يأتي أكبر تهديد لتغير المناخ بشكل متزايد من قادة الصين والهند، لأنهم يطاردون فانتازيا مُسممة للقرن التاسع عشر تهدف لنيل القوة والثروة. يجب أن تكون لديهم بصيرة أفضل.
مع اندلاع حرائق الغابات المروعة في اليونان وكاليفورنيا وتركيا الأسبوع الماضي، قدَّم أحدث تقرير صادر عن "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" (IPCC) تقييماً واقعياً للأضرار التي تسبب بها البشر على كوكبهم منذ الثورة الصناعية.
بالتأكيد، بينما يجتاح الجفاف بلداناً بأكملها، ويؤجج الحروب الأهلية التي تمتد عبر الحدود الوطنية، ويدفع للهجرة غير المنضبطة، يبدو العمل التعاوني أمراً ضرورياً، بغض النظر عن أي البلدان أصبحت دولاً صناعية أولاً وساهمت ببدء عملية تغير المناخ. لكن يواجه الهدف المُلِح عالمياً لإزالة الكربون في القرن الحادي والعشرين عقبة أكبر من قبل الناكرين لتغير المناخ في الغرب: كما يقلد القوميون في الهند والصين ذلك عبر مطاردتهم لفانتازيا القوة والثروة التابعة للقرن التاسع عشر.
الاعتماد على الفحم
ليس من قبيل المصادفة أن كلا البلدين - اللذين لا يزالان يعتمدان بشكل كبير على الفحم وهما من بين أكبر مصادر انبعاثات الكربون في العالم - رفضا الموافقة على حد 1.5 درجة مئوية لمتوسط درجة الحرارة العالمية الذي اقترحه الرئيس جو بايدن في منتدى الاقتصادات الرئيسية حول الطاقة والمناخ في أبريل. يتحدث شي جين بينغ عن بناء "حضارة بيئية"، لكن ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" أن الصين قد سرعت من بنائها للصناعة التي تعمل بالفحم خلال النصف الأول من عام 2021.
بعد إذلال الإمبرياليين الغربيين لهم، شرع كلا البلدين الآسيويين في الأربعينيات من القرن الماضي لمضاهاة القوة الاقتصادية والعسكرية لمعذبيهم من خلال بناء دول قومية قوية بواسطة ثوراتهم الصناعية.
قام القادة المتعاقبون، سواء كانوا ماو تسي تونغ أو جواهر لال نهرو، شي جين بينغ أو ناريندرا مودي، رأسمالي أو شيوعي، ديمقراطي أو استبدادي، ببناء شرعيتهم على وعد بتقديم ثمار الحداثة الصناعية والسيادة غير المنتهكة لمواطنيهم.
وكونهم غير واثقين بأنفسهم، عزز بعضهم شعور قومية غير مستقرة تُنسِب المجد والقوة إلى الذات، فيما تصور الآخرين، وبقية العالم، على أنهم غيورون وحاقدون.
رغم طموحات خفض الانبعاثات... الصين تواصل بناء مصانع ومحطات لإنتاج الصلب والفحم
الأمر ليس من الضروري أن يكون على هذا النحو، وما زال من الممكن ألّا يكون على هذا النحو.
لقد حذر غاندي: "لا سمح الله، من أن تتجه الهند نحو التصنيع على غرار الغرب". إذ كتب في عام 1928: "إذا قامت أمة بكامل سكانها الذين يبلغ تعدادهم 300 مليون نسمة باستغلال اقتصادي مماثل، فستجرد العالم وتجعله عارياً كما لو أن جرادا قد اجتاحه".
نزعة تنموية مقلدة
بالعودة إلى عام 2004، عندما لم يكن صعود الصين يبدو مضموناً، كان عالم البيئة الرائد في البلاد ليانغ كونغجي قلقاً بالفعل بشأن الموارد اللازمة لجلب 1.3 مليار صيني إلى مستويات الاستهلاك المعهودة في المجتمعات الغربية. عندما التقيت به في ذلك العام، أتذكره وهو يقول إن مشروع الصين لتصبح قوية مثل الغرب باستخدام الأساليب الغربية لم يكن مستداماً بيئياً. في الواقع، كان جد ليانغ، ليانغ كيشاو، أحد المفكرين المعاصرين الرائدين في الصين، من بين أوائل القادة المناهضين للإمبريالية في آسيا وإفريقيا الذين حذَّروا من النزعة التنموية المقلدة.
كان القادة والمفكرون الآسيويون في القرن العشرين قلقون بالفعل من أن النظام العالمي للدول القومية التي تنافس بعضها بعضا والتي غالباً ما تكون غير مُجدية - إرث الإمبريالية الغربية - كان غير مجهز للتعامل مع التحديات، وأهمها الاختلالات البيئية التي لا تحترم الحدود الوطنية.
دراسة: الهند ستوفر 1.2 مليار دولار سنوياً إذا أغلقت محطات الفحم القديمة
لقد طرحوا مجتمعات بهوية أخرى، محلية وعالمية، بمفاهيم مرنة للسيادة، وقدموا نماذج بديلة للتنمية لم تخل بالتوازن الدقيق بين البشر والطبيعة.
في الواقع، تم تجاهل أفكارهم في اندفاع ما بعد الحرب لبناء الدول القومية وتحصينها. تصور نهرو وكذلك ماو العالم الطبيعي على أنه شيء يجب إخضاعه بالعلم والإرادة البشرية. يقول دينغ شياو بينغ إن نهج "التنمية هي الحقيقة الوحيدة" قد رسخ نفسه، مما أدى إلى تدهور واسع النطاق للنظم البيئية، وإلى ضعف الوعي البيئي بين المواطنين العاديين، ولانتشار الموقف المتشدد في المحافل الدولية.
تقارب
حصلت القومية الشائكة المحلية، منذ أوائل التسعينيات، على ثقل غير متوقع من الإجماع الذي توصل إليه السياسيون ورجال الأعمال والصحفيون المعولمون في الغرب: إن تقارب الهند والصين مع النموذج الغربي للنمو والاستهلاك هو أمر مرغوب فيه وبنفس الوقت يمكن أن يتحقق.
قد يكون الهروب من هذا الوهم العنيد والخطير في الهند والصين أمراً صعباً للغاية، على الرغم من أن النموذج الغربي أثبت أنه غير مستدام سياسياً واقتصادياً وبيئياً في الغرب نفسه.
السبب الرئيسي لفشل القادة الهنود والصينيين في التوفيق بين خطابهم حول البيئة والسياسة هو أنهم يخشون تقويض شرعيتهم كممولين لكبرياء القوة العظمى لمواطنيهم.
لقد أكد تغير المناخ، والتهديد الوجودي الذي يشكله على جميع أشكال الحياة، اليوم على نموذج الكوسموبوليتية، الذي أيده القادة الهنود والصينيون الأوائل ضد الإمبريالية العنصرية، ذاك النموذج الذي يعني: أن جميع البشر ينتمون إلى مجتمع واحد.
إن توقع أن يفتح خلفاؤهم في هذا الوقت الحاضر مفهومهم الضيق للمصالح الوطنية لصالح المفاهيم العالمية للهوية والانتماء، ورؤى التعايش البشري على كوكب مهدد بالانقراض، ربما يكون أمراً غير واقعي للغاية.
ومع ذلك، فإن تحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفرية لا يتطلب فقط تغييرات تكنوقراطية، وتنسيقاً أكبر بين الدول القومية وحتى مؤسسات جديدة للحوكمة العالمية. إنه يحتاج أيضاً إلى تحول فكري وأخلاقي أعمق: نبذ القومية التي تتلخص بمفهوم "نحن ضدهم"، وإعادة تشكيل الهوية الجماعية لأن البشر في كل مكان يتداخلون معاً في مجتمع عالمي بسبب تهديد نهاية العالم.