المنطقة الغنية بالطاقة، والواقعة في جنوب غرب الولايات المتحدة، التي تُعرف لدى كلٍّ من الجيولوجيين، ومؤيدي الوقود الأحفوري باسم "حوض البرمي". زادت إنتاجها من النفط بسرعة أكبر من أيِّ منطقة أخرى في السنوات الأخيرة. فقد استحوذ الإنتاج منها على 38% من إجمالي النفط الأمريكي. وعلى 17% من إنتاج الغاز في الولايات المتحدة، خلال عام 2020.
وفي ظلِّ هذا التصاعد، حدث تدفُّق كبير لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لكن كان من المستحيل سابقاً تحديد المقدار الدقيق لهذه الانبعاثات. ولكنْ تغيَّر هذا الأمر مؤخراً.
دراسة تعاونية
ففي الفترة بين سبتمبر ونوفمبر 2019، قام فريق من العلماء من مختبر الدفع النفَّاث التابع لوكالة "ناسا"، بالشراكة مع علماء من "جامعة أريزونا"، و"جامعة ولاية أريزونا"، بالتحليق عدَّة مرات فوق امتداد الـ 21 ألف ميل مربع (1ميل مربع = 2.6 كم مربع) التي تمثِّل منطقة الحوض مستخدمين في ذلك طائرات تحمل أجهزة استشعار. فقد سمحت لهم هذه الأجهزة بتحديد "الانبعاثات الفائقة" لغاز الميثان من الحوض.
وخلال الفترة بين سبتمبر ونوفمبر 2019، جاءت حوالي 29% من إجمالي انبعاثات الغاز التي رصدت أثناء الطيران من مصادر "مستمرة بشكل روتيني". مما يشير إلى أنَّه يمكن القضاء على هذه التسريبات إلى حدٍّ كبير، من خلال إجراء الإصلاحات، وفرض مراقبة دقيقة.
يذكر أنَّ هذه الانبعاثات مثَّلت 11% فقط، من مجموع ألف و100 موقع مُصدّر للانبعاثات، تمَّت دراستها ضمن المهمة.
الميثان والاحتباس الحراري
بالرغم من أنَّ ثاني أكسيد الكربون هو المصدر الأكبر للاحتباس الحراري حول العالم، ويستمر لفترة أطول في الغلاف الجوي. إلا أنَّ الميثان، وهو المكوِّن الرئيسي للغاز الطبيعي، يحبس بداخله حرارة أكثر بـ80 مرة من غاز ثاني أكسيد الكربون، على مدى 20 عاماً.
تصدَّرت قضية احتجاز انبعاثات الميثان الناتجة عن صناعة النفط والغاز ، قوائم الأولويات المناخية مؤخراً. ويرجع ذلك جزئياً إلى أنَّ محللي السياسات يعتبرون تلك الطريقة أحد أرخص وأسهل طرق خفض درجات الحرارة العالمية.
ويدخل مجال اكتشاف التسريب من هذه المواقع أخيراً إلى العصر الرقمي، بعد أن كان يعتمد على مدار عقود في كشف الانبعاثات على تقنيات، مثل: رش الصابون على الأنابيب، أو وضع قماش القنِّب على المعدَّات للتحقق من تدفُّقات الغاز المتسربة. في حين باتت تستخدم الآن الأقمار الصناعية، والطائرات بدون طيار، وأنواع الطائرات الأخرى التي تبشِّر بعصر جديد من الشفافية المناخية.
رحلات جويّة متعددة
من خلال القيام برحلات جوية متعددة على ارتفاع ميلين و5 أميال (1 ميل = 1,609 كم)، تمكَّن علماء وكالة "ناسا" من توثيق ما إذا كان غاز الميثان المنبعث من كل موقع مستمر أم عرضي. وساعدتهم معرفة المدَّة التي يستغرقها الانبعاث على تحديد أيِّ أجزاء من عملية إنتاج النفط والغاز ينتج عنه تسريب الميثان.
وجاء نصف الانبعاثات من منشآت الإنتاج، بما في ذلك مواقع الآبار نفسها، والخزانات المرتبطة بها. في حين صدرت 38% من الانبعاثات الأخرى من خطوط الأنابيب، والبنية التحتية لضغط الغاز، و12% عن مصانع المعالجة.
منطقة عالية الانبعاثات
يُذكر أنَّ الألف و100 موقع، التي اكتشف العلماء وجود انبعاثات فيها، تشكِّل نحو 1.4% من مرافق الإنتاج المنتشرة في المنطقة. وعلى النقيض من ذلك، تمَّ العثور على حوالي 0.2% فقط من المرافق في ولاية كاليفورنيا التي تعدُّ مصدراً لانبعاثات الميثان.
وتستمر الانبعاثات للفترة الزمنية تقريباً في كل المواقع، كما كتب مؤلفو البحث الذين وجدوا ارتفعاً بها في حوض البرمي. وهو الأمر الذي يؤدي إلى انبعاث غاز ميثان، أكثر بثلاث مرات من تلك الموجودة في كاليفورنيا.
ووفقاً للبيانات الجديدة؛ فإنَّ عمليات "منتصف المجرى" في حوض البرمي، تنتج حوالي 20% من إجمالي الميثان الصادر عن الحوض. وهو رقم أعلى مما كان متوقَّعاً من الدراسات السابقة. وتتوافق هذه النتيجة مع فرضية الباحثين بأنَّ معدلات الإنتاج المرتفعة كانت تسبِّب اختناقات تمتد لمراحل أبعد في الأجزاء الأخيرة من سلسلة التوريد النفطية، إذ تؤدي إلى زيادة في عمليات التنفيس والإحراق غير المكتملة.
الإحراق وخفض الميثان
إحراق الغاز، وهي عملية إشعال الغاز؛ إذ يدخل الغلاف الجوي على هيئة ثاني أكسيد الكربون وليس ميثاناً. هي عملية يمكن إجراؤها في عدَّة مراحل خلال عملية الإنتاج. وهي لا تقلل الانبعاثات من حوض البرمي، بقدر ما كان يعتقد سابقاً. إذ تقدِّر وكالة حماية البيئة الأمريكية أنَّ الإحراق عادةً ما يخفِّض انبعاثات غاز الميثان بنسبة 98%، وهو رقم لا تدعمه هذه الدراسة، ولا الدراسات التي تمَّت في مناطق أخرى.
جدير بالذكر أنَّه تمَّ تمويل الدراسة الأخيرة من قبل وكالة "ناسا"، و"جامعة أريزونا" ومؤسسة "هاي تايد"، ومنظمة "كربون مابر" غير الربحية، التي تلقَّت تمويلاً من "بلومبرغ فلانثوربيز"، وهي منظمة خيرية أسسها مايكل بلومبرغ، مؤسس ومالك حصة الأغلبية في "بلومبرغ نيوز" الشركة الأم لمؤسسة "بلومبرغ".