يسعى الاتحاد الأوروبي لإثبات مدى جديته في مكافحة تغير المناخ أمام العالم. ولكن هل يمكنه إجبار الدول الأخرى على اتخاذ إجراءات حاسمة بنفس القدر؟
خلال الأسبوع الجاري ستضع المفوضية الأوروبية الخطوط العريضة لحزمة طموحة للغاية من التشريعات المناخية بغرض تحقيق هدف الكتلة المتمثل في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 55%، على الأقل، عن مستويات عام 1990.
تشمل تدابير حزمة "فيت فور Fit for 55" العديد من المجالات الحيوية من بينها التخلص تدريجياً من السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي، ووضع حد أدنى للضريبة على وقود الطائرات المُلَوِّث، بالإضافة إلى إدراج صناعة الشحن في نظام تداول الانبعاثات الأوروبي.
ضريبة على الواردات
وبينما تعد كل تلك الإجراءات أساسية ومهمة، إلا أنه ليس مستغرباً أن يكون فرض ضريبة جديدة على واردات الصناعات الثقيلة التي لا تستوفي معايير حماية المناخ الأكثر صرامة في أوروبا هو الإجراء الأكثر إثارة للجدل.
وفي هذ الإطار، قرر الاتحاد الأوروبي أنه إذا كان سيتحلى بالجرأة لإجبار الشركات على خفض الانبعاثات بسرعة، فسيتعين عليه حمايتها من المنافسين الذين يعتزمون عدم المشاركة في حماية البيئة.
لذلك، تسعى الكتلة لصياغة معيار يطلق عليه آلية تعديل حدود الكربون لضمان عدم وضع الشركات الأوروبية في وضع تنافسي غير مواتٍ.
بموجب تلك الآلية، سيتعين على المستوردين دفع رسوم إضافية بناءً على محتوى الكربون في منتجاتهم، وهو مبلغ يعكس تكاليف تداول الانبعاثات التي قد يواجهها المنتج الأوروبي إذا قام بتلويث البيئة بنفس القدر.
في البداية، سيتم إدخال الضريبة تدريجياً وتطبيقها على عدد قليل من القطاعات فقط مثل صناعات الحديد والصلب والأسمنت والألمنيوم والأسمدة وواردات الكهرباء.
إثارة توترات تجارية
ومن المتوقع أن تثير ضريبة الكربون الحدودية غضب الكثيرين، حيث سينظر الشركاء التجاريون إليها حتماً على أنها إجراء حمائي يعوق صادراتهم بشكل غير عادل.
وفي هذ الإطار، ستكون روسيا والصين وتركيا من بين أكثر الخاسرين.
ومن ثم، فإن فرض الضريبة الجديدة يهدد بتفاقم التوترات التجارية، بينما يحتمل أن يعاقب الدول الفقيرة بصورة غير عادلة.
داخلياً، تطالب الشركات الأوروبية بالحق في الاحتفاظ بإعفاءات التلوث الممنوحة لها بموجب النظام الحالي، فيما يمكن اعتباره ضرب عصفورين بحجر واحد على مستوى السياسة المناخية. وفي حين تدعم صناعة الصلب هذه الخطوة بشكل عام، لا يوافق منتجي الألمنيوم على المشاركة فيها.
وبالرغم من كل هذه التعقيدات، إلا أنه لا غنى عن ضريبة الكربون الحدودية، والتي من شأنها أن تسمح لأوروبا باتخاذ إجراءات مناخية أكثر حسماً مع ضمان تكافؤ الفرص لشركاتها.
وعليه، لا يمكن للكتلة الأوروبية أن تقف مكتوفة الأيدي إذا كانت ستصبح محايدة للكربون بحلول عام 2050.
ارتفاع التكلفة
بالطبع سيكون من الأفضل لو اتفق العالم على حد أدنى مشترك لسعر الكربون وتحرك بخطى ثابتة لتقليل الانبعاثات، لكن ذلك لن يحدث.
ورغم كونها خطوة جريئة وأحادية الجانب، إلا أن الرسوم التي يفرضها الاتحاد الأوروبي قد تشجع دول أخرى على تنسيق مزيد من الإجراءات، بينما تحمي الشركات المحلية من "الواردات القذرة".
لكن يبقى التخوف الرئيسي من أن تصبح التكاليف مؤثرة بالفعل. فقد ارتفعت أسعار تصاريح الانبعاثات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي، ومن المحتمل أن ترتفع أكثر مع تضييق الحكومات الخناق على الملوثين.
لذلك، ينبغي تسريع وتيرة التخفيضات، حيث حققت الصناعة الثقيلة تقدماً بطيئاً نسبياً مقارنة بقطاع الطاقة. وبينما يرجع ذلك جزئياً إلى نقص التقنيات الجديدة الرخيصة لفعل ذلك، فقد تلقت الصناعات المنتجة للطاقة، منذ فترة طويلة، مخصصات انبعاثات مجانية تغطي الغالبية العظمى من انبعاثاتها، مما يعني أنه لم يكن هناك حافزاً كبيراً للتحسن.
التصاريح المجانية
ولضمان الامتثال لقواعد منظمة التجارة العالمية، يجب إلغاء هذه التصاريح المجانية تدريجياً في نهاية المطاف.
لكن على المدى القصير، من المحتمل أن تكون هناك فترة انتقالية تحتفظ خلالها الصناعة الأوروبية بالجزء الأكبر من تلك التصاريح، بينما يتم منح المستوردين تخفيضات مكافئة.
ستكون إدارة القواعد الجديدة عملية معقدة دون شك، وربما يحظى المستوردون بفرص للتلاعب بالنظام.
على سبيل المثال، قد يخصص أحد منتجي المعادن نسبة صغيرة نسبياً من الإنتاج "النظيف" للسوق الأوروبية، بينما لا يفعل الكثير لتنظيف بقية مصانعه. أيضاً، يتعين على الاتحاد الأوروبي تخصيص ميزانية لتخفيف الأعباء التي ستتحملها الدول الفقيرة.
تشق أوروبا طريقاً صعباً، لكن الأمر يستحق الجهد المبذول. لقد ازدادت القارة ثراءً من ثورة صناعية تسببت في احترار الأرض.
ومن ثم، تقع على عاتقها مسؤولية البدء باتخاذ الإجراءات اللازمة لتخفيف الضرر الذي أحدثته. ولا ينبغي أن تعاني الشركات الأوروبية، بلا داع، لفعلها الشيء الصحيح.