ضرب تغير المناخ جميع أنحاء أوروبا خلال العام الماضي، حيث منيت القارة الأوروبية بتغيرات مناخية تسببت في زيادة معاناة الاقتصادات المغلقة بسبب الوباء. حيث أنتج تغيّر المناخ عددا من التحديات تباينت بين ارتفاعات قياسية في حرارة الجو، وإغراق مناطق بفيضانات غير مسبوقة. الأمر الذي يبرز تنامي عدم اليقين بشأن مستقبل 500 مليون شخص يعيشون في القارة الأوروبية، في ظل ارتفاع درجة حرارة الأرض.
ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة
ووفقاً للعلماء في "خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ"، كان العام الماضي واحداً من ثلاثة أعوام شهدت أقصى ارتفاعات مسجلة للحرارة على الإطلاق في أوروبا. كما توج العام الماضي فترة من ارتفاع الحرارة دامت لست سنوات لم تشهد أوروبا مثل سخونتها.
وفي حين أدّت عمليات الإغلاق الاقتصادي التي تسبب بها الوباء إلى خفض انبعاثات الاتحاد الأوروبي بمقدار العُشر تقريباً، إلا أنها لم تمنع الزيادة الإجمالية في انبعاثات الغازات الدفيئة التي يتسبب فيها الإنسان. ويعد أقصى الشمال الأكثر تأثراً بالتغيرات في الحقيقة.
آثار يمكن رؤيتها من الفضاء الخارجي
ويقول فريا فامبورج، أحد العلماء الذين شاركوا في كتابة التقرير السنوي حول حالة المناخ الأوروبي، والذي تم نشره يوم الخميس: "تبرز منطقة القطب الشمالي، حيث ترتفع درجة حرارتها بمعدل أسرع من بقية العالم كما هو الحال في أوروبا".
وقد بدأت النظم البيئية المتجمدة في القطب الشمالي في الذوبان، إذ ارتفعت درجات الحرارة في القطب الشمالي السيبيري خلال العام الماضي بمقدار 4.3 درجة مئوية عن المتوسطات التاريخية، مما أدى إلى ذوبان الجليد وتصقع التربة.
وبات يمكن رؤية الحرائق الضخمة التي تلتهم الغابات الشمالية القديمة، من الفضاء.
ويقول مارك بارينجتون، أحد العلماء في "خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ"، والذي يدرس انبعاثات الحرائق: "بعض آثار هذه العملية لا يمكن عكسها. حيث أطلقت هذه الحرائق الكربون الذي تم التقاطه عبر آلاف السنين، في الغلاف الجوي مرة أخرى".
ويتم تتبع معدل الانبعاثات عن كثب في "خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ"، والتي تستخدم مليارات القياسات من الأقمار الصناعية والسفن والطائرات ومحطات الطقس حول العالم. لإجراء تنبؤات شهرية وموسمية.
ويعتبر وقف تراكم ثاني أكسيد الكربون والميثان في الغلاف الجوي أمراً أساسياً لمنع ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية لأكثر من 1.5 درجة مئوية، كما أصبح سمة أحد العناصر الرئيسة في صفقة أوروبا الخضراء وبرنامجها للتعافي من الأوبئة.
وقال ماتياس بيتشكي من المفوضية الأوروبية في بيان: "إن تحقيق اقتصاد محايد مناخياً يتطلب التعبئة الكاملة للمجتمعات والحكومات والصناعات".
أنماط طقس جديدة
وتقدر "كوبرنيكوس" انخفاض الانبعاثات العالمية بنسبة 8% خلال العام الماضي بسبب الانكماشات الاقتصادية. وكان من الممكن أن تنخفض الانبعاثات أكثر إذا لم يعتمد الأشخاص الذين يعملون من المنزل على حرق الغاز الطبيعي والنفط للتدفئة، وفقاً لفنسنت هنري بيوش، الذي يرأس "خدمة كوبرنيكوس لمراقبة الغلاف الجوي".
وأدى ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير طبيعي والطقس القاسي إلى زيادة العبء على بعض أهم القطاعات الاقتصادية في أوروبا، حيث عانى المزارعون في جميع أنحاء فرنسا وأجزاء من وسط أوروبا على مدى سنوات متتالية من ظروف أكثر جفافا من المتوسط، أدت بدورها إلى انخفاض غلة المحاصيل الزراعية. كما عانت شركات الطاقة لتحديد أنماط الطقس الجديدة، مما تسبب بخسائر بمليارات اليوروهات.
وتخللت تلك الفترات من الطقس الحار والجاف، سيول جارفة بمعدل بلغ ثلاثة أضعاف المتوسطات الشهرية، ما تسبب في حدوث فيضانات مدمرة في بعض المناطق. وكانت منها العاصفة "أليكس" التي أغرقت المملكة المتحدة وشمال غرب فرنسا وجبال الألب الجنوبية بأمطار قياسية ليوم واحد في أكتوبر الماضي. كما اجتاح إعصار استوائي نادر يسمى "ميديكان لانوس" اليونان في سبتمبر، مما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص وتسبب في أضرار بنحو 100 مليون دولار.
وفي هذا الإطار، قد يخبئ ارتفاع درجة حرارة المناخ أيضاً تغيّرات يحتمل أن تكون أكثر تدميراً لأنظمة الأرض، حيث يتسبب ذوبان الأنهار والجروف الجليدية في ارتفاع مستويات سطح البحر وتهديد الاقتصادات الساحلية في جميع أنحاء العالم.
كما تقترب المحيطات من بعض السواحل الأوروبية بمعدل نصف سنتيمتر تقريباً سنوياً، مما دفع الكتلة إلى إطلاق قمر صناعي جديد في عام 2020 ليتتبع زحف المياه نحو اليابسة.
وقال كارلو بونتمبو، مدير "كوبرنيكوس" أخيراً: "من المهم، أكثر من أي وقت مضى، أن نستخدم المعلومات المتاحة للعمل، وللتخفيف من تغيّر المناخ والتكيف معه، وتسريع جهودنا للحد من المخاطر المستقبلية".