّال في عصير البرتقال يتراوح ما بين 2.99 جزء من المليار في العلامة التجارية "سيغنيتشار فارمز" (Signature Farms) الخاصة بسلسلة متاجر "سيفوي" (Safeway) إلى 17.16 جزء من المليار في العلامة التجارية "تروبيكانا" (Tropicana) كحدٍ أعلى، فيما كانت نسب المادة الفعّالة في عصير برتقال كل من "مينيت ميد" (Minute Maid) و"ستاتر بروز" (Stater Bros.)

و"فلوريداز ناتشورال" (Florida’s Natural) و"كيركلاند" (Kirkland) بين هاتين النسبتين.

ويذكر أن نتائج عام 2018 أقل من نتائج 2017 التي تراوحت بين 4.33 و26.05، فيما تبلغ نسب "الغليفوسيت" التي تسمح بها "وكالة حماية البيئة الأمريكية" في عصائر الحمضيات 500 جزء من المليار.

المصور: "دانيال أكر" (Daniel Acker)/ بلومبرغ
المصور: "دانيال أكر" (Daniel Acker)/ بلومبرغ

وشدّد كل من "جمعية منتاجات العصائر" (The Juice Products Association)، وهي مجموعة ضغط في صناعة الأغذية والمشروبات، و"ستاتر بروز" (Stater Bros) و"مينيت ميد" (Minute Maid) و"كوستكو" (Costco) على التزامهم بالقوانين الفيدرالية واللوائح التنظيمية في الدولة. أما "تروبيكانا" (Tropicana) و"سيف واي" (Safeway) و"فلوريداز ناتشورال" (Florida’s Natural) فلم يستجيبوا لطلب التعليق على الموضوع.

كما شككت الجمعية من جهتها في صحة نتائج الدراسة الأخيرة نظراً لاتباع الدراسة اختباراً يُجرى لفحص الحليب، علماً أنّ شركة "مونسانتو" هي من وضعته. فيما لم يتمكّن أحد من تفسير بسبب انخفاض نسبة "الغليفوسيت" في نتائج الدراسة.

ويعتمد مقدار المادة الكيميائية المستخدمة لمكافحة الأعشاب الضارة في بساتين الحمضيات على معدل هطول الأمطار، ودرجات الحرارة، ونوع الحمضيات المزروعة، بالإضافة إلى متغيرات أخرى، بحسب مدير الاتصالات في منظمة الصناعات التعاونية "فلوريدا سيترس ميوتشوال" (Florida Citrus Mutual) "أندرو ميدوز".

كما أشار إلى أنه لا يمكنه شرح نتائج الدراسة أو حتى يتأكد من صحتها، إلا أنه على علم بأن المزارعين يحاولون دائماً تقليل المواد الكيميائية المستخدمة، بما في ذلك المبيدات الحشرية.

اختبارات مادة "غليفوسيت" على الحيوانات تظهر نتائج سيئة

وقالت الوكالة المسؤولة عن تنظيم وتسويق الحمضيات في ولاية فلوريدا إن البساتين "تُعالج بحكمة باستخدام منتجات معتمدة اختبرتها مجموعة من الخبراء والجهات الحكومية للتأكد من أنّها آمنة".

وعلّق عالم السموم في شركة باير "بيل ريفز" (Bill Reeves): "قد تكون الأرقام دقيقة، إلا أن استنتاج وجود ما يدعو للقلق غير دقيق". وأشار "ريفز"، الذي يعمل ضمن فريق السياسات التنظيمية والشؤون العلمية، إلى أن النسبة المصرّح بها للفاكهة الحمضية من قبل "وكالة حماية البيئة الأمريكية" أعلى 29 مرة من أعلى نسبة تركيز وصلت إليها الدراسة.

أما "كارل ونتر" (Carl Winter)، عالم السموم في "جامعة كاليفورنيا – ديفيس" (University of California at Davis)، كان أكثر صراحة، حيث قال: "على المرء أن يتعرض لما يعادل 250 ألف ضعف أعلى نسبة من التركيز في عينات عصير البرتقال حتى يصبح عرضة لأي خطر"، مشيراً إلى أنه أجرى هذا التحليل على اعتبار أنّه يتعامل مع طفل يبلغ وزنه 30 كيلوجراماً "وهذا بحد ذاته أقل بـ100 مرة من النسبة التي قد تسبب أي آثار على الحيوانات في المختبرات".

المصور: جاسبار جوينين (Jasper Juinen)/ بلومبرغ
المصور: جاسبار جوينين (Jasper Juinen)/ بلومبرغ

أما أستاذة الصحة البيئية والمهنية في "جامعة جورج واشنطن" (George Washington University) "ميليسا بيري" فتشير إلى أنّ الأبحاث المتوفرة محدودة، وذلك لعدم وجود طريقة واعدة لقياس نسبة "الغليفوسيت" في جسم الإنسان. بينما تقوم "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة" بعمليات تقييم مئات المواد الكيميائية على مستوى الدولة لمعرفة نسبة وجودها في جسم المواطن الأمريكي العادي.

وتقول "بيري" أنه لم يتم العثور على مادة الغليفوسيت إلى الآن، موضحة أنّ الشركات التي تقول إن المنتجات التي تحتوي على المادة آمنة لا يمكنها الاستشهاد بأي دراسة "يمكنها قياس نسبة "الغليفوسيت" في الجسم وتشير إلى آثار معينة على الصحة".

وتعمل "بيري" مع مجموعة من الباحثين في أوروبا والولايات المتحدة على دراسة لاختبار آثار المادة الكيميائية على الصحة بناءً على نسب التعرّض اليومي لها، وأظهرت نتائج الدراسة الأولية التي صدرت في بداية عام 2018 وجود آثار سيئة جداً على الفئران عند إعطائها جرعات من "الغليفوسيت"، بنسب تعتبر آمنة وفقًا لـ "وكالة حماية البيئة الأمريكية"، ومن بينها تأثّر التطور الجنسي لدى إناث الفئران.

وذكرت شركة "باير" (Bayer) في رسالة عبر البريد الإلكتروني أن "آثار الغليفوسيت على قدرة الإنجاب والتطور هي جزء من التقييمات التي تجريها الجهات التنظيمية، وتُظهر البيانات دوماً أن الغليفوسيت لا يسبب أي مشاكل في القدرة على الإنجاب والتطور الطبيعي في البشر".

النتائج قد تكون مقلقة على مستوى جميع السكان

يقول "بروس لي"، الأستاذ المشارك في الصحة الدولية في "كلية بلومبرغ للصحة العامة" (Bloomberg School of Public Health) في جامعة "جونز هوبكنز" (Johns Hopkins) والمدير التنفيذي لـ"المركز العالمي للوقاية من السمنة" (Global Obesity Prevention Center)، إنه يجب على الشركات والجهات التنظيمية الاهتمام أكثر بفحص المواد الكيميائية قبل طرحها في الأسواق وليس بعد ذلك.

وعندما سُئلت شركة "باير" عن الفحوصات التي أجرتها على "الغليفوسيت" قبل طرح المنتج في الأسواق، كانت الإجابة: "تخضع المبيدات الحشرية لفحوصات شاملة من قبل الجهات التنظيمية قبل بيعها، حيث تطلب "وكالة حماية البيئة الأمريكية" أن تخضع جميع المبيدات الحشرية لأكثر من 100 دراسة سلامة قبل المصادقة عليها".

كما أشارت أستاذة علم الأوبئة في "المركز الطبي في جامعة كولومبيا" "بام فاكتور ليتفاك" إلى أن عدم ظهور آثار مباشرة على الأشخاص فور التعرض للمواد الكيميائية لا يعني نهاية النقاش الدائر، مشددة على أن تقييم المخاطر على نحوٍ أدق يحتاج إلى فترة زمنية أطول وتقييم الآثار على جميع السكان.

وأضافت: "عند النظر إلى أبحاث الكيماويات البيئية لا يمكنك التفكير بالاستنتاجات الفردية"، مشيرة إلى أن النتائج الفردية قد تحمل هامشاً من الخطأ؛ لكن النتائج قد تكون مقلقة على مستوى جميع السكان "فهي تُظهر لنا شريحة أوسع من النسبة التي تظهر عليها الآثار السلبية".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات