قالت وكالة الطاقة الدولية، إن الحكومات الغربية يتعين عليها التفكير في تخزين معادن تصنيع البطاريات الهامة، مثل الكوبالت والليثيوم، فيما يعد تحذيراً صارخاً من المخاطر السياسية التي تصاحب الانتقال نحو الطاقة الخضراء.
تأتي هذه الدعوة في الوقت الذي يقلق بعض صناع السياسة من أن التحوّل عن حرق الوقود الأحفوري إلى اقتصاد أكثر خضاراً، سيعرض العالم لتهديدات جديدة. وعلى عكس البترول، السلعة الموجودة في كل مكان تقريباً، فإن إنتاج ومعالجة المعادن مثل الليثيوم والكوبالت وبعض العناصر الأرضية النادرة، يتركز بشكل كبير في مناطق بعينها، ويشكل أكبر ثلاثة منتجين أكثر من 75% من المعروض العالمي.
قد تقدم برامج التخزين حماية ذات قيمة للأمم الصناعية الرائدة التي تتطلع إلى تطوير مصادر موثوقة من المعادن والعناصر التي تلعب دوراً حيوياً في عالم التخلص من الكربون، بحسب قول الوكالة في تقرير يوم الأربعاء.
وقال فاتح بيرول، مدير الوكالة الدولية للطاقة، عبر الهاتف، إن "تحقيق أهداف التغير المناخي يعزز بقوة الطلب على الموارد المعدنية، وبالتالي فإن التخزين الاستراتيجي الطوعي يمكن في بعض الحالات أن يساعد الدول على الصمود في وجه اضطرابات المعروض قصيرة الأجل".
تأسست وكالة الطاقة الدولية في عام 1974، بعد أول صدمة نفطية عالمية، وسعت الدول الصناعية الرائدة مثل الولايات المتحدة، واليابان، وألمانيا إلى تعزيز أمن الطاقة من خلال التخزين. ولجأت الدول إلى استخدام احتياطيات النفط الاستراتيجية عدة مرات، بما في ذلك خلال حرب الخليج في 1990-1991، وأثناء الحرب الأهلية الليبية في عام 2011.
منذ ذلك الحين، وسّعت الوكالة نطاق اختصاصاتها، وقدمت استشارات للحكومات بشأن سياسة الطاقةـ ومؤخراً بشكل متزايد بشأن تغير المناخ. والآن تحث الجهة الرقابية -ذات التأثير- الحكومات على الاستعداد لمواجهة مخاطر المعروض الجديدة، إذ أصبح العالم يعتمد بشكل متزايد على مجموعة من المعادن المهمة التي غالباً ما يتم إنتاجها على نطاق واسع في دول لا يتجاوز عددها أصابع اليد.
الاحتياطيات الاستراتيجية
قد يكون لبناء احتياطيات استراتيجية جديدة عواقب غير مقصودة، مثل تعزيز الطلب والأسعار، في ظل تنافس الحكومات مع شركات صناعة السيارات على المعادن النادرة. وبالفعل ارتفعت السلع من النحاس إلى البلاديوم مع انتعاش الاقتصاد العالمي من الوباء.
ورغم امتلاك الصين واليابان مخزونات استراتيجية من المعادن الهامة، فإن الدول الغربية لا تمتلك مخزونات واسعة. كما تتمتع الصين بتواجد قوي في مجال معالجة المعادن، فضلاً عن إنتاج حوالي 60% من العناصر الأرضية النادرة في العالم.
وضعت الولايات المتحدة برنامج تخزين عبر وكالة الخدمات اللوجستية الدفاعية، ولكن كان هناك عدد قليل من عمليات الشراء واسعة النطاق منذ الحرب الباردة، عندما اكتسبت للمرة الأولى المعادن -مثل الكوبالت- أهمية استراتيجية في صناعة محركات الطائرات.
والآن، يلعب الكوبالت دوراً مهماً في بطاريات "الليثيوم أيون" عالية السعة من النوع الذي تستخدمه شركة "تسلا". وأصبح الكوبالت يشكل مصدر قلق خاص، لأن جمهورية الكونغو الديمقراطية، الدولة الأفريقية التي تعاني من الصراع والفقر، توفر أكثر من 70% من الإمدادات العالمية.
تحذير أمريكي
حذرت وزارة الطاقة الأمريكية أوائل العام الجاري من أن الدولة تفتقر إلى "الموارد المحلية الكافية لتلبية الطلب المتوقع على بعض المواد الحيوية مثل الكوبالت والغاليوم"، وأوصت -من بين أمور أخرى- بعقد شراكات مع الحلفاء لبناء سلاسل توريد وتطوير بدائل.
ولمواجهة التحديات التي تلوح في الأفق، تدعو وكالة الطاقة الدولية إلى تعزيز إعادة تدوير المواد الخام، ووضع أجندة سياسية واضحة لتشجيع شركات التعدين على تطوير مصادر جديدة للإمدادات. وتنضم الوكالة أيضاً إلى البنوك الاستثمارية وشركات تداول السلع في التحذير من أن الطلب المتزايد أثناء انتقال الطاقة قد يدفع أسواقاً مثل النحاس إلى عجز كبير.
ورغم قول مجموعة "غولدمان ساكس"، ومجموعة "ترافيغورا" وغيرهم إن ارتفاع الأسعار ضروري لتحفيز الإمدادات الجديدة، فإن وكالة الطاقة الدولية تدعو الحكومات إلى معالجة نقاط ضعف الإمداد بشكل مباشر. وترى الوكالة، أن التخزين يكون أكثر فعالية في الأسواق الصغيرة والغامضة حيث يتركز العرض بشدة.
وقالت الوكالة، إن "خطط المعروض والاستثمار الحالية المتعلقة بالعديد من المعادن ذات الأهمية البالغة أقل بكثير مما هو مطلوب.. واستجابة صانعي السياسات والشركات ستحدد إذا كانت تلك المعادن ستكون عاملاً حيوياً يساعد في الانتقال للطاقة النظيفة، أم ستصبح عقبة أمام هذه العملية".