حوَّلت إستراتيجية الاتحاد الأوروبي لتعزيز حماية الغابات، النقاش العلمي المحتدم إلى عاصفة نارية، فقد ثارت ثائرة صناعة الأخشاب التي تعدُّ واحدة من أقدم الصناعات في الكتلة، ضد ما اعتبرته محاولة من الجهات التنظيمية المدفوعة بالتكنولوجيا، بوضع اليد عليها.
صناعة ضخمة
تغطي الغابات أكثر من خمسي القارة الأوروبية، وهي تلعب دوراً محورياً في التقاط وتخزين الغازات الدفيئة التي من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم تغيُّر المناخ عندما تتراكم في الغلاف الجوي. وتشكِّل الأشجار أيضاً أساسَ صناعة يبلغ حجمها 640 مليار يورو (760 مليار دولار)، وتوظِّف ملايين العمال الذين يقطعون الأشجار، ويجمعون الأخشاب لاستخدامها في مواد البناء والطاقة.
كتبت المفوضية الأوروبية في مسودة من 19 صفحة سرَّبتها مجموعات بيئية هذا الشهر، أنَّها تعمل على إعداد مجموعة جديدة من إجراءات وقواعد المراقبة عالية التقنية، لحماية الغابات الأوروبية، وذلك "تحت ضغط متزايد"، في ظلِّ تفعيل الحوكمة عبر جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة. وتسعى الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي إلى زيادة مساحات الغابات عن طريق زراعة 3 مليارات شجرة إضافية، حتى في الوقت الذي تشجِّع فيه على استخدام المزيد من الأخشاب لتحلَّ محلَّ الخرسانة كثيفة الكربون في البناء.
في حين أنَّ الإستراتيجية التي تمَّت صياغتها في بروكسل يمكن أن تكون نعمة للبيئة - بالإضافة إلى صناعة البيانات المناخية الناشئة التي تحدِّد انبعاثات الكربون - فقد احتشد تجار الأخشاب الذين قلقوا من تشديد القيود على أعمالهم، من أجل التصدي لهذا الاقتراح.
آذان صمّاء
تعليقاً على هذا القرار؛ وصفت آنا هولمبرغ - وهي عضو في إحدى جماعات الضغط في بروكسل عن صناعة الغابات في السويد التي تعدُّ ثالث أكبر دولة في هذه الصناعة في العالم - النغمة التي تحملها استراتيجية الاتحاد الأوروبي، بأنَّها نغمة صمَّاء بالنسبة إلى أصحاب الغابات والمستثمرين. وقالت: "تلعب المفوضية لعبة سياسية ذات مخاطر عالية للغاية". أما "اتحاد مالكي الغابات الأوروبيين"، وهو عبارة عن جماعة ضغط أخرى، فأعرب عن قلقه من أنَّ إجراءات المراقبة قد تسفر عن معلومات مضللة.
يتصاعد التوتر مع هذه الصناعة منذ أن نشر العلماء في "مركز البحوث المشتركة التابع للمفوضية" (JRC)، تقريراً في يوليو 2020، أشاروا فيه إلى زيادة مفاجئة بمقدار النصف تقريباً، في الغابات التي جرى قطع أشجارها على مدى السنوات الثلاث المنتهية في عام 2018. وحذَّروا من أنَّ الطلب المتزايد على منتجات الأخشاب، يهدد بإخراج أهداف المناخ في أوروبا عن مسارها من خلال إتلاف الغابات التي يمكنها امتصاص الكربون.
في إبريل، تمَّ تعقيد الأمور أكثر؛ إذ قالت مجموعة أخرى من العلماء المنتسبين إلى "المعهد الأوروبي للغابات"، وهي جهة استشارية حكومية تشرف على منشأة تابعة للاتحاد الأوروبي مصممة لتقليل الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات، إنَّ "مركز الأبحاث المشتركة التابع للمفوضية" قد أخطأ.
أخطاء منهجية
كتب العلماء الثلاثون في مجلة "نايتشر" (Nature): "إنَّ التغييرات الكبيرة في بيانات قطع الأشجار التي أبلغ عنها (مركز الأبحاث المشتركة)، هي نتيجة أخطاء منهجية، إذ تتعلَّق هذه الأخطاء بتطور حساسية الأقمار الصناعية بشكل ملحوظ خلال فترة التقييم، فضلاً عن التغيُّرات في الغابات بسبب الاضطرابات الطبيعية - على سبيل المثال: الجفاف، والعواصف، وموت وسقوط الأشجار، التي تُعزى غالباً بشكل خاطئ إلى قطع الأخشاب".
يؤكِّد الخلاف حول الحقائق على التقاء العوامل التي تجعل من الصعب على صانعي السياسات والشركات، إدارة الأضرار المتزايدة التي يسببها تغيُّر المناخ.
بالنسبة إلى الغابات، أدى تعاقب عقود من فصول الشتاء الأكثر دفئاً، والصيف الأكثر جفافاً إلى إضعاف مقاومة الغابات، مما يُعرِّض الأشجار لحرائق الغابات، والأنواع الغازية. لقد قضت خنافس شجر التنوب الصنوبرية على ملايين الهكتارات الخضراء، وتسبَّبت في أضرار بمليارات اليورو، وأجبرت قاطعي الأشجار على إزالة الأحراج المتضررة، وإعادة زراعة أنواع جديدة من الأشجار.
أقمار لمراقبة الأرض
خلال الفترة ذاتها، قامت المفوضية الأوروبية بضخِّ المليارات لبناء مجموعة من الأقمار الصناعية لمراقبة الأرض، تديرها خدمة "كوبرنيكوس" لتغيُّر المناخ. وأدت الكميات الهائلة من المعلومات المتاحة مجاناً إلى بدء صناعة جديدة مزدهرة من الشركات الناشئة في مجال البيانات المناخية، التي تسعى إلى دعم قرارات الحكومة والأنشطة الاقتصادية.
في النهاية؛ فإنَّ حساب "قوائم جرد الغابات لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التفاعل متعدد الطبقات"، الذي يتضمَّن بيانات الأقمار الصناعية، بالإضافة إلى المعلومات المقاسة على الأرض، وفق ما يقول رولف شميتز، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "كولكتيف كرنش" (Collective Crunch)، الذي تقوم شركته الفنلندية بتوصيل بيانات الأقمار الصناعية في خوارزميات الذكاء الاصطناعي المصمَّمة لتوقيت قطع الأشجار، والوصول بعمليات التقاط ثاني أكسيد الكربون إلى أقصى حدٍّ ممكن.
من أجل بناء الثقة وفتح صناعة الغابات لأسواق رقمية جديدة؛ يتعيَّن على علماء البيانات "إثبات حقائقهم، ومعدلات الخطأ أيضاً"، كما يقول شميتز، الذي وصف دراسة "مركز الأبحاث المشتركة" بأنَّها "عظيمة"، برغم تشكيكه في دقتها.
ابتكار مستدام
في 2 يوليو، وعبر رسالة وجَّهتها إلى المفوضية الأوروبية، حثَّت "الرابطة الأوروبية لشركات الاستشعار عن بعد" نائب الرئيس فرانس تيمرمانز على الالتزام بخطط الاتحاد الأوروبي لاستخدام المزيد من تكنولوجيا المراقبة عبر الأقمار الصناعية للإشراف على الغابات. وجاء في الوثيقة المكوَّنة من 3 صفحات، التي اطَّلعت عليها "بلومبرغ غرين" أنَّ الاستراتيجية "لديها القدرة، ليس فقط على تلبية أهداف سياسة المناخ، بل خلق ابتكار مستدام، وفرصة اقتصادية أيضاً".
يتطلَّب قبول هذه الصناعة بتبني طرق جديدة لممارسة الأعمال التجارية على كوكب أكثر احتراراً، مزيداً من التوعية بما يتماشى مع القوانين الصادرة من العواصم الأوروبية، وفقاً لما يقوله توماز سكافينكار، عالم البيانات الذي نشأ بين المزارعين السلوفينيين قبل أن يحصل على استثمار من "وكالة الفضاء الأوروبية" لتطوير أدوات فحص عن بعد.
يقول سكافينكار: "في نهاية المطاف، ما نقوم به هو وضع معايير جديدة. منذ الثورة الخضراء، واجه المزارعون وعمال الغابات تحدّيات جديدة، وطُلب منهم التكيّف. يمكنهم فعل ذلك، لكنَّهم يريدون معرفة مَن الذي سيدفع؟".