خطة الاتحاد الأوروبي المناخية رغم ضخامتها لا تعدو كونها بداية

صورة جوية لمنازل تغمرها المياه جزئياً من فيضان نهر بمدينة فيشبيك بألمانيا. المفوضية الأوربية تطرح خطة مناخ أكثر تشديداً للتفاوض. - المصدر: بلومبرغ
صورة جوية لمنازل تغمرها المياه جزئياً من فيضان نهر بمدينة فيشبيك بألمانيا. المفوضية الأوربية تطرح خطة مناخ أكثر تشديداً للتفاوض. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

قد تكون خطة الاتحاد الأوروبي المناخية، المحاولة الأكثر طموحاً، حتى حينها لإرغام اقتصادٍ كبيرٍ على ترك الوقود الأحفوري، إلا أنها غير كافية وفقاً لبعض المقاييس لمنع درجات الحرارة العالمية من الارتفاع. لكن هذا ليس سبباً لليأس.

تعتبر حزمة إجراءات "موافق لـ55 "، التي يلمح اسمها لهدفها خفض الانبعاثات بنسبة أدناها 55% من مستويات تسعينات القرن الماضي بحلول 2030، عملاً واسع التفاصيل بشكل مذهل. ترسم في أكثر من 3500 صفحة خارطة طريق تتضمن توسيع أكبر سوق للكربون في العالم، ووضع سعر لانبعاثات الشحن و الطيران، وحظر بيع السيارات الجديدة ذات محركات الاحتراق الداخلي. كما توسع الخطة من أهداف الاتحاد الأوروبي لاستجرار طاقة الشمس و الريح، وتسعى لعزل أفضل للمباني. كما يزمع إنشاء صندوق من 72 مليار يورو (85 مليار دولار) لمساعدة الأسر والشركات الضعيفة على التعامل مع ارتفاع أسعار الطاقة.

تواجه المفوضية الأوروبية في الوقت الراهن معارضة دول أعضاء ومجموعات صناعية، حتى فيما يؤشر فن تحليل الأهداف المعقد الى أنها لا تكاد تقطع مسافةً تكفي لإدراك هدفها. الهدف العام المتمثل في التخفيض بنسبة 55% في حد ذاته لا يفي بمتطلبات "الحصة العادلة" كما تعّرفها منظمة "كلايمت أكشن تراكر" (Climate Action Tracker)، وهي تجمع لمنظمات غير ربحية ومؤسسات بحث أكاديمي. يجب أن يكون التخفيض 58% على الأقل بالنسبة للاتحاد الأوروبي ليقدم مساهمة تتسق مع اتفاقية باريس سعياً لسقف احترار قدره 1.5 درجة مئوية.

سبق هذا التقييم تبيانَ تفاصيل الخطة الفعلية، لكن فعلياً هنالك بضعة إجراءات على الأقل كان يمكن تسريع تفعيلها. مثلاً، كان مقترح خفض انبعاثات السيارات في البداية يهدف إلى 65% بحلول 2030 ثم عُدل إلى 55% في الوثيقة النهائية. كما نصّت "خطة هدف المناخ" الأصلية التي صدرت في سبتمبر على هدف أقوى بكثير لكفاءة البناء.

تصميمٌ مستساغ

لكن هذه ليست ولن تكون قصارى سياسات المناخ. كحال أي مقترح، أقحم هذا الأخير بالتسويات والواقعية السياسية. أتى تصميم الحزمة ليكون مستساغاً بما يكفي حتى تتعاظم فرص تمريره في المفاوضات المعقدة المقبلة. حدد تقييم تأثير الحزمة أن الخيار الأكثر حكمة هو التمسك بحد أعلى لخفض الانبعاثات بين 50% و55%. وأظهر أن الاستثمار اللازم لتنفيذ الخطة سيعزز النمو الاقتصادي بما يصل إلى 0.5% بحلول 2030. كما تشير المفوضية، ستوفر الكتلة 110 مليار يورو من تجنبها الأضرار الصحية بحلول نهاية العقد، وتوفر 100 مليار أخرى يورو جراء خفض واردات الطاقة.

تُظهر حقيقة صياغة اقتراحٍ بهذا الاتساع ليكون ممكناً سياسياً، مدى الفهم العالمي لدرجة إلحاح أزمة المناخ. تعتبر الفيضانات القاتلة التي تتسبب في دمار في وسط أوروبا أحدث علامة على عدم وجود قارةٍ آمنة.

الخطة مؤهلة أيضاً للتمدد خارج حدود الاتحاد الأوروبي، حيث يعني توسيع مخطط تجارة الانبعاثات ليشمل الشحن والطيران أن هذه الصناعات العالمية ستخضع أخيراً لضغوط أكثر صرامة. حتى وقت ليس بعيداً، كانت فكرة معاقبة الواردات بسبب آثارها الكربونية تعتبر فكرة مثالية للغاية. أما الآن وفي ظل غياب آلية دولية، يقوم الاتحاد الأوروبي بمحاولة أولى لمعالجة تسرب الكربون، وهي مشكلة انتقال التصنيع كثيف الانبعاثات إلى مناطق ذات نظم بيئية أكثر مرونة، وذلك عبر اقتراح ضريبة الكربون العالمية الأولى. إن تأييد الحزب الديمقراطي الأمريكي "آلية حدود الكربون" في نفس اليوم، رغم افتقارها لعرض تفاصيلها، يشير إلى أن الاتحاد الأوروبي قد لا يكون وحيداً في الدفع نحو نوع من نظام ضرائب الكربون على مستوى العالم في المستقبل.

تنمية مستدامة

تعرض التأثير الدولي لخطة الاتحاد الأوروبي لخذلان عندما فشل صرف عائدات آلية تعديل حدود الكربون جغرافياً لدعم التنمية المستدامة في البلدان الفقيرة. من شأن تلك أن تخدم أغراضاً متعددة، فمثل هذا التوزيعات من شأنها تعظيم تأثير الاتحاد الأوروبي في خفض الانبعاثات، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. تشير دراسة استقصائية حول مواقف الدول الاسيوية نُشرت في مارس إلى أن ذلك ربما يحسن ردود فعل دول نامية كالهند وإندونيسيا، التي يرجح أن تنظر إليها بطريقة سلبية. كما يعزز إعادة توزيع العائدات من تأثير الدبلوماسية. فرغم أن إطار الاحتساب لدى هيئة المناخ التابعة للأمم المتحدة يقارب انبعاثات كل دولة محلياً، فإن المسؤولية الأكبر الملقاة على عاتق الدول النامية أساسية جداً لاتفاقية باريس، بحيث يُرى هدف 55% بمصداقية أكبر بكثير إن شمل هذه الميزة.

أمامنا طريق طويل ومن المحتمل أن يجري تخفيف الحزمة بعد مداخلات السياسة الإقليمية والصناعية. لكن بدلاً من الانشغال بأوجه القصور والمشاحنات السياسية، يجب أن نرحب باتخاذ الاتحاد الأوروبي خطوةً كبيرةً في الاتجاه الصحيح ثم نعاود العمل بحثاً عن طرق لاتخاذ خطوات أكبر من ذلك وبسرعة.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات