يسعى الاتحاد الأوروبي إلى فرض أول ضريبة استيراد تلوث في العالم، وتطبيقها على المنافسين العالميين، لكن مناقشة التفاصيل ستستغرق بعض الوقت.
الإجراء، الذي سيؤثر في منتجي الصلب والأسمنت والألمنيوم في الدول التي تتمتع بقوانين بيئية مخففة، من شأنه زيادة تكاليف السلع الأساسية وإعادة توجيه التدفقات التجارية. لكن تطبيق الضريبة الحدودية الجديدة سيستغرق سنوات، وسيكون له تأثير محدود في الانبعاثات العالمية. وقد حذر خبراء بالفعل من أن وضع آلية تعديل حدود الكربون موضع التنفيذ سيكون أمراً عسيراً.
علاوة على ذلك، يجادل البعض بأن الآلية قد لا تدخل حيز التنفيذ بشكل كامل على الإطلاق، إذ يُنظر إلى الضريبة المزمع تطبيقها على أنها رافعة أو تهديد لمحاولة إجبار دول أخرى على مواكبة طموحات أوروبا المناخية، أكثر من كونها أداة سياسية سريعة التأثير. وبينما تسعى الشركات إلى معرفة ما يعنيه ذلك الإجراء بالنسبة إليها، نلقي هنا نظرة على التساؤلات الرئيسية التي تُطرح في هذا الشأن.
1. لماذا يسنّ الاتحاد الأوروبي ضريبة الكربون الحدودية؟
في إطار خطتها لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول منتصف القرن، تسعى أوروبا إلى خفض انبعاثاتها بنسبة 55% بحلول عام 2030. ولتحقيق تلك الغاية، تُغرَّم الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مقابل التلوث الذي تخلفه. حالياً، تسعى الكتلة إلى تغريم منافسيها أيضاً لكي تحفظ تكافؤ الفرص لشركاتها، وتحول دون إضعاف منتجيها المحليين.
قال باولو جينتيلوني، المفوض الأوروبي للاقتصاد: "ما دامت المنشآت الصناعية خارج الاتحاد لا تخضع لإجراءات طموحة مماثلة، فإن هذه الجهود يمكن أن تفقد تأثيرها".
يذكر أن تطبيق الضريبة الحدودية ما زال يتطلب موافقة الحكومات الوطنية والبرلمان الأوروبي، ما يمنح الشركات متسعاً من الوقت للضغط على تلك الجهات.
2. متى تدخل الضريبة حيز التنفيذ؟
من المتوقع أن تطبَّق ضريبة الكربون الحدودية على مرحلتين. تمتد المرحلة الأولى من عام 2023 إلى 2025، إذ سيراقب الاتحاد الأوروبي خلال تلك الفترة تقارير شركات المعلومات بشأن الانبعاثات. فقط بعد إتمام ذلك ستبدأ المرحلة الثانية بتطبيق الضريبة الحدودية في عام 2026.
وستسمح فترة التنفيذ التدريجية للشركات بحساب بصمتها الكربونية، وهو شرط ليكون هذا الإجراء متوافقاً مع قواعد منظمة التجارة العالمية. ومع ذلك، فإن وضع النظرية موضع التنفيذ قد يكون صعباً.
قال جيمس وايتسايد، المدير العالمي لأبحاث السلع المتعددة في "وود ماكنزي" (Wood Mackenzie) لأبحاث واستشارات الطاقة: "قد يشكل التنفيذ كابوساً لوجستياً. هناك قدر ضئيل من الشفافية بشأن انبعاثات الكربون المرتبطة بالمنتجات. كما أن تحديد بلد منشأ المنتجات قد يمثل مشكلة".
3. هل يفيد تطبيق هذه الضريبة كوكب الأرض؟
من المرجح ألا يكون للضريبة الجديدة تأثير يذكر في الحد من انبعاثات غازات الدفيئة، إذ تقدر هيئة تابعة للأمم المتحدة بأن الانبعاثات ستنخفض بمقدار 27 مليون طن فقط عندما يعدَّل حد الكربون ليبلغ 44 دولاراً للطن المتري، أي بنسبة 0.1% من إجمالي الانبعاثات. وعند 88 دولاراً ستنخفض الانبعاثات بمقدار 45 مليون طن، علماً بأن سعر الكربون في الاتحاد الأوروبي يبلغ حالياً نحو 53 يورو (62 دولاراً) للطن.
مثل هذه التقديرات يؤكدها أيضاً مؤسسة "بيرتلسمان" (Bertelsmann) الألمانية للأبحاث، إذ تقول إن فرض ضريبة حدودية على الكربون لن يؤدي إلا إلى تخفيض إضافي بمقدار 0.2 نقطة مئوية في كمية ثاني أكسيد الكربون التي تُطلَق في الغلاف الجوي على مستوى العالم. قد يكون البديل الأكثر طموحاً هو وضع حد أدنى لسعر الكربون العالمي، لكن تحقيق ذلك يُعتبر أكثر صعوبة.
قال توماس راوش، كبير مديري المشاريع في مؤسسة "بيرتلسمان": "تعد تأثيرات ذلك الإجراء في البيئة ضعيفة نوعاً ما. ومن المهم اعتماد تسعير الكربون على المستوى العالمي".
4. ما نوع الانبعاثات الذي يهم؟
على الرغم من كل الضجيج الذي أثير حول التعريفة الجديدة، اختار الاتحاد الأوروبي إلزام الشركات الإبلاغ، في المرحلة الأولى، عن التلوث الذي ينتج عن عملياتها بصورة مباشرة فقط، ما يطلق عليه انبعاثات النطاق الأول. وهذا يعني أن الشركات غير مسؤولة عن الانبعاثات الأوسع نطاقاً المرتبطة بمنتجاتها.
قال محللو "مورغان ستانلي" في أحد التقارير: "إن اقتصار احتساب الانبعاثات على النطاق الأول أمر مخيب للآمال مقارنةً بالتوقعات، ولكن قد يُراجَع ليشمل النطاق الثاني اعتباراً من عام 2025".
5. ماذا يعني ذلك لمنتجي الصلب؟
سيكون منتجو الصلب الروس، الذين تلوّث أفران الصهر لديهم أكثر بقليل من نظرائهم الأوروبيين، هم الأكثر تضرراً. ومع ذلك فمن غير المرجح أن تشكل ضريبة الكربون الحدودية إجراءاً عقابياً، على الأقل في البداية، بالنظر إلى التكلفة المنخفضة للإنتاج الروسي والتطبيق التدريجي للضريبة، الأمر الذي يمنح منتجي الصلب الروس مثل "سيفرستال" (Severstal) و"نوفوليبيتسك ستيل" (Novolipetsk Steel) حافزاً مالياً لتحسين أوضاع انبعاثاتهم إذا كانوا يريدون مواصلة شحن منتجاتهم إلى أكبر أسواق التصدير لديهم.
كما قد تكتسب تركيا، أكبر مصدر للصلب إلى أوروبا، ميزة تنافسية في ظل النظام الجديد، إذ لم يتقرر بعدُ ما إذا كانت آلية تعديل حدود الكربون ستغطي الانبعاثات غير المباشرة الناتجة عن استخدام الكهرباء، ما يعني أن الصناعة التركية، التي تعتمد بكثافة على الأفران التي تطلق انبعاثات فقط من خلال استهلاك الكهرباء، ستكون أقل تأثراً بفرض الضريبة الحدودية.
6. كيف تضر الآلية الجديدة بمنتجي الألمنيوم؟
يتوقع المحللون أن تفضي ضريبة الكربون الحدودية إلى زيادة أسعار المعادن التي تُنتَج باستخدام الطاقة الخضراء، فيما تقول شركة "روسال" (Rusal)، أكبر منتجي الألمنيوم في روسيا، إن هذا الإجراء من المقرر أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار الألمنيوم على مستوى العالم.
يعتمد المستهلكون الأوروبيون بشكل كبير على الواردات، وقد يؤدي فرض الضريبة إلى تحفيز التسابق للفوز بالألمنيوم الأخضر الذي يشهد نقصاً في المعروض حالياً. ومع ذلك يجادل منتقدو الإجراء بأنه سيثبت عدم فاعليته في الضغط على المنتجين من خارج الاتحاد الأوروبي لاستخدام الطاقة النظيفة.
قال غيرد غوتز، مدير عام جمعية الألمنيوم الأوروبية، إن الاقتراح "لن يسهم في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية عبر قطاع إنتاج الألمنيوم، ولكن من شأنه التعجيل في تسرب الاستثمار والعمالة، وهو التوجه الذي شهدته الصناعات الأوروبية على مدى العقود الماضية".
7. هل سينتهي الأمر بالاتحاد الأوروبي في ساحات القضاء؟
ستطبَّق ضريبة الاتحاد الأوروبي الحدودية على واردات قطاعات الصلب والأسمنت والألمنيوم والأسمدة والكهرباء. ومن المرجح أن تقلب تلك الممارسة حركة التجارة رأساً على عقب، وتصبح مصدراً جديداً للتوتر على المستوى الدولي. وفي هذ الإطار تعتبر كل من تركيا وروسيا والصين من بين الدول الأكثر تضرراً، ما قد يجعلها تختار الاعتراض على الإجراء لدى منظمة التجارة العالمية باعتباره عائقاً أمام المنافسة. من جانبه، يقول الاتحاد الأوروبي إن الضريبة الجديدة تتماشى مع قواعد التجارة الدولية، مشيراً إلى أنها تستهدف المنتجات لا الدول.
قال أوليفر سارتور، كبير المستشارين في مؤسسة "أغورا إنرجيوند" (Agora Energiewende) الفكرية في ألمانيا: "لدى المفوضية محامون بارعون حقاً، شريطة أن يكونوا قد صمموا آلية تعديل حدود الكربون بطريقة لا تتضمن خصومات على الصادرات ولا تميز بين المنتج المحلي والمستورد. وبذلك، ستُعتبر متوافقة مع منظمة التجارة العالمية إلى حد كبير".