هناك أخبار سارة وأخبار سيئة في كفاح البشرية ضد تغيُّر المناخ.
أما الأخبار الجيدة، فتتمثَّل في كونه لدينا أداة ممتازة ضد الاحتباس الحراري، يمكننا توسيعها وتحسينها: ألا وهي سعر الكربون المناسب للسوق.
أما السيئة فهي أنَّنا على ما يبدو عازمون على عرقلة ذلك بسياسات أخرى غير مألوفة، ولكنَّها مضللة، ترقى لأن تكون شكلاً جديداً من التخطيط المركزي.
سعر الكربون
لنبدأ بالأخبار السارة. ارتفع سعر تصاريح الكربون التي يتمُّ تداولها في "نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي" (ETS)، وهو الأكبر في العالم إلى حدٍّ كبير، ويبلغ حالياً، حوالي 50 يورو (61 دولاراً) لكل طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون.
والسبب هو ارتفاع الطلب من قبل المُلَوِّثين الصناعيين، وكذلك صناديق التحوُّط والبنوك التي تضارب على هذه التصاريح.
يجب أن يرتفع سعر الكربون هذا في النهاية إلى أعلى بكثير مما هو عليه.
وسيحصل ذلك، مع قيام الهيئات التنظيمية إلى تقليل الكمية الإجمالية للانبعاثات المسموح بها تدريجياً، مما يجعل التصاريح أكثر ندرة وأغلى. هذه هي الطريقة التي يعمل بها "نظام تداول حقوق إطلاق الكربون".
وبعد سنوات من تخمة التصاريح، نقترب الآن أخيراً من الأسعار التي تمنح المُلَوِّثين الحوافز المناسبة لخفض الانبعاثات من خلال الاستثمار في التقنيات الخضراء.
الحياد الكربوني بالاتحاد الأوروبي
والأفضل من ذلك، أن الاتحاد الأوروبي، كجزء من سعيه ليصبح محايداً تجاه الكربون بحلول عام 2050، سيُوسِّع نظام تداول الانبعاثات.
في الوقت الحالي، يتمُّ تضمين قطاعات مثل مرافق الطاقة، أو مصنعي الصلب، ولكن لا يتمُّ تضمين مورِّدي الطاقة لتدفئة المباني أو نقل السيارات.
بشكل عام، يغطي نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي حالياً الصناعات التي تمثِّل 45% فقط من انبعاثات الكتلة الأوروبية. يجب أن يكون الهدف 100%، وأنا متفائل بأننا سنحققه.
تداول تصاريح الكربون بالصين
والأفضل من ذلك، يعمل "نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي" في أوروبا، حالياً، على إلهام مقلدي التجربة في جميع أنحاء العالم.
فقد أطلقت الصين، أكبر ملوِّث في العالم، نظام تداول الانبعاثات في فبراير. على الرغم من أنَّه ما يزال في مرحلة الإعداد، ويحتاج إلى التعديل، لكن بكين تسير في الاتجاه الصحيح.
في حين لدى كوريا الجنوبية "نظام تداول حقوق إطلاق الكربون". وتستعد كلٌّ من إندونيسيا، وفيتنام، وتايلاند، والفلبين، واليابان لإطلاق مشاريعهم الخاصة.
نوادي الكربون
يتمثَّل الهدف النهائي في تحديد سعر عالمي للكربون. وتعدُّ إحدى طرق تحقيق ذلك في ربط أنظمة "تداول حقوق إطلاق الكربون" مثل: أنظمة الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة. ولتشجيع المتحركين ببطء (كأستراليا، على سبيل المثال) على المشاركة.
فكما قلت سابقاً، يجب أن نشكِّل "نوادي الكربون" الدولية. فالبلدان التي لديها سعر للانبعاثات في أسواقها المحلية ستتاجر بحرية مع بعضها؛ كل الآخرين سيدفعون رسوماً إضافية للكربون عند التصدير لتلك الأندية.
من الصعب المبالغة في تقدير مزايا استخدام آلية أسعار بسيطة لإرسال إشارات تنتقل عبر الاقتصادات بأكملها، دون التعقيدات التي يتعذَّر فهمها.
لأنَّ الكفاءة تأتي من خلال اللامركزية: ليس السياسيون والمنظِّمون (أي المخططون المركزيون) من يخصص الموارد. بدلاً من ذلك، يقرر المنتجون، والمستهلكون، والمستثمرون بحرية كيفية التكيُّف مع سعر الكربون.
تشجيع التحول الأخضر
في سوق تعمل بشكل جيد، إذا ارتفع سعر الكربون عند بداية النشاط، فإنَّ تكلفته سترتفع أيضاً في مراحل إنجاز النشاط الأخرى، مما سيجعل الناس يحدُّون من استخدامه.
فإذا جعلت منتجي الكيروسين يدفعون أكثر مقابل محتواه من الكربون، فستزداد تكلفة السفر جواً، مما يجعل الناس يسافرون أقل، ويجعل المُشغِّلون يستكشفون وقود الهيدروجين الأكثر مراعاة للبيئة.
تعني إمكانية تداول تراخيص الانبعاثات أيضاً أنَّه سيتمُّ تقليل التلوُّث بأسرع ما يمكن، أينما كان ذلك أسهل وأرخص.
تخيل اثنين من مصدري الانبعاثات: ترى الشركة "A" طريقة لتبني تقنية أكثر مراعاة للبيئة هذا العام، لكن "B" تحتاج إلى مزيد من الوقت. يمكن لـ A بيع تصاريحها غير الضرورية إلى"B"، وبالتالي الاستفادة من استثمارها على الفور.
ماذا عن الأخبار السيئة؟
الآن للأخبار السيئة. لكي يعمل مؤشر السعر، يجب أن تعمل الأسواق بحرية. ومع ذلك، تستمر الحكومات في التدخل، مما يؤدي إلى تشويه الحوافز بالنسبة لجميع الجهات الفاعلة في الاقتصاد. لذا عن غير قصد، ينتهي بهم الأمر إلى تحييد آلية السعر.
يقدِّم "كليمنس فويست" من معهد "معهد البحوث الاقتصادية"، وهو مركز أبحاث في ميونيخ، مثالاً على ضوابط الإيجارات السكنية.
يجب أن يدفع ارتفاع سعر الكربون أصحاب المنازل إلى الاستثمار في أنظمة عزل أفضل، أو أنظمة تدفئة حديثة.
ولكن في الشقق المستأجرة، الملَّاك هم الذين سيطرحون رأس المال، والمستأجرون هم الذين سيستفيدون من انخفاض تكاليف التدفئة.
إذا منعت ضوابط الإيجار أصحاب العقارات من استرداد نفقاتهم، فاستثماراتهم لن تحدث.
لكن مايزال بإمكان الحكومات مساعدة المستأجرين، أو مجموعات أخرى من الأشخاص الذين عانوا بشكل غير متناسب من تعديل الكربون، مثل أولئك الذين يتنقلون لمسافات طويلة. لكن يجب عليهم فعل ذلك بطرق لا تضر بآلية السوق- من الناحية المثالية- عن طريق الدفع النقدي للناس بشكل مباشر وشفاف.
أخطاء حكومية
يرتكب صانعو السياسة أيضاً خطأً آخر بشكل متزايد؛ فهم يفرضون قيوداً أو محظورات مباشرة، مثل حظر نوع من المحركات، أو فرض حد أقصى للانبعاثات على أسطول معين من سيارات الأجرة، أو السفن، أو الطائرات. في الواقع، يعزى هذا إلى المخططين المركزيين الذين يخصصون الموارد مرة أخرى، على عكس المشاركين في السوق.
إذا تمَّ السماح لسعر الكربون بالعمل، فسيقوم المستثمرون بتمويل تلك التقنيات التي تقلل الانبعاثات، وتجنُّب تلك التي لا تفعل ذلك. لكن يبدو بشكل متزايد أنَّ الحكومات والبنوك المركزية لا تثق في هذه العملية.
تصنيف الاتحاد الأوروبي للمشروعات الخضراء
على سبيل المثال، يقوم الاتحاد الأوروبي الآن ببناء "تصنيف" معقد وبيروقراطي لتحديد الأنشطة التي يجب تسميتها خضراء.
يمكن للشركات التي تحمل هذه (الشعارات) أن تُصدر سندات يمنحها محافظو البنوك المركزية مباركتهم الخاصة. ويمكن السماح للبنوك بتحديد رأس مال أقل، وذلك في مقابل القروض التي تعدُّ "خضراء."
إنَّ هذه طريقة رائعة، أولاً؛ لوضع بذور الأزمة المالية القادمة. ثانياً؛ لتشويه تخصيص رأس المال، بشكل لا يعود به سعر الكربون صالحاً. وثالثاً؛ لتحقيق حلم كل عضو في جماعات الضغط، إذ ينزل المروِّجون والمخادعون إلى أماكن، مثل بروكسل ليحتالوا بخصوص مكانهم في التصنيف.
كما أظهر القرن العشرين أنَّ التخطيط المركزي لا يعمل. وعلى النقيض من ذلك، عادة ما تعمل الأسواق. وعندما لا يفعلون ذلك، فإنَّ مهمة الحكومة هي تصحيح "إخفاقات السوق"، و "العوامل الخارجية"، التي يظهر من بينها تدميرنا للجو، و هو أكثر فعل بشاعة. والطريقة لتحقيق ذلك تتمثَّل في رفع سعر الكربون العالمي؛ ليبلغ السعر المسموح به، لكي ينجز عمله.