في عام 1993، تمَّ وضع أحد المفاعلات النووية النشطة من بين مفاعلين يقعان ضمن نطاق مدينة مانهاتن بالولايات المتحدة، على قائمة مراقبة فيدرالية للسلامة. حينها ذكر المنظِّمون أنَّ المراقبة ترجع للوحدة رقم 3 في مركز "إنديان بوينت" للطاقة، ولأنابيب تبريدها الراشحة، والدعم الهندسي المتعثِّر فيها. وبعد ذلك بوقت قصير، ثبت أنَّ عاملاً يتعاطى الماريجوانا والكوكايين في غرفة التحكُّم بالمفاعل، إلا أنَّ أيَّاً من هذا كله لم يساعد النشطاء في سعيهم الطويل لإغلاق المحطة النووية.
وعلى مدى سنوات فشلت المعارضة الشديدة من دعاة حماية البيئة، ودعاة السلامة في إغلاق المفاعل بشكل دائم، ولكن هذه المحاولات نجحت مؤخَّراً، وكان موعد الإغلاق النهائي، قد حدِّد مارس الماضي، كموعد إغلاق مفاعل مركز "إنديان بوينت".
وقد أنتج المفاعلان معاً نحو 2.1 غيغاوات من الطاقة لما يقرب من 45 عاماً، وهو ما كان يكفي لتلبية ربع الطلب من مدينة نيويورك، ولم يؤدِ أي منهما لأي انبعاث في غازات الاحتباس الحراري.
تساؤلات حول الطاقة البديلة
صحيح أنَّه يجب أن يشكِّل هذا الإغلاق علامة فارقة بالنسبة للنشطاء الذين أمضوا أكثر من جيل في محاولة لإزالة الشبح النووي المخيِّم على أكبر مدينة أمريكية، إلا أنَّ الإغلاق سلَّط الضوء على قلق مختلف، ألا وهو الاحتباس الحراري. ففي السنوات الماضية، أصبح القلق بشأن غازات الاحتباس الحراري ذا أهمية بالغة، وجاء إغلاق مفاعل مركز "إنديان بوينت" مصحوباً بزيادة، وإن كانت مؤقتة، في التلوُّث الناتج عن الاحتباس الحراري.
ويقول بول غالاي من المجموعة البيئية "ريفير كيبير"، التي حاربت مركز "إنديان بوينت" على مدى سنوات: "من الضروري أن تعي أنَّ المحطة ليست آمنة، وأنَّها بحاجة للإغلاق. ولهذا السبب، وبالانتقال إلى استخدام الطاقة المتجددة والكفاءة، انشغلت الولاية كما انشغل الأشخاص المعنيّون بعالم الطاقة في مدينة نيويورك".
وجاء قرار إغلاق مفاعل مركز "إنديان بوينت" في عام 2017، بعد اتفاق بين الولاية ومالك المشروع شركة "إنترجي". وقد وجدت دراسة موثوقة أجراها مُشغل شبكة الطاقة في ذلك الوقت أنَّ ساحة "تايمز سكوير" في نيويورك ستظلُّ مضيئةً، وسيظل مترو الأنفاق يعمل بعد اغلاق المفاعلين.
إلا أنَّ هناك مشكلة واحدة باقية؛ وهي أنَّ معظم الطاقة البديلة كانت ستأتي من الغاز الطبيعي الرخيص، وهو الأمر الذي أدى إلى تقلُّب اقتصاديات المحطات النووية في جميع أنحاء البلاد. إذ سيكون فقدان مفاعل مركز "إنديان بوينت" بمثابة خطوة إلى الوراء بالنسبة للبلاد المنطلقة بقوة نحو توليد طاقة بشكل خالٍ من الكربون للكهرباء بحلول عام 2040.
الغاز الطبيعي أو الطاقة المتجددة
سيقوم الغاز الطبيعي المضاف حديثاً على سدِّ الفجوة على المدى القصير، وسيأتي في معظمه من مركز "كريكيت فالي إنرجي سنتر". والمركز عبارة عن محطة غاز ذات دورة مشتركة تبلغ قدرتها 1.1 غيغاوات, وتقع في غابة بالقرب من حدود ولاية كونيتيكت، وهي قادرة على تشغيل مليون منزل. فضلاً عما يوفِّره مركز "كريكيت فالي إنرجي سنتر" من قدرة كهربائية إضافية تبلغ 680 ميغاواط. كما سمحت ترقيات منشأة ثالثة بالقرب من مدينة بايون في ولاية نيوجيرسي بتوفير 132 ميغاوات أخرى.
وكانت المولِّدات في جميع المحطات الثلاث قد بدأت بالعمل منذ عام، بحلول موعد إغلاق مفاعل مركز "إنديان بوينت" الثاني. وحتى بعد أن بدأ هذا التحوُّل، كانت الطاقة النووية تستمر في توفير نحو 29% من الكهرباء على مستوى الولاية في عام 2020، مسجِّلةً انخفاضاً بأربع نقاط مئوية عن عام 2019 عندما كان المفاعلان في الخدمة. وارتفع استخدام الوقود الأحفوري بمقدار أربع نقاط ليصل إلى 43% من إجمالي كهرباء نيويورك العام الماضي. ووفَّرت مصادر الطاقة المتجددة نحو 27% من طاقة نيويورك في عام 2020، دون تغيير تقريباً عن العام السابق. (يذكر أنَّه تمَّ إغلاق آخر محطة فحم في الولاية في شهر مارس 2020).
توربينات الرياح
والآن توجد عثرة أخرى بعد إغلاق مفاعل "إنديان بوينت"، التي تتمثَّل في الطلب على الغاز الطبيعي. وتقول جيسيكا أزولاي، المديرة التنفيذية للتحالف من أجل اقتصاد أخضر: "شهدت نيويورك زيادة طفيفة في توليد الغاز في عام 2020" بعد إغلاق المفاعل الأول. إلا أنَّ مسار الولاية بشكل عام ما يزال يتجه نحو انبعاثات أقل من إنتاج الكهرباء. وقالت: "تُظهر حساباتي انخفاضاً بنسبة 10% في توليد الوقود الأحفوري في نيويورك من عام 2016 إلى عام 2020"، وهي الفترة التي تتضمَّن قرار إغلاق مفاعل "إنديان بوينت".
ومن غير المرجَّح أن تستمر الزيادة في استهلاك الغاز لفترة طويلة. وقالت دورين هاريس، المديرة التنفيذية لهيئة أبحاث وتطوير الطاقة بولاية نيويورك، إنَّه لا يمكن أن يستمر بموجب القانون. وكان الحاكم أندرو كومو قد وقَّع على تشريع في عام 2019 يطالب الولاية بالحصول على 70% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول نهاية هذا العقد، والقضاء على انبعاثات الكربون الناتجة عن شبكة الكهرباء بحلول عام 2040.
ومن المتوقَّع أن تأتي الكثير من تلك الكهرباء من مزارع الرياح البحرية. فقد حدَّدت نيويورك هدفاً لتطوير توربينات بحرية بسعة 9 غيغاوات بحلول عام 2035، وهو ما يتناسب مع هدف الرئيس جو بايدن بتركيب توربينات بسعة 30 غيغاوات قبالة سواحل البلاد.
إلا أنَّ هذا لن يحدث بين عشية وضحاها، إذ يوجد في نيويورك خمسة مشاريع بحرية قيد التطوير في جنوب وشرق لونغ آيلاند بسعة إجمالية تبلغ حوالي 4.3 غيغاوات، ومن المتوقَّع أن يدخل المشروع الأول الخدمة في عام 2023.
وقالت آن رينولدز، المديرة التنفيذية للتحالف من أجل الطاقة النظيفة في نيويورك: "ما تمتلكه ولاية نيويورك الآن بموجب عقد الرياح البحرية سوف يستبدل الطاقة من مفاعل "إنديان بوينت" ".
البناء والتمويل
هناك ما يقرب من 100 مشروع للطاقة المتجددة قيد التطوير بسعة 11 غيغاوات تكفي لتزويد 5 ملايين منزل بالطاقة. ومن المتوقَّع أن يدخل ثلاثون من هذه المشاريع حيز الخدمة هذا العام. كما تقوم نيويورك أيضاً ببناء مئات الأميال من خطوط النقل لتوفير المزيد من الطاقة النظيفة لمنطقة مدينة نيويورك، إذ يتمُّ استهلاك 60% من طاقة الولاية.
ويتوقَّع التحالف من أجل اقتصاد أخضر أن يتمَّ الاستعجال في مشاريع الطاقة النظيفة الجديدة هذه لمدة عام على الأقل، حتى عام 2023، وهو التاريخ الذي من المتوقَّع أن تعوِّض فيه مصادر الطاقة المتجددة والكفاءة، خسارةَ المفاعل الثاني في مركز "إنديان بوينت".
كما سيلعب الحفاظ على الطاقة أيضاً دوراً في سدِّ فجوة الطاقة الناتجة عن إغلاق مركز "إنديان بوينت"، بما في ذلك المكاسب من الأجهزة الحديثة، وخطط كفاءة الطاقة التي تتطلَّبها الولاية في المرافق. ويبدو أنَّ استخدام الطاقة سوف يظلُّ ثابتاً حتى وقت لاحق من هذا العقد، عندما يبدأ الطلب المتزايد على الاستخدام الأوسع للسيارات الموصولة بالكهرباء، والتدفئة الكهربائية في الظهور.
وأضافت رينولدز: "كفاءة الطاقة لها تأثير حقيقي على نيويورك. فالطلب على الكهرباء في نيويورك ثابت بشكل أساسي، على الرغم من أنَّه يوجد المزيد من الناس ممن يستخدمون الكهرباء في كل شيء في حياتهم".