في الفترة السابقة للانتخابات الأمريكية في عام 2020، بدأت مقولات مصورة (meme) في الانتشار سريعاً عبر موقع "تويتر". حيث غرّد شخص ما بعبارة "النقل سياسة مناخية"، معلقاً بذلك على مقال حول تطوير مترو الأنفاق.
بينما غرّد آخر عن إجازة الأمومة/الأبوّة مدفوعة الأجر قائلاً: "رعاية الأطفال سياسة مناخية". وباتت تنطبق هذه العبارة على كل شيء تقريباً، حتى التصويت للانتخابات الأمريكية عبر البريد الإلكتروني.
والفكرة الرئيسية كانت أن كل هذه الأمور تتقاطع مع الاحتباس الحراري، وهي مهمة للاستعداد لتأثيراته.
ويأتي ذلك في وقت لا تفترض فيه النماذج الاقتصادية المبكرة سوى تأثر القطاعات (الخارجية) بشكل كبير جرّاء تغيّر المناخ، مثل الزراعة والسياحة.
لكننا نعلم حالياً أن العديد من جوانب الاجتماعية ستشهد معاناة مع ارتفاع درجات الحرارة. كما أن البلدان الأشد فقراً ستتضرر بشكل عام، وستشهد الاقتصادات الأكثر ثراءً اتساعاً في أوجه التفاوت.
ومن المؤكد أن مواجهة المزيد من موجات الحرارة والفيضانات والكوارث الطبيعية سيكون مكلفاً. إذ يشير برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن البلدان النامية وحدها ستحتاج إلى إنفاق ما يصل إلى 300 مليار دولار سنوياً بحلول نهاية العقد.
التمويل من أسواق المال
ويمكن أن تشكل فكرة الاستفادة من أسواق المال واحدة من طرق جمع الأموال لمواجهة هذه التغيرات. فما يتكلفه شخص ما، يمكن أن يشكل فرصة لشخص آخر.
ومع تزايد الإقبال على الاستثمار المستدام بسرعة، من المؤكد أن التحدي الوحيد سيكون إيجاد طريقة لربط المستثمرين بالمشاريع.
ونود الاعتقاد أنه بمجرد وجود نموذج لسندات التكيف مع تغيّر المناخ، أو أي أداة أخرى قابلة للنسخ بسهولة والتعامل معها في المحافظ الاستثمارية، فإن تحويل الأموال إلى حيث تشتد الحاجة إليها سيكون سهلاً.
وكما هو الحال دائماً، فإن الواقع مختلف.
أدوات مالية لأصول "غير واضحة"
وقبل بضعة أعوام، كنت قد عملت على مشروعٍ لتطوير آلية تمويل التكيف مع المناخ. وجمعنا ممثلين عن شركات التأمين والمصارف وصناديق التقاعد وحكومات الولايات والحكومات المحلية والمؤسسات الأكاديمية. وجدير بالذكر أن هذه المجموعة تعلمت الكثير، لكنها لم تجني شيئاً فيما يتعلق بإطار العمل.
حيث كانت معظم آليات تمويل التكيف مع المناخ التي حددناها (كان عددها محدوداً للغاية)، هي إما صغيرة أو محددة للغاية. فعلى سبيل المثال، وزعت أداة دين خاصة بهيئة المياه والصرف الصحي في مقاطعة كولومبيا في الولايات المتحدة، تركز على طرق غير مختبرة لإدارة الفيضانات.
كما ساعد صندوق تأمين الشعاب المكسيكية في تحصيل رسوم من شركات السياحة الساحلية للمساعدة في استعادة الشعاب المرجانية بعد الأعاصير التي ضربت البلاد.
وكان هناك عدد قليل من العناصر المشتركة، فقد كانت كل أداة تتمتع بترتيب مفصل ومعتمد، بدلاً من اعتبارها مجرد صفقة نموذجية يمكن مضاعفتها وتداولها بسهولة بتكاليف معاملات منخفضة. والسبب الكامن خلف هذا الأمر هو طبيعة "الأصل" الأساسي.
فبالتأكيد، من الناحية النظرية، يمكنك تأمين بناء حاجز بحري، وجني عائدات من خلال الرسوم المُحصلة من سكان السواحل الأثرياء أو المجالس المحلية. لكن الجدران البحرية ليست أداة. كما أنه من الضروري تصميم كل منها على نحو فريد من نوعه وفقاً لموقع محدد وشروطه، مع العلم أن وفورات الحجم قليلة.
في الوقت نفسه، ليس هناك معيار ثابت مخصص لكيفية تقاسم تكاليف مشاريع التكيف مع التغيرات المناخية بين أولئك الذين يجري حمايتهم. وتبقى الأسئلة مثارة حول ما إذا كان هناك عدد كافٍ من السكان سيدفع طوعاً ثمن الحاجز البحري النظري، إما بشكل مباشر أو عبر الضرائب؟ ويطرح التساؤل هنا حول من الذي يتم حمايته وعلى حساب من؟
التنافس في الاستثمار المستدام
وجدير بالذكر أن الهياكل التي تحمي امتداداً واحداً من الشاطئ غالباً ما تخلق مشاكل أخرى على طول الساحل.
ولا يندرج التكيف ضمن فئات واضحة، إذ يمكن أن يشير إلى الاستثمار في البنية التحتية أو تصميم برامج لحماية الطبيعة.
وقد يتضمن بناء حواجز بحرية كبيرة، وقد يتعلق أيضاً بالاحتفاظ بالأشجار في شوارع المدينة، أو حتى ضمان الوصول إلى مياه شرب نظيفة. وهذه التدابير تعتبر حالياً أصغر من أن تثير اهتمام صناديق التقاعد الكبيرة ومديري الأصول.
ولم يجد التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة وآخرون سوى 24 مشروعاً تقريباً تزيد قيمته على 25 مليون دولار في هذا المجال، خلال الأعوام القليلة الماضية.
هناك الكثير من الأسباب الأخرى الهامة التي تتنافس على نفس المجموعة من أموال الاستثمار المستدام.
ويبدو أن الحماية من التغير المناخي في وقت مبكر أمراً منطقياً، فهو سيتجنب التكاليف الأكبر في المراحل اللاحقة، وكذلك التعليم الشامل في مرحلة الطفولة المبكرة وتحسين أنظمة الصرف الصحي. كما أن المستثمرين يريدون عوائد تتناسب مع المخاطر مقارنة بالفرص الأخرى.
السندات الحكومية
بالنسبة للبلدان المتقدمة، هناك إجابة سهلة من شأنها جمع التمويل الرخيص والغرض الفعلي منها هو التنقل السلمي بين المصالح التنافسية للمواطنين، وهذه الإجابة تتمثل بالطبع في السندات الحكومية.
فحتى عام مضى، استطاعت اقتصادات التقشف وسياسات "الموازنة المتوازنة" التخفيف من تلك السندات، رغم انخفاض أسعار الفائدة. لكن التصدي لتفشي "كوفيد-19" أظهر أن السلطات المالية مستعدة حالياً لتحمل الديون عندما تكون هناك أزمة عامة حقيقية أمامها. كما أصدرت بعض الحكومات مؤخراً "سندات المرونة"، التي تعمل بشكل أشبه بتمويل الدين العام قديم الطراز، بدلاً من مجرد كونها وسيلة جديدة لتمويل التكيّف.
مع ذلك، لن يجدي هذا الأمر نفعاً في كل مكان، خاصة أن أفقر البلدان النامية إما تجد صعوبة في الوصول إلى أسواق رأس المال، أو تدفع ثمناً باهظاً لذلك.
مساعدة الدول النامية
لهذا السبب، فإن موافقة الدول الغنية على تخصيص 100 مليار دولار سنوياً لتمويل المناخ من أجل مساعدة الدول النامية تعتبر خطوة مهمة جداً. لقد تم هذا التعهد على عجل في اللحظات الأخيرة من اجتماع فوضوي للأمم المتحدة في كوبنهاغن عام 2009، لكن الاقتصادات المتقدمة فشلت في الوفاء به.
وهذا هو السبب الكامن خلف فكرة أن المناخ مسألة تتعلق بالعدالة. نحن جميعاً ندخل مستقبلاً أشد حراً، والدول الفقيرة بحاجة ماسة إلى الأموال التي وُعدت بها. كما أن الوسائل البديلة لتمويل تدابير المرونة محدودة.
ويعتبر التفشي المروع لفيروس كورونا في الهند، بينما ينتظر معظم العالم المتقدم في الصفوف الطويلة للحصول على اللقاح، مجرد دعوة للاستيقاظ.
لقد أصبحت الهند واحدة من البلدان النامية التي يتوقع معاناتها بشكل أكثر من غيرها من تغير المناخ.
كما أن الطريقة التي ظهرت بها أوجه التفاوت العالمية خلال الوباء، ليست سوى استعراض تمهيدي لما سيحدث في العقود القادمة في ظل ارتفاع درجة حرارة الكوكب.