على الرغم من ضخامة تقرير العمل السنوي للحكومة الصينية، إلا أنَّه عبارة عن ملخص للتطوُّرات الاقتصادية والاجتماعية الأخيرة في البلاد، بالإضافة إلى قائمة بالطموحات المستقبلية. ويعدُّ التقرير مادة قراءة جديرة بالاهتمام، ويقدِّم بعض الأفكار الرئيسية حول تفكير بكين، وبالتالي، تلميحات حول ما يجب على المستثمرين مراقبته في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ورد ذكر عبارة "مركبة الطاقة الجديدة" بشكل مستمر في التقرير منذ عام 2014، بالتزامن مع تفويض الحكومة لتعزيز مبيعات السيارات الكهربائية. وقد لعب هذا دوراً كبيراً في وضع الصين كأكبر سوق في العالم للسيارات الكهربائية، وجذب أموال ضخمة من "تسلا"، التي أنشأت مصنعاً في شنغهاي، إلى جانب شركات أخرى.
لكن في هذا العام استُبدلت هذه الكلمات بمزيد من الكلمات الرنانة حالياً، مثل محطات شحن السيارات الكهربائية، ومرافق تبديل البطاريات، وإعادة تدوير البطاريات.
يخبرنا هذا التغير في التركيز الكثير، بعد أن وضعت الحكومة حوافز لتعزيز التبني الشامل للسيارات الكهربائية، فقد قدَّمت أكثر من 52 مليار يوان (8 مليار دولار) من الإعانات، على سبيل المثال، كما تركِّز الصين الآن على ضمان وجود البنية التحتية اللازمة لدعم القطاع على المدى الطويل. وسيتسبَّب هذا التغيير، مع مرور الوقت، في إيجاد الكثير من الفرص الكامنة في مجالات قد لا تكون واضحة على الفور.
عقبات رئيسية
لنأخذ شحن السيارات الكهربائية على سبيل المثال، تمَّ ذكر عدم كفاية مرافق الشحن كواحدة من العقبات الرئيسية التي تعيق تطوير السيارات الكهربائية في الصين، وبرغم أنَّ وضعها أكثر تقدُّماً مما هو عليه حال الولايات المتحدة، كما أشار محلل بلومبرغ "إن إف إي"، وكاتب مقالات متخصص في "السيارات الهجينة" كولين ماكيراشر مؤخراً.
وقامت الصين بتركيب 112 ألف نقطة شحن عامة للمركبات الكهربائية في شهر ديسمبر وحده، وهذا العدد أكبر من نقاط شبكة الشحن العامة الأمريكية بالكامل، مما يعني أنَّ هناك مجالاً للتحسين.
عندما تقود سيارتك في أنحاء بكين هذه الأيام، فإنَّك لا تزال بحاجة إلى الصبر والحظ للعثور على نقطة شحن متاحة للسيارة الكهربائية، ومن حين لآخر، ستحتاج إلى الكثير من كليهما. في المتوسط، هناك عمود شحن واحد لكلِّ ثلاث سيارات كهربائية في الصين، أي ما مجموعه حوالي 1.7 مليون، بما في ذلك المنزلية والعامة.
ولكن من المتوقَّع أن يرتفع عدد السيارات الكهربائية بحوالي 29 ضعفاً إلى أكثر من 160 مليون سيارة بحلول عام 2035، مما سيحدث فجوة كبيرة في الشحن إلى جانب كونها فرصة كبيرة بالنسبة لمزوِّدي أعمدة الشحن مثل شركة "كوينغداو تيغوج إليكتريك"، التي تشغِّل أكبر شبكة في الصين من مقابس شحن السيارات الكهربائية، و"ستار تشارج" التي لم يتم إدراجها في البورصة حتى الآن، لكنَّها تخطِّط لذلك في المستقبل القريب. و قد يمهِّد هذا الطلب الكامن الطريق لتوسُّع أسرع، وأكثر سلاسة، بالإضافة إلى توفير مسار أسرع للربحية.
إعادة تدوير البطاريات
على المنوال نفسه، ومع اقتراب بطاريات الأساطيل الأولى للسيارات الكهربائية التي ظهرت على طرقات الصين في عام 2008 من التقاعد، فإنَّ إعادة تدوير بطاريات الليثيوم أيون، أصبح موضوعاً يتمُّ إبرازه لأوَّل مرة هذا العام في تقرير العمل، وتمَّ تصنيفه كمهمة عاجلة يجب معالجتها، ليس فقط لأسباب بيئية، ولكن أيضاً لاستثمار الكفاءات في تعدين المعادن المستخدمة في صناعة البطاريات. ويمكن أن يأتي حوالي 39 ألف طن من عنصر الكوبالت، و 125 ألف طن من النيكل من البطاريات المستهلكة بحلول عام 2030، مما سيساعد على تعويض أيِّ نقص في المعروض من المناجم، وفقاً لبلومبرغ إن إي إف.
وأما بالنسبة لعنصر الكوبالت، فيمكن أن يلبي هذا حوالي 10% من الطلب المتوقَّع، في حين قالت بلومبرج ف إن إي إف أيضاً، إنَّ المركبات الكهربائية المستعملة في الصين تفقد قيمتها بشكل أسرع من مركبات محرِّكات الاحتراق الداخلي المماثلة، مما يبرز الحاجة إلى مرافق إعادة تدوير البطاريات.
وبدأت الشركات في الاستجابة. وأعلنت شركة صناعة البطاريات الصينية المعاصرة "أمبيريكس تكنولوجيز"، وهي مورِّد لشركة "نسلا"، الشهر الماضي عن منشأة جديدة بقيمة 12 مليار يوان في غوانغدونغ، سيتمُّ تخصيص جزء منها لإعادة تدوير البطاريات. و في العام الذي تعرَّضت فيه شركات صناعة السيارات لضربة على مستوى العالم بسبب فيروس كورونا، ارتفعت أسهم شركة "كاتل" المدرَجة في شينزين" بنسبة 230%.
تعهدات محفزة
ويعدُّ تعهد بكين ببناء المزيد من محطات تبديل البطاريات وسيلة أخرى قد يرغب المستثمرون الذين يستعدون للعمل في سوق السيارات الكهربائية المزدهرة في الصين، في مشاهدتها. ويمكن أن يكون تبديل الخلية الفارغة بخلية مشحونة سريعاً مثل ضخ خزان البنزين، كما أنَّه يبشِّر بنموذج أعمال جديد للتعامل مع السيارة، مثل الهيكل الخارجي، والأجهزة الغبية بها، إذ يمكن شراء وترقية البرنامج الذكي، والبطارية من خلال الاشتراك. ووصفت الرابطة الصينية لمصنِّعي السيارات، المدعومة من الحكومة، هذا النهج بأنَّه "بنك بطاريات"، وقالت، إنَّه أمر يعملون على استكشافه.
و تعدُّ محطات تمويل البطاريات، وتأجيرها، ومبادلة البطاريات من الأعمال التي بدأت شركات عدَّة على العمل بها. و تأمل ويليام لي، كبير المديرين التنفيذيين لشركة "نيو" الصينية لصناعة السيارات الكهربائية مؤخَّراً، أنَّ اهتمام المساهمين بوحدة إدارة أصول البطاريات في الشركة آخذ في الازدياد. وفي مؤتمر صحفي لـ"نيو" في نوفمبر، لم تكن مقاعد الصف الأمامي مخصَّصة لوسائل الإعلام، بل شغلها المستثمرون.