للزراعة المستدامة لحظاتها السياسية.
تستحق إدارة بايدن الثناء؛ لأنَّها أول من أدرك أنَّ إصلاحات النظام الغذائي يمكن أن تقطع شوطاً طويلاً نحو حل أزمة المناخ.
لكن برغم رؤيتها للصورة الكبيرة؛ فإنَّها تتغاضى عن بعض التفاصيل المهمة. تتمثَّل إحداها في ثغرة في البرنامج العضوي الوطني التابع لوزارة الزراعة الأمريكية، وهذه الثغرة تُقوِّض مهمة البرنامج، وتعيق مسار الأمة نحو زراعة ذكية مناخياً.
لهذا الخلل في القاعدة تأثير من ناحية تشجيع المزارعين على قطع الغابات والأعشاب المحلية ليتمكَّنوا من استخدام الأرض لزراعة المحاصيل العضوية، وهي خسارة صافية للبيئة.
التوازن البيئي
برغم مزايا الزراعة العضوية مقارنة بالممارسات التقليدية؛ فإنَّ موائل التوازن البيئي البكر أفضل بكثير من وجهة نظر المناخ والتنوع البيولوجي من أيِّ شكل من أشكال الزراعة.
في وقت مبكر من رئاسته، تعهد جو بايدن بأنَّه: "سيضع الزراعة الأمريكية في موقع ملائم لقيادة أمتنا والعالم في مكافحة تغيُّر المناخ". وهو يبذل جهداً لتحقيق ذلك.
مع 92 صوتاً، أقر مجلس الشيوخ مؤخراً "قانون الحلول المناخية المتنامية" الذي يدعمه بايدن، الذي يهدف إلى مساعدة المزارعين ومربي الماشية على المشاركة في الأسواق حتى يتمكَّنوا من الحصول على أموال مقابل عزل الكربون في ترابهم.
وفي الوقت نفسه، قدَّم وزير الزراعة الأمريكي توم فيلساك، "استراتيجية الزراعة والغابات الذكية مناخياً"، وخصص 4 مليارات دولار لممارسات الإنتاج؛ من بينها 500 مليون دولار لمنتجي اللحوم المحليين الصغار ومتوسطي الحجم للتنافس مع كبار المزارعين، وتمويل جديد لتوسيع الزراعة العضوية.
امتصاص الكربون
إنَّها استثمارات حكيمة. يدعم صغار المنتجين الموزِّعين سلاسل التوريد الذكية في عصر يتزايد فيه الاضطراب البيئي؛ وتعمل المزارع العضوية على تحسين صحة التربة، علماً أنَّ التربة الصحية ستسحب المزيد من الكربون.
تحبس المزارع العضوية كربوناً أكثر بحوالي 25% من تربة المزارع غير العضوية. كما أنَّها تتسبَّب في انبعاث أقل بكثير من غازات الدفيئة، بما في ذلك أكسيد نيتروز أقل بـ 56%، وهو غاز أقوى 20 مرة من ثاني أكسيد الكربون الناتج عن تبخر الأسمدة الكيماوية، وفقاً لبيانات جامعة كاليفورنيا في ديفيس.
ثغرة قانونية
ومع ذلك، تُقَوّض هذه الفوائد بسبب إساءة استخدام قاعدة معقولة ظاهرياً، إذ تتطلَّب خلو الأراضي الزراعية من مبيدات الآفات لمدة ثلاث سنوات قبل اعتماد إنتاجها للبيع على أنَّه عضوي.
إنَّه إجراء احترازي ضروري، ولكنَّه أيضاً إجراء مكلف للمزارعين الذين يتعيَّن عليهم إراحة حقولهم للانتقال من الإنتاج التقليدي إلى الإنتاج العضوي.
لذلك توصَّل بعضهم إلى بديل أكثر ملاءمة؛ ببساطة يمكن قطع أشجار الأراضي البرية التي لم يتم معالجتها من قبل بالمواد الكيمياوية الزراعية، والحصول على شهادة دون انتظار.
إنَّ دافع الربح قوي؛ ويمكن بيع الأطعمة العضوية بسعر أعلى من المنتجات التقليدية، ويتزايد الطلب عليها.
الإضرار بالغابات
ارتفعت المبيعات في الولايات المتحدة بأكثر من 12% لتصل إلى 62 مليار دولار في عام 2020.
وفقاً لدراسة حديثة أجرتها جامعة ويسكونسن، تحوَّلت مئات آلاف الأفدنة من الغابات والمراعي المحلية إلى استخدامات زراعية في العام الماضي –إلى جانب ملايين الأفدنة في العقد الماضي - دون أيِّ عقوبة على المزارعين.
كانت مزارع الكروم في كاليفورنيا تلتهم غابات البلوط الأصلية. وتستحوذ مزارع القمح على أراضي البراري السابقة في الشمال الشرقي.
في الخارج، يتمُّ إنتاج زيت النخيل العضوي المباع في الولايات المتحدة في أراضي الغابات التي كانت ذات يوم موطناً مهماً لإنسان الغاب.
لم تتحوَّل جميع المساحات المحوَّلة إلى الإنتاج العضوي (لا توجد بيانات تميّز بين الأراضي التي تمَّ تجريفها من أجل إنتاج المحاصيل العضوية والتقليدية)، ولكن اللوائح التي تحكم التسمية العضوية أوجدت حافزاً ضاراً للاستيلاء على الأراضي الخام.
حل سريع
أما النبأ السار، فهو أنَّ هناك حلاً سريعاً وسهلاً لا يتطلَّب أي إجراء من الكونغرس. حدث الإصلاح في عام 2018 عندما اقترحت إحدى المجموعات البيئية والصناعية بقيادة "وايلد فارم ألاينس"، والاتحاد الوطني للحياة البرية فترة انتظار مدتها 10 سنوات قبل أن يتمَّ اعتماد الأراضي العشبية، والغابات المحولة للإنتاج العضوي. هذا المنطق سليم: "ادفع غرامة لإخراج نظام بيئي أصلي".
حظي الحلُّ بدعم مجموعات صناعة الزراعة العضوية على نطاق واسع. قالت لي آبي يونغبلود، المديرة التنفيذية للتحالف العضوي الوطني: "تتيح هذه الثغرة منافسة غير عادلة للمزارعين العضويين الذين يقومون بذلك بشكل صحيح، وقد أدركنا جميعاً أنَّه إذا سمع الجمهور بذلك، فقد يؤدي ذلك إلى ترك كدمة سوداء على البرنامج العضوي".
مَن المستهلك المحنَّك بيئياً الذي سيدفع علاوة مقابل علبة من الفراولة العضوية إذا اعتقد أنَّها قد تكون مسؤولة عن تدمير موطن الطيور المغردة المهم؟
تجاهل حكومي
قوبل تغيير القاعدة المقترح بالإجماع تقريباً من قبل مجلس المعايير العضوية الوطنية، الذي يقدِّم توصيات إلى البرنامج العضوي للحكومة. ومع ذلك؛ فقد تمَّ تجاهله بالكامل من قبل إدارة ترمب، ولم يُعتمد حتى اليوم.
في الوقت الذي كان لدى ترمب أولويات أخرى غير البيئة، كان ترويج بايدن للزراعة الذكية مناخياً في الوقت الذي لم يتمكَّن فيه من إغلاق هذه الثغرة تصرفاً مخادعاً.
عندما سألتُ المسؤولين داخل البرنامج العضوي لوزارة الزراعة الأمريكية عن أسباب التأخير، كانت الإجابة بمثابة شلل بيروقراطي كلاسيكي؛ فهم يراجعون عدداً من التوصيات التي تراكمت خلال الإدارة السابقة، وسيستغرق الأمر وقتاً.
ولكن ليس هناك وقت نضيعه، ولا حاجة لإجراء مراجعة إضافية. يجب إغلاق ثغرة القاعدة على الفور لمنع وقوع المزيد من الضرر.
أثناء عملها على هذا، يجب أن تقدِّم إدارة بايدن دعمها لبند "سودسيفر" (Sodsaver) أو برنامج إنقاذ البراري، الذي اقترحه الاتحاد الوطني للحياة البرية لمشروع قانون المزارع لعام 2023، الذي من شأنه أن يرفض تقديم الإعانات الحكومية لأي تنمية زراعية، تقليدية أو عضوية، إنْ كانت تقضي على النظم البيئية المحلية لإنتاج المحاصيل.
تقوم 6 ولايات بالفعل بتطبيق "سودسيفر"، بما في ذلك آيوا ومينيسوتا، وينبغي توسيعه على الصعيد الوطني.
تظهر الأبحاث بأغلبية ساحقة أنَّ حماية الغابات المحلية والأراضي العشبية، هي حلول طبيعية حاسمة للحدِّ من تغيُّر المناخ.
لكي تنجح الزراعة الذكية مناخياً؛ تحتاج إدارة بايدن إلى رؤية شاملة، لكنَّها لا تستطيع إهمال التفاصيل.