قرر اثنان من أكبر صانعي البطاريات الكهربائية في العالم اللجوء لمساعدة كبار النافذين في واشنطن لعقد اجتماعات شبه يومية مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في معركة قد تؤثر على خطط شركتي "فورد" و"فولكس واجن" للتحوّل نحو الكهرباء.
وتواجه شركة "إس كيه إنوفيشن" (SK Innovation)، مورد بطاريات شاحنات "فورد" الكهربائية القادمة "إف-150" (F-150)، عقوبة حظر استيراد أمريكي لمدة 10 أعوام على بطارياتها ومكوناتها الكورية الصنع يوم الأحد المقبل. ولجأت الشركة لإشراك أشخاص ذوي علاقات جيدة بالإدارة الأمريكية، مثل رئيسة وكالة حماية البيئة السابقة كارول براونر والمدعي العام بالإنابة سالي ييتس، لإقناع الإدارة بتسوية الأمر.
تسلحت شركة "إل جي إنيرجي سوليوشن" (LG Energy Solution) أيضاً بأدوات للتأثير على فريق بايدن. وكانت لجنة التجارة الدولية الأمريكية قد أقرت فوز "إل جي" ضد منافستها نظير ما وصفته الوكالة بأنه جهد "استثنائي" لتدمير الأدلة في معركة الأسرار التجارية.
من هذا المنطلق، قررت "إل جي إنيرجي"، التي يقع مقرها في سيول، الحصول على مشورة إرنست مونيز، الذي شغل منصب وزير الطاقة في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، بشأن خططها الاستراتيجية، بينما يمارس الأشخاص المطلعون الآخرون ضغوطاً على الإدارة.
وقال مونيز في مقابلة أجريت معه إن "تطوير سلسلة توريد البطاريات سيعتمد على ما يحدث في هذه القضية".
اجتماعات مكثفة
ثمة اجتماعات تُعقد مع ما لا يقل عن 12 وكالة، بما في ذلك المسؤولين في منظمات العمل والنقل والطاقة. وركزت المحادثات، التي أجريت عبر الإنترنت بسبب الجائحة، على "تغير المناخ والمركبات الكهربائية، وفورد إف-150 والوظائف". وفقاً لما قالته كارول براونر، المسؤولة السابقة في وكالة حماية البيئة في عهد الرئيس بيل كلينتون، والتي شغلت أيضاً منصب مستشار المناخ في البيت الأبيض، عندما كان بايدن نائباً للرئيس.
وأمام بايدن مهلة حتى 11 أبريل للتدخل في الأمر، ومن النادر استخدام "الفيتو الرئاسي" تجاه قرار لجنة التجارة الدولية بحظر الاستيراد. وكانت المرة الأخيرة التي اُستخدم فيها الفيتو الرئاسي في عام 2013، عندما أبطلت إدارة أوباما حظر استيراد أمريكي على بعض الموديلات القديمة لأجهزة "آيفون" و "آيباد" التابعة لشركة "آبل"، في ضربة وجهت مباشرة لشركة "سامسونغ إلكترونيكس".
يعد الأمر معقداً بالنسبة لبايدن، خاصة أن تعزيز التحول نحو السيارات الكهربائية يعتبر أحد الركائز الأساسية في خطته للبنية التحتية، البالغ قيمتها 2.25 تريليون دولار، واللازمة لتعزيز الاقتصاد ومكافحة التغيرات المناخية. كما يعمل كل من صانعي البطاريات الكوريين الجنوبيين على تشييد مصانع في الولايات المتحدة من شأنها توظيف آلاف العمال الأمريكيين.
في الوقت نفسه، لا يمكن اعتبار بايدن متردداً بشأن حماية الملكية الفكرية، خاصة في ظل النزاع الأمريكي طويل الأمد مع الصين حول هذه القضية.
مراجعة رئاسية
على الرغم من أن كل حظر استيراد تفرضه لجنة التجارة الدولية يخضع لمراجعة رئاسية، لا تظهر -على الأغلب- خلافات ذات مغزى، بحسب ما قاله ديفيد كالاهان محامي "إل جي" القادم من مكتب المحاماة "لاثام آند واتكنز" في شيكاغو. وكان كالاهان ينسق الاجتماعات بين مسؤولي الوكالة وكبار المسؤولين التنفيذيين في "إل جي".
وقدمت "إل جي إنيرجي" دعوة ضد "إس كيه إنوفيشن" في أبريل 2019 بشأن مزاعم سرقة الأسرار التجارية عبر التعدي غير المشروع على عشرات الموظفين ذوي المعرفة العالية. ومنذ ذلك الحين، أنفقت الشركتان بشكل كبير للاستفادة من خدمات المؤثرين في واشنطن.
أنفقت "إس كيه إنوفيشن" ما قيمته 650 ألف دولار على جهود الضغط في عام 2020، بينما أنفقت "إل جي إنرجي" 531.6 ألف دولار، بحسب بيانات جمعها "مركز السياسة المستجيبة".
واجتمعت جماعات الضغط التابعة لـ"إل جي إنرجي"، و"إس كيه إنوفيشن"، و"فورد"، و"فولكس واجن" مع أكثر من 12 وكالة، بما فيها إدارات التجارة والعدالة والدفاع، ووكالة حماية البيئة والمجلس الوطني الاقتصادي ومجلس الأمن القومي. وتتمثل مهمة كاثرين تاي، الممثل التجاري للولايات المتحدة، والتي عُينت لاتخاذ القرار، في تقييم المعلومات وتحديد الحجج ذات التأثير الكبير.
حشد من أجل التأثير
عينت "إس كيه إنوفيشن" الكورية كلاً من رئيس لجنة التجارة الدولية السابق، شارا أرانوف، والسفير السابق لدى الأمم المتحدة في جنيف، دان شبيغل، لقيادة جهودها. وكلاهما يعمل الآن لصالح شركة المحاماة "كوفينغتون آند بيرلينغ" (Covington & Burling LLP).
وأشركت الشركة أيضاً مجموعة "تشارتويل استراتيجي" (Chartwell Strategy)، وهي شركة استشارية في واشنطن شارك في تأسيسها المساعد السابق بالكونغرس، أوزي بالومو، للضغط على الأطراف المعنية. وقال شبيغل عن الإدارة الجديدة: "الموضوع يأتي في صميم ما كانوا يعملون عليه".
أما شركة "إل جي إنرجي" فقد عينت مستشارين من "بيك ماديغان جونز"، بما في ذلك جوناثون جونز، وهو كبير الموظفين السابق للسيناتور عن ولاية ديلاوير، توم كاربر، بجانب جاي هيمباك، المساعد الخاص السابق للرئيس السابق باراك أوباما، وفقاً لإفصاح لجماعات الضغط الفيدرالية. ولم تستجب الشركة لطلبات التعليق على الأمر.
وأدلى آخرون بتصريحات عامة للتأثير على القرار، رغم أنهم ليسوا أعضاء مسجلين في جماعات الضغط.
وقال مونيز، الذي يعمل مستشاراً لشركة "إل جي إنيرجي"، إن حظر الاستيراد سيجبر "إس كيه إنوفيشن" على اللجوء لتسوية سريعة. وقدم ييتس -الذي طُرد بسبب وقوفه في وجه الرئيس دونالد ترمب آنذاك، وعينه بايدن بعد ذلك في منصب النائب العام- رأياً قانونياً لصالح الشركة الكورية الجنوبية، قال خلاله، إن على بايدن رفض حظر الاستيراد والسماح للشركات بتحديد التعويض في محكمة المقاطعة.
أربعة أعوام فقط
بموجب أمر لجنة التجارة الدولية، ستتمكن "إس كيه إنوفيشن" من استيراد المكونات لمدة أربعة أعوام بدءاً من الآن لإنتاج البطاريات الأمريكية اللازمة لإطلاق سيارة فورد الكهربائية "إف-150" العام المقبل. كما ستتمكن أيضاً من استيراد المكونات اللازمة للخط الأمريكي لمصفوفة محرك كهربائي معياري تابعة لـ"فولكس واجن" لمدة عامين، وذلك لمنح صانعي السيارات الوقت للانتقال إلى الموردين المحليين الجدد.
ورفضت "فورد" التعليق على التقرير، لكن مسؤولي الشركة قالوا إن التأجيل لأربعة أعوام ليست فترة طويلة بما يكفي.
وقال جوناثان جينينغز، نائب رئيس الشركة لشؤون تسعير السلع الأساسية العالمية في شركة "فورد"، أمام اللجنة المالية بمجلس الشيوخ يوم 16 مارس الماضي، إن السيارة الكهربائية "إف-150" تعتبر "مشروعاً بالغ الأهمية بالنسبة لنا". وإذا لم يتم حل النزاع، فسيتعين على "فورد" النظر في فكرة استيراد بطاريات من الموردين الأجانب لشاحناتها الكهربائية، بدلاً من تصنيعها من قبل "إس كيه إنوفيشن" في مصنعين يتم إنشاؤهما في كوميرك بولاية جورجيا الأمريكية، حسبما أضاف جينينغز.
وظائف على المحك
جذبت القضية أيضاً مشرّعي الولاية، بسبب عدد الوظائف الأمريكية المعرضة للخطر. إذ تتوقع "بلومبرغ نيو إنيرجي فاينانس" أن تخلق مصانع "إس كيه إنوفيشن" في جورجيا -التي يتوقع بدء إنتاجها التجاري في أوائل عام 2022- ما يصل إلى 2600 فرصة عمل. كما أن "إل جي إنيرجي" لديها بالفعل مصنعاً للبطاريات في ميشيغان وآخر تخطط لبنائه في أوهايو.
وفي بيان منفصل، قال السيناتور رافائيل وارنوك، وهو ديمقراطي من جورجيا أجرى مناقشات مع الشركات: "آمل أن تتوصل هذه الكيانات إلى حل، وأنا أعمل على التأكد من أن الجورجيين سيستفيدون من الوظائف التي وُعدوا بها".
وحذرت "إس كيه إنوفيشن" من إمكانية انسحابها من الولايات المتحدة، إذا لم تستخدم الحكومة حق الفيتو على حظر الاستيراد. وتمتلك الشركة الكورية-الأمريكية بالفعل مصانع في المجر وبولندا، وتتوقع بناء المزيد مع زيادة الطلب على المركبات الكهربائية.
وقالت "إل جي إنيرجي"، في خطاب أرسلته إلى السيناتور وارنوك في 10 مارس، إن تهديدات "إس كيه إنوفيشن" تفتقر إلى المصداقية، لأن فكرة إنفاق الشركة مليارات الدولارات لبناء المصانع ثم الانسحاب فجأة أمراً غير مرجح.
اللجوء للمحاكم
حاولت الحكومة الكورية الجنوبية عقد اجتماع بين الشركات، لكن لم يحالفها الحظ في ذلك. وصرحت لجنة التدقيق الخاصة بـ"إس كيه إنوفيشن"، في 11 مارس، أنها لن تقبل أي اقتراح من "إل جي إنيرجي" من شأنه تهديد وجود أو تقويض القدرة التنافسية لأعمالها الخاصة بالبطاريات، بينما قالت "إل جي إنيرجي" إن منافستها غير صادقة في المحادثات.
تعتقد "إس كيه إنوفيشن" أن إعلان "إل جي إنيرجي" عن خططها لاستثمار 4.5 مليار دولار في الولايات المتحدة بحلول عام 2025 مجرد جزء من جهود الضغط التي تبذلها لمنع بايدن من استخدام حق الفيتو على قرار لجنة التجارة الدولية. وتدعي الشركة أنها لا تريد وضع أي من عملاء منافسيها في وضع سيء بسبب هذا القرار، لذا فإنها تخطط لتقديم الدعم.
وإذا لم تتخذ إدارة بايدن أي إجراء، وتم تفعيل حظر الاستيراد، فإن الخطوة التالية لـ"إس كيه إنوفيشن" ستكون اللجوء للمحاكم. وطلبت الشركة بالفعل من لجنة التجارة الدولية تأجيل تنفيذ قرار الحظر لتتمكن من الطعن في القرار الأساسي.
ونادراً ما يتم قبول هذه الطلبات، لكنها أمر ضروري قبل أن تتمكن "إس كيه إنوفيشن" من اللجوء إلى محكمة الاستئناف الأمريكية للدائرة الفيدرالية، التي أصدرت إيقافاً مؤقتاً للحفاظ على الوضع الراهن أثناء فترة نظرها في القضية.