يُصرّ العديد من مناصري "الصفقة الخضراء الجديدة" (Green New Deal) بأنّ هناك علاقة تربط بين مشكلة تلوث الهواء والعدالة بين الأعراق، وأنه يجب التطرق لهاتين القضيتين في آن واحد. ففي عام 2018، أشار هؤلاء المناصرون إلى أن باحثين من وكالة حماية البيئة وجدوا أن الأمريكيين من أصول أفريقية يتعرّضون للانبعاثات أكثر من غيرهم.
ولا تُظهر الدراسات الأخيرة تفاصيل جديدة حول العلاقة بين تردي الوضع البيئي والعدالة بين الأعراق فقط، بل تضيف أيضاً نتائج جديدة مقلقة بشأن الظلم الواضح والعنصرية التي تمارَس بحق بعض الأعراق. وتتلخص هذه المسألة في أن نسبة الهواء الملوث الذي يتعرّض له الأمريكيون من أصول أفريقية ولاتينية أعلى بكثير من تلك التي تسببها خياراتهم الاستهلاكية، على عكس الأمريكيين البِيض الذين يتعرّضون لأقل من النسبة الناجمة عن استهلاكهم.
وتعتبر الجسيمات الدقيقة العالقة في الهواء أكثر مصادر تلوث الهواء ضرراً وتأثيراً على البيئة في الولايات المتحدة الأمريكية مقارنة بجميع المصادر الأخرى، وعلى الرغم من اختلاف التقديرات، إلا أنه يقال إنها تتسبب في أكثر من 100 ألف حالة وفاة مبكرة كل عام. لذلك لا عجب في أنّ وكالة حماية البيئة تركّز اهتمامها منذ وقت طويل على تقليل مستويات التعرّض لهذه الجسيمات.
وغالباً ما يتم تحميل "الشركات" مسؤولية تلوث الهواء، لكن إذا نظرنا إلى سلوكيات وخيارات المستهلكين الأفراد في الآونة الأخيرة نلاحظ أن العديد من خياراتهم اليومية، مثل قيادة السيارات واستهلاك الكهرباء وشراء السلع والخدمات، قد أدت إلى تلوث الهواء بدرجة غير مقبولة، وازدياد عدد الوفيات المبكرة.
هل للعِرق علاقة بهذا الأمر؟
طرح فريق كبير من الباحثين يترأسه "كريستوفر تيسوم" (Christopher Tessum) من "جامعة واشنطن" (Washington University) سؤالين مهمين لم يتم تحليلهما في الوقت نفسه، الأول هل تتعرّض المجموعات العرقية المختلفة لمستويات متفاوتة من الجسيمات الملوثة؟ والثاني إلى أي مدى يمكننا اعتبار المجموعات العرقية المختلفة مسؤولة عن الأنشطة الاستهلاكية التي تطلق الانبعاثات الصادرة عن الجسيمات الملوثة؟
توصّل الباحثون من خلال التحليل الدقيق لكمّ هائل من البيانات إلى أن الأمريكيين من أصول أفريقية يتعرّضون في المتوسّط لمستويات عالية نسبيًا من الملوثات – حيث وُجد أن نسبة تعرّضهم أعلى بـ 21 بالمئة من متوسّط النسبة الوطنية بوجه عام. وفي الوقت ذاته، بالنظر لما يشكلونه من مجموع السكان، فإن خياراتهم الاستهلاكية تساهم في إطلاق انبعاثات أقل بـ 23% من متوسّط النسبة الوطنية.
باختصار، يؤثّر الهواء الملوث على الأمريكيين من أصول أفريقية بشكلٍ كبير، على الرغم من أن إسهامهم في هذه المشكلة يشكّل مقداراً بسيطاً نسبياً. والأمر ذاته بالنسبة للأمريكيين من أصول لاتينية، إذ أن نسبة مستويات الجسيمات العالقة في الهواء التي يتعرّضون لها أعلى بـ 12% تقريباً من متوسّط النسبة الوطنية بوجه عام. ومرة أخرى، بالنظر لما يشكلونه من مجموع السكان، فإن خياراتهم الاستهلاكية تساهم في إطلاق انبعاثات أقل بـ 31% من متوسّط النسبة الوطنية.
وفي المقابل، فإن مستويات الانبعاثات التي يتعرّض لها الأمريكيون البِيض أقل بحوالي 7% من متوسّط النسبة الوطنية بوجه عام، في حين أن نسبة الانبعاثات الصادرة عن أنشطة استهلاكهم أعلى بـ 12% من متوسّط النسبة الوطنية. وهذا يعني أن الهواء الملوث يؤثّر على العرق الأبيض بصورة أقل نسبياً مقارنة بتأثيره على الأعراق الأخرى، على الرغم من أنهم مسؤولون أكثر من غيرهم عن هذا التلوث.
واستنتج " تيسوم" وزملاؤه أن هناك مشكلة خطيرة تتمثل في "انعدام العدالة فيما يتعلّق بالتلوث"، والسبب هو أن "الأشخاص المنتمين إلى الأغلبية العرقية هم أكبر المسببين لتلوث الهواء، بينما أكبر المتضررين منه هم الأشخاص المنتمون إلى الأقليات".
قد يرى البعض أن هذا ادعاء استفزازي ويجب إيجاد حل له، ولكن المشكلة أن من الصعب اتخاذ أي إجراء بشأنه قبل البحث في البيانات وتحليلها بشكل مفصّل أكثر. ومن جهة أخرى، لم يأخذ الباحثون السؤال التالي بعين الاعتبار: هل من الممكن أن يكون للدخل، وليس العرق، علاقة بالنتائج التي توصلوا إليها؟ على كل حال، يرتبط الاستهلاك ارتباطًا وثيقاً بالدخل.
يجني الأمريكيون البِيض بالمتوسّط مبالغ أكبر بكثير من التي يجنيها الأمريكيون من أصول أفريقية ولاتينية. لذا، فليس من المستغرب أن نلاحظ أن الأنشطة الاستهلاكية للبيض تسهم بشكل كبير في تلوث الهواء مع الأخذ بالاعتبار ما يشكلونه من مجموع السكان. وعليه، نجد أن هناك احتمالية بأن يكون الدخل هو السبب الرئيسي لهذه النتائج وليس العرق.
لكن يبقى السؤال، لماذا يتعرّض الأمريكيون من أصول أفريقية ولاتينية إلى مستويات أعلى نسبياً من الهواء الملوث؟ قد يكون التوزيع الجغرافي عاملاً رئيسياً هنا، فمثلاً، إذا كانت احتمالية أن يعيش أحد أفراد هذه المجموعات العرقية في مناطق حضرية أو شديدة التلوث، أكبر من احتمالية عيش البِيض فيها، فإن من الطبيعي أن يتعرّضوا لمستويات عالية من الجسيمات العالقة في الهواء للسبب ذاته.
باختصار؛ من الممكن تفسير نتائج البحث بشكلٍ أفضل بالرجوع إلى عدم التكافؤ الاقتصادي والتوزيع الجغرافي، ولهذا ليس من الصواب الاعتقاد بأن العرق هو العامل الرئيسي وراء "انعدام العدالة فيما يتعلق بالتلوث" أو على الأقل ليس بشكل مباشر، وبالطبع لا يمكن الإنكار بأن عدم التكافؤ الاقتصادي والتوزيع الجغرافي مرتبطان بالعرق.
نحن بحاجة إلى المزيد من التفاصيل لكي نتمكن من التسليم بهذه النتائج، لكن معرفة أن المجموعات التي تتعرّض إلى مستويات عالية من التلوث هي الأقل إسهاماً فيه والعكس صحيح، هو أمر مستفز بالفعل. أولاً وقبل كل شيء، يعتبر تلوث الهواء مشكلة صحية عامة وبغض النظر عن الدور الذي يلعبه العرق في هذه القضية، إلا أنه من العوامل المسببة للتعرّض للظلم.