حروب المياه الجديدة قادمة إلى الغرب الأمريكي

موجة الجفاف تضرب الغرب الأمريكي مع زيادة حرارة الأرض وتبخر المياه وهو ما يحتاج لتدخل سريع من الإدارة وتوفير المخصصات المالية اللازمة لحل المشكلة التي تهدد بصراعات إقليمية - المصدر: بلومبرغ
موجة الجفاف تضرب الغرب الأمريكي مع زيادة حرارة الأرض وتبخر المياه وهو ما يحتاج لتدخل سريع من الإدارة وتوفير المخصصات المالية اللازمة لحل المشكلة التي تهدد بصراعات إقليمية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

لطالما ولّدت المياه الصراعات والخلافات في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عدة قرون، إلا أنه من المحتمل أن يتجه الغرب الأمريكي نحو أشد حالات نقص المياه والمناوشات في تاريخ الأمة.

في هذا السياق، اندلعت المواجهة الأخيرة هذا الشهر على طول حدود كاليفورنيا مع ولاية "أوريغون" في حوض "نهر كلاماث"، حيث أدى الجفاف إلى القضاء على تجمعات السلمون البري؛ وبهدف تقليل نفوق الأسماك، قطع المسؤولون الفيدراليون المياه عن الحقول المجاورة لزراعة البطاطس والبرسيم، مما أدى إلى تصاعد قلق المزارعين واحتجاجات النشطاء المناهضين للحكومة.

صراع محتمل

وفي الوقت نفسه، يُطالب جميع أصحاب المصلحة الآخرين في "نهر كلاماث" - القبائل الأصلية ذات المطالب القديمة، ومديرو المرافق في المدن النامية جنوب ولاية "أوريغون" وشمال كاليفورنيا، والسدود التي تدير محطات الطاقة الكهرومائية، وملاعب الغولف، وأصحاب المنازل – بحصتهم من النهر.

ويُعدّ تمرد "كلاماث" أسوأ حالة في الوقت الحالي – حيث تُدار معظم موارد المياه الغربية بسلام خلال سنوات الجفاف، ويصبح الكثير منها أكثر كفاءة وابتكاراً.

إلا أنها تمثل نوعاً من حروب الموارد التي يمكن أن تنتشر في جميع أنحاء الغرب في العقود القادمة – وربما حتى الأشهر المقبلة – في حال لم ترسم إدارة بايدن والكونغرس طريقاً للمضي قدماً بشأن الأمن المائي في الولايات المتحدة، والذي يساعد على ضمان التعاون والحفظ والإبداع بين مديري المياه على مستوى الولايات والأقاليم؛ وفي الحقيقة، بدون قيادة وطنية سريعة، تواجه أمريكا صراعات مائية متزايدة بين مَن يملكون ومَن لا يملكون في المنطقة.

"الويسكي للشرب والماء للقتال". - حكمة غربية

جفاف يضرب الغرب

خلال الأسابيع التي تلت اندلاع نزاع "كلاماث"، أصبح 88٪ من الغرب الأمريكي في حالة جفاف معتدلة إلى شديدة، مع وصول أكثر من ربع المنطقة إلى حالة "جفاف استثنائي"، وفقاً لمرصد الجفاف الأمريكي.

ووصلت بحيرة "أوروفيل" في شمال كاليفورنيا إلى الحضيض فعلياً - فهي منخفضة جداً لدرجة أن محطة الطاقة الكهرومائية التي تزود 800 ألف منزل بالطاقة من المتوقع أن تتوقف عن العمل هذا الصيف للمرة الأولى على الإطلاق.

كما أن بحيرة "ميد"، التي تُعدّ أكبر خزان في الولايات المتحدة، حيث تزود كاليفورنيا ونيفادا وأريزونا بالمياه، في أدنى مستوياتها على الإطلاق؛ والجريان السطحي للثلوج من جبال "سييرا نيفادا" أقل من المعدل الطبيعي بنسبة 74٪، لأن التبخر والأرض التي تعاني من ارتفاع درجات الحرارة تمتصان المياه قبل أن تصل إلى الخزانات.

ناقوس خطر

في هذا الصدد، أخبرني المدير السابق لجمعية وكالات المياه في كاليفورنيا وزميل جامعة ستانفورد، تيم كوين، أنه حتى أكثر مديري المياه تفاؤلاً في الغرب أصبحوا في وضع مضطرب: "إنها المرة الأولى التي نشهد فيها ندرة هيدرولوجية تتوافق مع درجات الحرارة المرتفعة الشديدة".

الأزمة تتعمق بالفعل في البلاد: فجزء كبير من الغرب الأوسط الأعلى يعاني من جفاف معتدل أو شديد. كما يدخل نهر المسيسيبي حالة تدفق منخفض.

ومن المتوقع أن ينضب حوض "أوغالالا الجوفي"، الذي يقع تحت ثماني ولايات في الغرب الأوسط من تكساس إلى ساوث داكوتا، بنسبة 70٪ في غضون 50 عاماً.

وفي الثلاثين عاماً القادمة، من المتوقع أن تتضاعف شدة الجفاف الصيفي المنتشر في الولايات المتحدة ثلاث مرات تقريباً.

مخصصات غير كافية

ما من شكٍ في أنه ينبغي على الرئيس جو بايدن وزعماء الكونغرس أن يدقوا ناقوس الخطر الوطني؛ حيث يدعم بايدن إطار عمل للحزبين خاص بالبنية التحتية بقيمة 973 مليار دولار، والذي يُخصّص 55 مليار دولار للبنية التحتية لمياه الشرب النظيفة لإزالة الرصاص من خطوط وأنابيب الخدمة في البلاد - وهو استثمار أساسي.

ومع ذلك، يخصص إطار العمل 5 مليارات دولار فقط لتخزين المياه الغربية - وهو مبلغ غير كافٍ لتحديث السدود القديمة، والقنوات، وخطوط الأنابيب لتحسين التدفقات وتقليل الخسائر.

في هذا الصدد، حدّد تحالف يضم مئات من مجموعات المياه والزراعة الحاجة إلى 14 مليار دولار على مدى 10 سنوات لدعم احتياطيات المياه الغربية.

ولا تحتاج الدولة إلى فاتورة واحدة للبنية التحتية على المدى القريب، بل إلى سلسلة من الفواتير على مدى سنوات لحماية إمدادات المياه وتقليل النزاعات.

ويجب على بايدن أيضاً إصدار أمر تنفيذي لإنشاء المجموعة المشتركة بين الوكالات بشكل دائم، والتي تم تشكيلها خلال إدارة ترمب والمعروفة باسم "المجلس الوزاري الفرعي للمياه". ويمكن للمجموعة أن تساعد مديري المياه في الولاية على تحفيز الحفظ والاستثمار في التقنيات الجديدة ودعوة أصحاب المصلحة داخل الولايات وفيما بينها لإخماد الصراعات.

"الاستيلاء المسبق"

في الولايات الغربية، تخضع الموارد المائية عموماً لعقيدة "الاستيلاء المسبق"، والتي تنص على أن كل من استقر في منطقة ما، يتمتع أولاً بحقوق كبيرة في المياه؛ في حين تؤيد الولايات الشرقية مبدأ "حقوق ضفاف النهر" الذي ينص على أنه إذا كان بإمكانك الوصول إلى النهر، فيمكنك استخدامه؛ بينما تمتلك ولايات الغرب الأوسط مزيجاً من كلا العقيدتين، جنباً إلى جنب مع قوانين حفر الآبار التي تستفيد من طبقات المياه الجوفية.

في جميع الحالات، تعمل حقوق المياه مثل حقوق الملكية الخاصة – فمن الممكن شراؤها وبيعها.

وفي الغرب، أدى هذا إلى جنون شراء على مدى عقود عديدة - وفي الغالب، اشترت المدن والشركات حقوق المياه من المزارعين.

وأصبحت هذه الممارسة تُعرف باسم "الشراء والتجفيف" حيث تم تجفيف موارد المزارع من المياه لتزويد المدن النامية. وعندما تدخل القيود الإلزامية حيز التنفيذ، فإنها تؤدي إلى تأجيج هذه التوترات، كما نرى في حوض "كلاماث".

معارك إقليمية

كما يمكن أن تصبح الاشتباكات المحلية معارك إقليمية أكبر بكثير. فحوض نهر كولورادو، على سبيل المثال، مقسّم بين الحوض السفلي، الذي يمتد على أجزاء غنية وقوية سياسياً وحضرية إلى حد كبير من كاليفورنيا ونيفادا وأريزونا، والحوض العلوي الزراعي الذي يمتد عبر يوتاو وايومنغوغرب كولورادو وشمال نيو مكسيكو.

كما يخصص القانون من الناحية الفنية نفس الكمية من المياه لكلا الحوضين، إلا أنه يمنح أيضاً أولوية الوصول إلى الحوض السفلي.

ومع تضاؤل ​​نهركولورادو (انخفض تدفق المجرى بنسبة 20٪عن قرن مضى)، يمكن أن تُطبق قيود إلزامية، مما يؤدي إلى دعاوى قضائية مطولة بين سبع ولايات قوية ودمار اقتصادي على كلا الجانبين.

نهج بديل

النبأ السار هو أن الندرة يمكن أن تؤدي أيضاً إلى شراكات وحلول وسط مبتكرة. كما تتضمن الاتفاقات الأخيرة بين مزارع كولورادو والمدن، على سبيل المثال، نهج بديل مبتكر لمعاملات "الشراء والتجفيف".

حيث يطبق مديرو المياه تقنيات واستراتيجيات قانونية جديدة تسمح بتحويل جزء من إمدادات المياه حتى تزدهر كل من المزارع والمدن.

وفي جميع أنحاء البلاد، يمكن للإدارة الأفضل للغابات والمزارع أن تحسن صحة التربة، وتحبس الرطوبة، وتقطع شوطاً طويلاً لحماية إمدادات المياه في المستقبل.

تقنيات مبتكرة

كما يمكن أن تلعب التقنيات الناشئة أيضاً دوراً في مقاومة الجفاف: حيث يمكن لمرافق مياه الصرف الصحي المعاد تدويرها وتحلية المياه أن تحوّل مياه المحيطات ومياه الصرف الصحي إلى مياه شرب نقية للغاية؛ علاوةً على ذلك، يمكن لتبطين القنوات والأنابيب والاكتشاف الأسرع لتسربات خطوط الأنابيب وانفجاراتها أن يُجنّبنا الهدر الضخم.

ويجب على المستثمرين تمويل هذه الابتكارات، وكذلك تقنيات الزراعة الفعالة بدءاً من الري بالتنقيط وصولاً إلى تطوير المحاصيل التي تتحمل الجفاف.

وفي الواقع، تفاقمت بعض الصراعات الأكثر استعصاءً في العالم، والتي امتدت لآلاف السنين - بين الهند وباكستان، على سبيل المثال، وبين إسرائيل وفلسطين - بفعل الخلافات حول الموارد المائية المحدودة بشكل متزايد.

وما من شكٍ في أن الماء هو شريان الحياة لأي اقتصاد - وبدونه لا يمكن أن تكون هناك زراعة (والتي تمثل أكثر من 70٪ من الطلب العالمي على المياه العذبة)، ولا سيادة غذائية، ولا طاقة مائية متجددة، ولا نمو اقتصادي.

وفي حال لم نخطط للمستقبل، فسوف تتورط العديد من الولايات الأمريكية في الغرب وخارجه في حروب الموارد.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك