في رواية الخيال العلمي "وزارة المستقبل"، أودت موجة حر مدمرة في الهند بحياة 20 مليون شخص. وحفزت أحداث الرواية تشكيل مجموعة سرية أطلق عليها "أبناء كالي" والتي كان يتمثل أحد أساليب عملها بتخريب السفن والطائرات التي تعمل بالوقود الأحفوري، مما يجبر الدول والشركات على تبني بدائل خالية من الكربون للحفاظ على دوران عجلة الاقتصاد.
ولكن على أرض الواقع، فإنه من غير المرجح أن تسمح الدول العسكرية الكبرى في العالم لمثل هذه المجموعة بالاستمرار لفترة طويلة. ولكن مع ذلك، فإن تفاصيل الحبكة الدرامية للرواية تلقي الضوء على نقطة لم يعِها الكثيرون بشكل كامل، وهي أنه إذا أخذ العالم أهداف اتفاقية باريس على محمل الجد، فلن يكون مجرد تطوير التقنيات النظيفة أو زيادة الانبعاثات السلبية كافياً. وسيتعين على العالم إيجاد طرق لعدم المساس بمعظم احتياطيات الوقود الأحفوري في العالم خلال العقود القليلة القادمة، لتحقيق صافي انبعاثات صفرية.
وفي حين أن الإجراءات العنيفة لا تبدو بالأمر الجيد، حتى في كتب الخيال العلمي. إذا، كيف يمكن تحقيق ذلك في عالمنا الحقيقي؟ وفي الحقيقة، تظهر بعض التطورات الأخيرة أن الدول بدأت تجس النبض من خلال فرض قيود على حرق الكربون.
إيقاف التراخيص الجديدة
وقد أعلن حاكم ولاية كاليفورنيا، جافين نيوسوم، مؤخراً، فرض حظر على عمليات التكسير الهيدروليكي الجديدة بحلول عام 2024. وتعهد بإنهاء جميع عمليات استخراج النفط بحلول عام 2045، وهو العام الذي تهدف فيه الولاية إلى الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية. كما توقفت الدنمارك عن منح تراخيص جديدة للتنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال وستنهي الإنتاج بحلول عام 2050.
وفي وقت سابق من أبريل، بدأ المشرعون الفرنسيون في دفع مشروع قانون يحظر السفر الجوي التقليدي عندما يمكن القيام بالرحلة بالقطار في ساعتين ونصف الساعة أو أقل، مع استثناءات للرحلات "الخالية من الكربون". ويهدف القانون الفرنسي إلى الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050.
وتضيف تلك القيود إلى قيود الكربون الكثيرة التي تم الإعلان عنها خلال السنوات القليلة الماضية، حيث وافقت معظم دول أوروبا على التخلص التدريجي من محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم.
وحظرت بعض الدول الأوروبية، والعديد من مدن ولاية كاليفورنيا توصيلات الغاز الطبيعي في المباني الجديدة. وكذلك، حددت العديد من الدول الأوروبية وكندا أهدافاً لإنهاء مبيعات السيارات الجديدة التي تعمل بالوقود الأحفوري قبل عام 2050، فيما تستهدف النرويج فعل ذلك في وقت مبكر بحلول عام 2025.
وفي ظل غياب قدرة صانعي السياسات على حظر إحراق الوقود الأحفوري في سياقات معينة بشكل صريح، فقد تم اتخاذ بعض التدابير المتعاقبة غير المباشرة. فعلى سبيل المثال، وافقت أكثر من 100 مؤسسة مالية، بما في ذلك بعض بنوك التنمية، على سحب استثماراتها من صناعة الفحم. كما وافقت الكثير من المؤسسات على وقف الاستثمار في الرمال النفطية والتنقيب في القطب الشمالي. ومن جانبهم، حدد المقرضون الدوليون الكبار أهدافاً لخفض الانبعاثات الناتجة عن أنشطتهم التمويلية إلى الصفر الصافي بحلول عام 2050 أو قبل ذلك.
وكل ذلك من شأنه، من الناحية النظرية، أن يرفع تكلفة رأس المال بالنسبة للصناعات كثيفة الانبعاثات الكربونية.
تسعير الكربون
وتعتبر هذه الخطوات ضرورية جزئياً بعدما لم تفلح الإجراءات الاقتصادية التقليدية، والتي حتى لم تطبق بشكل كامل في بعض الحالات. وبينما تمتلك نحو 40 دولة سياسات لتسعير الكربون، بما في ذلك برنامج مقايضة الانبعاثات الخاص بالاتحاد الأوروبي، غير أن تأثير هذه السياسات لم يكن كافياً في الغالب للابتعاد عن الوقود الأحفوري بالسرعة الكافية أو إحداث انخفاض جدي في مستوى الانبعاثات. (وهناك حجج قوية أيضاً تدعم عدم اعتبار سياسة تسعير الكربون سياسة مناخية جيدة بمفردها).
قيود لا تضرّ بالاقتصادات المحلية
ومن أكبر التحديات أمام وضع أي نوع من القيود على حرق الكربون، تأثير ذلك السلبي المحتمل على الاقتصاد المحلي. وحالياً، انضمت صناعة الوقود الأحفوري إلى الفريق الداعم لتسعير الكربون بشكل كبير، وذلك على الرغم من إنفاقها أموالاً طائلة في الماضي لمعارضة تلك السياسات. كما انخرطت الصناعة في حملات تضليل عدة أخّرت إجماع الحكومات على كون تغير المناخ مشكلة تستوجب العمل على تخفيف آثارها. ومع ذلك، فإن الحكومات تستطيع ممارسة سلطاتها على الانبعاثات المحلية فقط. حيث تحد قيود الكربون أو الحوافز السلبية من قدرة الشركات المحلية على المنافسة في سوق الاستيراد والتصدير. فعلى سبيل المثال، لن يتمكن مصنّع الصلب في أوروبا، والذي يتعين عليه دفع 50 دولاراً مقابل إطلاق طن من الانبعاثات، من منافسة الصلب القادم من الصين، والذي لم يضطر مُصنِعه إلى دفع ضريبة الكربون.
ولهذا السبب يدرس الاتحاد الأوروبي استخدام تعريفات الكربون الحدودية، والتي من شأنها أن تفرض تكاليف أعلى على واردات السلع كثيفة الإطلاق لانبعاثات الكربون من المصنّعين الذين لم يواجهوا أي عقوبات في بلادهم. ويعد ذلك أحد الأسباب التي تجعل الصين، وهي واحدة من أكبر الدول المُصَدِرة لأوروبا، تعمل على تسريع تدشين سوق محلية لتبادل الكربون.
وقال جون كيري، المبعوث الخاص للبيت الأبيض المعني بالمناخ، لـ "بلومبرغ نيوز" إن الرئيس جو بايدن يدرس ما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة النظر في فرض تعريفات الكربون أيضاً.
وإذا ما أخذنا تاريخ التشريع البيئي كمؤشر، فمن المحتمل أن تنضوي أي تشريعات خاصة بقيود الكربون على بعض الثغرات. فعلى سبيل المثال، ستعتمد تعريفات الكربون على محاسبة دقيقة عبر الدول ذات السياسات المختلفة بشأن شفافية البيانات. ويعتبر أحد وسائل مواجهة هذا الأمر هو استخدام المراقبة عبر الأقمار الصناعية، والتي يمكن أن تسمح بالتحليل شبه الحقيقي لانبعاثات الغازات الدفيئة. وقد بدأ بالفعل تتبع غاز الميثان، وقريباً سيتم إضافة ثاني أكسيد الكربون إلى القائمة.
وإذا كان العالم يريد تحقيق أهداف المناخ، فإن حسابات الكربون ستشكل تحدياً. وبطريقة أو بأخرى، سيتعين على المجتمع مواجهة السياسات التي تحافظ على جزء كبير من الوقود الأحفوري تحت الأرض، لتتجنب دفع الثمن لاحقاً من خلال المعاناة من آثاره.