يمكن للظلّ الناجم عن الأشجار أن يُحدث فرقاً هائلاً في خفض الحرّ الذي تعاني منه المدن، بالأخص أثناء موجات الحر الحارقة، مثل تلك التي تضرب غرب الولايات المتحدة في هذه الفترات.
وفي هذا الإطار، يكشف تحليل صدر مؤخراً عن حجم انعدام المساواة في توزيع الغطاء الشجري على امتداد الولايات المتحدة.
ففي الأحياء ذات الغالبية من ذوي البشرة المُلونة ينخفض ظلّ الأشجار بمعدل 33% مقارنة بالمجتمعات ذات الغالبية من ذوي البشرة البيضاء، بحسب البيانات الواردة في مسح "خريطة العدالة في مستوى الأشجار"، وهو مشروع بقيادة جمعية "الغابات الأميركية" غير الربحية الناشطة في مجال الحفاظ على البيئة.
وفي الأحياء الأكثر فقراً، حيث 90% من السكان يعانون من الفقر، ينحسر الغطاء الشجري ليصبح أقل بـ41% مقارنة بالأحياء الأكثر ثراءً.
توزيع غير عادل
تضاف هذه الأرقام الجديدة إلى البحوث المتنامية حول التوزيع غير المتساوي للأشجار في الأحياء الأمريكية.
إذ كان الرئيس والمدير التنفيذي لجمعية "الغابات الأميركية"، جاد دايلي، قال في مقابلة مع "سيتي لاب" في أغسطس الماضي، إن أي مسح للغطاء الشجري في الولايات المتحدة سوف يعكس على الأرجح الانقسامات العرقية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
وعلى الرغم من أن الصورة العامة لانعدام العدالة على صعيد الأشجار تبدو قاتمة، إلا أن الخريطة تهدف لأن تكون أداة بيد الناشطين والمسؤولين المحليين.
إذ تعكس الخريطة عدد الأشجار اللازمة في كلّ مجمّع سكني استناداً إلى عدة عوامل مثل المناخ في المنطقة المعنية والكثافة السكانية، بالإضافة إلى ستة عناصر أخرى تسهم في قياس مستوى العدالة، وتشمل معدل الدخل ومعدل التوظيف والعرق والتوزيع العمري، والنتائج الصحية، وشدة تأثير التنامي الحضري على الحرارة في المدن.
تحسين النظام البيئي والآثار الاقتصادية
كذلك، تضيء التحليلات الإضافية المستندة إلى بيانات من المكتب الأميركي للتحليل الاقتصادي وخدمة الغابات الأميركية على حجم المنافع الاقتصادية والبيئية والصحية لهذه الجهود المتعلقة بالمسح، وهو أمر أساسي لكسب تأييد المجتمع المحلي الذي يحاولون مساعدته.
على المستوى الوطني، تبرز الحاجة إلى زرع 522 مليون شجرة جديدة في المدن المختلفة، حتى تحقق كلّ مدينة علامة الـ100 الكاملة، بحسب التحليل. وهو أمر يمكن أن يسهم في خلق أكثر من 3.8 مليون فرصة عمل إضافية، ويخفف تلوث الهواء بواقع 56 ألف و613 طنّ من الجزئيات في العام، ويزيل 9.3 مليون طنّ من الكربون من الغلاف الجوي. أي ما يوازي الكمية الصادرة عن 92 مليون سيارة، وفقاً للتقديرات الواردة في التحليل.
ومن شأن هذه الكمية الإضافية من الأشجار أن تعزز خدمات النظام البيئي بنحو 5 مليارات دولار سنوياً، وذلك بما يشمل تحسين جودة الهواء، وتصريف مياه الأمطار.
زرع الأشجار يحقق المكاسب
وبالنظر إلى المدن الأمريكية الكبرى، تسجل الحاجة الأكبر للأشجار في لوس أنجلوس وسان دييغو وهيوستن، حيث يتعين على هذه المدن أن تزرع 5.1 مليون، و4 مليون، و2.4 مليون شجرة على التوالي، لتحقيق العدالة على صعيد الأشجار.
في المقابل، بحسب التقرير، فإن هذه المدن ستحقق أيضاً المكاسب الأكبر، بما أن زرع كلّ هذه الكمية من الأشجار سيترافق مع منافع على صعيد خلق فرص العمل، والحدّ من التلوث.
أداة لمساعدة المدن الأقل حظاً
يذكر أنه يمكن لهذه الخريطة أن تساعد بشكل خاص المدن ذات الموارد الشحيحة والميزانيات الأصغر حجماً حتى تقوم بخريطة خاصة بها لظلّ الأشجار.
وقال كريس ديفيد، نائب رئيس المجموعة لشؤون نظم المعلومات الجغرافية وعلم البيانات: "إذا استطعنا تسهيل الأمور قليلاً عليهم من خلال هذه الأداة، فأنا أعتقد أنه سيكون لذلك أثراً كبيراً".
يعمل ديفيد وفريقه أيضاً على إعداد تحاليل مفصلة بشكل أكثر، تتناول العديد من الولايات والمدن. وقد أنجزوا بالفعل الأداة الأولى من هذا النوع، بالتركيز على ولاية رود آيلاند.
وتضم هذه الأداة معلومات مثل تحديد أخطار الفيضانات، وتحديد ما إذا كانت قطعة أرض ما هي ملك عام أو ملك خاص.
وقال ديفيد: "نقيّم الإمكانيات المتاحة في قطعة أرض معينة، وما إذا يمكن للمكان أن يحتوي غطاء من ظلّ لأشجار، ثمّ نقدم الأداة من أجل وضع أهداف محددة لمجموعة من الأحياء".
تستمد المجموعة بعض البيانات من السجلات العامة، إلا أن بناء الأداة التحليلية يتطلب شراكات قوية مع الوكالات الحكومية وحراس الغابات المحليين وأفراد المجتمع.
وأضاف: "يترتب على انعدام العدالة في توزيع الأشجار تبعات، منها الحرّ الشديد وانخفاض جودة الهواء والماء والافتقار للمنافع في النظام البيئي، وهي أمور تعني تراجعاً في الصحة والسلامة بشكل عام"، وتابع "هذا ما نحاول تغييره".