لقد كان عاماً غريباً، لذا سيُغفر لك إن فاتك شيء غريبٌ حدث في المملكة المتحدة الشهر الماضي، عندما أصدر رئيس الوزراء بوريس جونسون، زعيم حزب المحافظين، قراراً بحظر مبيعات السيارات الجديدة ذات محركات الاحتراق الداخلي اعتباراً من عام 2030، وكان القرار مدعوماً من أمثال عملاق النفط "رويال داتش شل"، و"اتحاد الصناعات البريطاني"، وهي مجموعة شركات قوية.
كيف أصبح هؤلاء المدافعون عن السياسات التي يحرِّكها السوق، مع عدد أقل من الجهات التنظيمية، من المروِّجين لمثل هذا التدخل شديد الوطأة؟
الانبعاثات
ربما يكون الحظر ببساطة أمراً يجب أن تفعله أيَّة حكومة قادرة على اتخاذ القرار، بغض النظر عن ميولها السياسية.
وتمتلك المملكة المتحدة هدفاً ملزماً بموجب القانون للوصول إلى صافي الانبعاثات لمستوى الصفر مع حلول عام 2050، وهذا يعني خفض الانبعاثات بسرعة من قبل جميع القطاعات، بما في ذلك قطاع النقل.
وفي العام الماضي، أوصى مستشار الحكومة المستقل، لجنة تغير المناخ، بتطبيق قرار الحظر مع حلول عام 2030 كطريقة لتحقيق أهداف المناخ في المملكة المتحدة، ولذلك ربما عمل جونسون للتو بهذه النصيحة الحكيمة.
ومن المحتمل أن يكون هناك سبب أعمق أيضاً، فقد كتب "فاتسلاف سميل"، أحد أبرز الباحثين في العالم في تحوُّلات الطاقة (وهو واحد من الكتَّاب المفضَّلين لدى بيل جيتس) قائلاً: "بما أنَّ المصادر القائمة تعمل بشكل جيد، ومتاحة بسهولة، ومربحة، فإنَّ بدائلها، مع تلك التي تتمتَّع بصفات فائقة بوضوح، ستتقدَّم ببطء في النهاية".
فالسيارات الكهربائية (EVs) تتفوق على أبناء عمومتها التي تعمل بمحركات البنزين (ICE)؛ بأنَّها أكثر هدوءاً، وقوةً، وراحةً، كما أنها لا تسدُّ الأفق بانبعاثات أنبوب العادم الملوثة للهواء، وهي أكثر كفاءة في استخدام الطاقة.
التغير المناخي
وأما بالنسبة للعديد من الأشخاص، مثل أولئك الذين يسافرون يومياً لمسافات طويلة، فإنَّ تكلفة عمر المركبة الكهربائية -بما في ذلك سعر الشراء مقدماً- وإنفاق الوقود أقل بالفعل من سيارات محركات البنزين.
وأظهرت لجنة التغيُّر المناخي، أنَّ حظر المملكة المتحدة لمبيعات سيارات محركات البنزين قبل 10 سنوات، مما كان مخططاً له سابقاً، سيوفر للبريطانيين المزيد من المال في وقت أقرب.
ومع ذلك، لا يزال استيعاب السوق لها في معظم البلدان حول العالم منخفضاً، ولسوء الحظ، غالباً لا يتعلق اتخاذ قرارٍ من أجل اعتماد تقنية جديدة، بمزاياها وعيوبها، إذ يميل الناس إلى تفضيل "الشيطان" الذي يعرفونه، بدلاً من تجربة خيارات جديدة، ويحتاجون إلى الحافز للتغلب على الجمود من أجل إحداث التغيير.
في كتابه "الطاقة والحضارة: تاريخ"، يوضِّح "سميل" أنَّ حيوانات جرِّ العربات، وسواقي ريِّ المياه، طوال الثورة الصناعية الأوروبية، تتعايش مع المحركات البخارية، على الرغم من أنَّ المحركات كانت أفضل بكثير.
وفي الولايات المتحدة الغنية بالخشب، تجاوز الفحم الخشب كمصدر للوقود فقط، في ثمانينيات القرن التاسع عشر، في حين أنَّ المملكة المتحدة قامت بهذا التحوُّل في عشرينيات القرن التاسع عشر. واستغرق الأمر حتى العشرينيات من القرن الماضي، إلى أن تفوَّقت القوة الميكانيكية على الخيول والبغال في الزراعة، وتوقَّفت وزارة الزراعة الأمريكية عن عدِّ "الحيوانات العاملة" فقط في عام 1963.
الطاقة المتجددة
وفي هذا السياق، فإنَّ هذا التعليق من رئيس عمليات شركة "شل" في المملكة المتحدة ، سينيد لينش، منطقي تماماً، فقد كتب في منشور له على موقع "لينكد إن" في يوليو الماضي، يدعو فيه الحكومة لفرض حظر عام 2030 قائلاً: "التكنولوجيا جاهزة ... البنية التحتية تنمو ، لكنَّ سرعة التحوُّل تحتاج إلى التعجيل خلال العقد المقبل".
وتحرص شركة "شل" على حدوث هذا التحوُّل بعد أن اشترت شركةٌ، مرافقَ يمكنها توفير الطاقة المتجددة، واستحوذت على شركة ناشئة تبني محطات شحن للمركبات الكهربائية، وتضع هدفاً لتصل بأعمالها إلى صافي الانبعاثات الصفرية مع حلول عام 2050.
توضِّح التوقُّعات مدى فعالية الحظر المحتمل أكثر من انتظار تغيير عادات المستهلكين. ويقدِّر فريق قطاع النقل في "بلومبرغ إن أي أف" أنَّه بدون حظرٍ أو حوافز أخرى ، ستشكل المركبات الكهربائية 42% من سوق السيارات في المملكة المتحدة في 2030 و 56% في 2035.
وتستمر السيارات عادةً في العمل على الطريق في المملكة المتحدة مدة 14 عاماً ، وفقاً لجمعية مصنِّعي السيارات والتجار، وبالتالي فإنَّ الاعتماد ببساطة على قوى السوق، يعني أنَّ الدولة ستفشل في تحقيق هدفها المناخي.
ولهذا السبب حدَّدت 13 دولة أخرى أهدافا مماثلة أيضاً، مع حظر النرويج للسيارات الجديدة التي تعمل بالوقود الأحفوري مع حلول عام 2025.
النقل النظيف
بعبارة أخرى ، تخلَّت المملكة المتحدة عن تحفيز التحوُّل لوسائل النقل النظيف حتى وقت متأخر جداً، لدرجة أنَّ فرض الحظر على مبيعات سيارات محركات البنزين فقط؛ قد يوفِّر القوة الدافعة اللازمة الآن.
ومن المؤكَّد أنَّ خطوة جونسون، تدخلٌ شديد الوطأة، لكنها على الأقل لا تتعارض مع تيار التكنولوجيا والاقتصاد الصاعد. إنَّه يدفع عملية التحوُّل للسير بشكل أسرع في الاتجاه الذي كانت تتجه إليه قوى السوق بالفعل.