حل مشكلة تغير المناخ لا يقع على عاتقك وحدك

ازدحام مروري هائل بسبب زخم تنقل الأشخاص في الأعياد خلال شهر نوفمبر بالولايات المتحدة. تعد خيارات التنقل الشخصية من الأمور التي تلعب دوراً في قضية تغيّر المناخ. - المصدر: بلومبرغ
ازدحام مروري هائل بسبب زخم تنقل الأشخاص في الأعياد خلال شهر نوفمبر بالولايات المتحدة. تعد خيارات التنقل الشخصية من الأمور التي تلعب دوراً في قضية تغيّر المناخ. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

المعضلة الأبدية للاختيار بين ضميري "أنا" أو "نحن" تتفاقم بشكل حاد، فيما يخص القضايا المختلفة. وتتزايد حدة عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ، حيث تواجه البشرية جمعاء هذه المعضلة المتضخمة للغاية. وفي هذه الحال يطرح التساؤل حول سبب خوضنا لعقود في المناقشات حول جدوى إعادة تدوير البلاستيك واستخدام المصابيح الكهربائية الموفرة للطاقة. في حين أنه في حقيقة الأمر، لا يمكن إحراز أي تقدم حقيقي في هذه المشكلة من خلال الأفراد. ولا يمكن أن يتم ذلك إلا من خلال شبكات تعاونية واسعة تستفيد من الفرص الجماعية.

في الحقيقة، إن هذا التوجه لم يكن بأي حال من الأحوال، من قبيل الصدفة فقط.

حملات تسويقية أم "بروباغندا"

كانت فكرة قدرة السلوك الفردي على التغيير، حتى على نطاق ضخم وواسع، توجهاً تم تصميمه كاستجابة لقضية تغير المناخ من قبل الشركات النفطية، وبطريقة تخاطب تحديداً "مبادئ الفردية الصارخة" ومبدأ الاعتماد على الذات، اللذان يسودان الثقافة الأمريكية وأيدولوجيتها"، وفقاً لما كتبه غيفري سوبران، ونعومي أوريسكس، الباحثان في "جامعة هارفارد"، وذلك في إطار تحليل كمي تناول شركة النفط والغاز العالمية "إكسون موبيل".

هذا التوجه نحو تقديم حلّ لمعضلة تغير المناخ عن طريق الأساليب الفردية كان في الواقع أحد أساليب التسويق التي اتبعتها الشركات النفطية. أو بالأحرى من أفكار "الدعاية المضللة" التي استخدمتها شركات النفط لجعلها تبدو بلا حول ولا قوة أمام معضلة المناخ، وكأنها لا تقوم سوى بتحركات بريئة استجابة لطلب المستهلكين.

في البداية، كانت رسائل المسؤولية الفردية تُمرّر في إطار تسويق وصناعة التبغ، ثم انتقلت هذه الاستراتيجية نحو الوقود الأحفوري في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، وذلك طبقاً لما كتبه الباحثان. وفي نقطة مهمة في هذه القضية: أصبحت عبارة "البصمة الكربونية" للتحدث عن المسؤولية الفردية، شائعة منذ ذلك الوقت، وقد كانت جزءاً من الحملة الإعلانية التي أطلقتها شركة "بريتيش بتروليوم" تحت مسمى "ما وراء البترول". وقد أنفقت الشركة ما لا يقل عن 100 مليون دولار سنوياً على الحملات التسويقية بين عامي 2005 و2007، وذلك وفقاً لما ذكر في الدراسة المنشورة في مجلة "ون إيرث".

حالياً، لم تعد شركة "بريتش بتروليوم" تنفق على الحملات الدعائية المختصة بتحسين صورة الشركات، وبدلاً من ذلك، باتت "تصدر إعلانات تروج للسياسات المناخية المصممة بشكل جيد"، وفقاً لبيان صادر عن الشركة. وقد تعهدت "بريتش بتروليوم" بالوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، مع وجود أهداف مؤقتة لها على طوال الطريق. وهو الأمر الذي أكسب الشركة الثناء من المحيط الخارجي.

رد شركات الطاقة

من جهتها، قالت شركة "إكسون موبيل" في بيان، إن الدراسة المنشورة في المجلة هي "جزء من استراتيجية ضمن جهود مقاضاة شركة "إكسون موبيل" وشركات الطاقة الأخرى". ولفتت "إكسون" إلى وجود تضارب بالمصالح في الدراسة، بسبب علاقة الباحثة نعومي أوريسكس مع شركة محاماة تعمل في دعاوى قضائية ضد الشركة وغيرها من شركات النفط والغاز. كما أشارت إلى أن صندوق عائلة روكفلر -أحد الداعمين للدراسة- يمول كذلك القضايا المتعلقة بالمناخ ضد شركات النفط. وأضافت الشركة أنها تدعم اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015، كما أنها "تعمل على تقليل انبعاثاتها"، وانبعاثات عملائها. وقامت الشركة بإطلاق مجموعة من الأعمال منخفضة الكربون. وفي يناير الماضي، كانت "إكسون" قد كشفت للمرة الأولى عن المستويات الكاملة لانبعاثاتها، وذلك تحت ضغط من المستثمرين.

يمكن القول، إن رسائل صناعة النفط حول المسؤولية الفردية في إطار قضايا المناخ تحجب حقيقة أن الإدراك البشري تطور من خلال تحقيق التعاون، وهو أمر ليس سهلاً أو ممتعاً دائماً. ولكن الدراسات وجدت أنه حتى الأطفال الصغار يظهرون استعداداً طبيعياً لحل المشكلات المشتركة من خلال التعاون.

السلوك البشري تطور لترسيخ التعاون

في ورقة بحثية نُشرت في عام 2018، اختبر الباحثان في علم النفس، ريبيكا كومين وإستر هيرمان، قدرة الأطفال خلال مرحلة ما قبل المدرسة (في الروضة) على تعلّم الحفاظ على مورد مشترك من خلال العمل الجماعي. وحتى بهذا العمر الصغير، توصل الباحثان أن البشر يُظهرون خمس سمات إدراكية، والتي معاً تستطيع أن تُمكِنهم من حل المشكلات بشكل جماعي، وهذه السمات هي:

  • نظرية التفكير، أو القدرة على فهم أن الآخرين لديهم القدرة على التفكير أيضاً، بالطريقة التي نفكر ونتعامل بها.
  • القدرة على التمييز بين تصرفات الآخرين المقصودة، وغير المقصودة.
  • القدرة على فهم تصرفات الغش والخداع.
  • القدرة على تنسيق السلوك للعمل مع الآخرين.
  • الحس بالعدالة: أن كل شخص في المجموعة يستحق حصة عادلة.

من خلال العمل في أزواج وبالتوازي، طلب من الأطفال سحب المياه من خزان مشترك لملء سلسلة من الأسطوانات. واتضح لهم أنه في حال تم استهلاك الكثير من المياه دفعة واحدة، سينهار الخزان، ما يعني أن الطريقة الوحيدة للفوز باللعبة تكون من خلال التخطيط والمحافظة على المياه. وقد كتب كومين وهيرمان، أنه بالرغم من أن الأطفال لم ينجحوا دائماً في تحقيق المهمة بنجاح، إلا أن النتائج تشير إلى أنه "بحلول عمر الخامسة إلى السادسة، يكون لدى الأطفال القدرات المعرفية الأساسية اللازمة للتغلب على المعضلات الاجتماعية".

وهذا المنطق المُستخدم في الدراسة، يمكن أن ينطبق أيضاً على العمل في إطار مواجهة تغير المناخ. فإذا عملنا معاً، يمكن للجميع الفوز، وإذا لم نفعل ذلك، سيخسر الجميع.

ماذا تقول وكالة الطاقة الدولية؟

كانت الطريقة الرئيسية التي تطور بها الناس للعمل معاً، من خلال تشكيل دول ذات حكومات ذاتية. ولهذا السبب تلعب الحكومات الدور الرئيسي في دراسة السياسات التي تقدم سبل لخفض الانبعاثات إلى المستوى الصفري. ولذلك، تناول سيناريو صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050، الذي أطلقته الوكالة الدولية للطاقة، مطالب من جميع الحكومات "لتعزيز سياسات الطاقة والمناخ بشكل كبير، ثم تطبيقها بنجاح"، وهذه السياسات قد تشمل تسعير الكربون، ووضع حد لدعم الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى إعادة تشكيل لقطاع الطاقة.

وبأخذ العد التنازلي لتغير المناخ في الاعتبار، فإن الأفراد -رغم أنهم ليسوا الحل الرئيسي- إلا أن هذا لا يعفيهم من دورهم بشكل تام. فحوالي ثلاثة أرباع التغييرات السلوكية الضرورية في المنازل أو الشركات، من المفترض أن تتأثر أو يتم فرضها إلزامياً من قِبل السياسات الحكومية. حيث يتم توجيه الناس نحو السيارات والطاقة والتدفئة النظيفة، وغيرها من المنتجات الخالية من الانبعاثات، وذلك وفقاً لخريطة طريق وكالة الطاقة الدولية.

أما عن الربع المتبقي، فهو عبارة عن "تغييرات سلوكية تقديرية" تشمل توفير الطاقة في المنازل وعلى الطرقات. بينما تبقى اختياراتك الشخصية، كالاختيار مثلاً بين المأكولات اللاحمة أو استبدالها بمنتوجات نباتية، تفضيلات ترجع للأفراد بشكل تام وهي خارج نطاق وكالة الطاقة الدولية.


التغيرات الفردية لا تزال مهمة

وفيما يتعلق بتأثيرات تلك الخيارات، فإن توجيهات وكالة الطاقة الدولية تبدو غامضة. حيث تقول، إن "المواطنين كمستهلكين للسلع والخدمات المتعلقة بالطاقة، هم الذين يشكلون استراتيجيات الشركات الكبرى"، ولكن تقول الوكالة في تقريرها أيضاً: "في الوقت نفسه تقوم الشركات بالكثير، للتأثير على طلب المستهلك وتحفيزه من خلال حملات التسويق والإعلانات".

ولتلخيص الأمر يمكن القول أن الباحثين، سوبران وأوريسكس، يقولان، إن صناعة النفط هي المسؤولة عن قضايا تغيّر المناخ، في حين تجعل وكالة الطاقة الدولية الأمر يبدو وكأن المسؤولية لا تقع على عاتق أحد بعينه. بينما يشير كومين وهيرمان إلى أننا -من الناحية الإدراكية والسلوكية- نتحمل جميعاً المسؤولية عن أنفسنا، وأن حل المشكلة يتطلب توجيه الإرادة على التغيير على المستوى الفردي، لنعمل من خلالها معاً على مستوى جماعي، بطريقةً ما.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك