عند التنقل في شوارع الرياض المزدحمة تستوقفك ندرة السيارات الكهربائية. هذه الملاحظة انعكاس لوضع القطاع في السعودية على مستويين: الأول المركبات، حيث لم تستورد المملكة العام الماضي سوى 779 سيارة كهربائية، وفقاً للهيئة العامة للإحصاء. والثاني محطات الشحن السريعة، التي لا يتجاوز عددها الـ20 حالياً، منها 8 في العاصمة الرياض.
تمثل قلّة محطات الشحن عائقاً أساسياً أمام إقبال المواطنين والمقيمين على اقتناء مركبات كهربائية. لكن الجهات المعنية تتطلع لتحويل هذا التحدي إلى فرصة استثمارية للشركات، في قطاعٍ واعد يبلغ حجمه عالمياً 7.3 مليار دولار، ويُتوقع أن يرتفع إلى 12.1 مليار دولار في 2030، استناداً لتقرير شركة "ماركيتس آند ماركيتس".
"البيضة أولاً أم الدجاجة"؟
إنها كمعضلة "البيضة أولاً أم الدجاجة"، هكذا يصف الرئيس التنفيذي لشركة "إيفيك" محمد القزاز علاقة السيارات الكهربائية ومحطات الشحن.
وأوضح بمقابلة مع "الشرق" أنه عندما بدأت حكومة المملكة وضع الخطط المتعلقة بقطاع المركبات الكهربائية، وجدت أن مستويات تشييد البنى التحتية الملائمة عالمياً، غالباً ما تكون متأخرة عن مستويات تبني السيارات الكهربائية، نظراً لارتفاع كلفتها الرأسمالية. ويتجلى هذا الأمر بأن عدد المحطات المتوفرة للمستخدمين على نطاق واسع، وخاصة محطات الشحن السريع، تقل بكثير عن تلبية احتياجات المركبات الكهربائية التي تسير على الطرق في معظم البلدان.
في محاولةٍ لمواجهة هذه الإشكالية، أطلقت السعودية في نوفمبر الماضي "إيفيك"، كشراكة بين صندوق الاستثمارات العامة والشركة السعودية للكهرباء، بهدف دعم التحول نحو السيارات الكهربائية في المملكة من خلال توفير بنية تحتية، وإنشاء شبكة وطنية من نقاط الشحن السريع.
وتستهدف "إيفيك" الوصول إلى 5 آلاف شاحن للسيارات الكهربائية بحلول 2030، موزعة على أكثر من 1000 محطة في المملكة، بحسب القزاز.
لكن هذا الرقم يقل بكثير عن عدد نقاط الشحن المطلوبة بحلول نهاية العقد الحالي، وفقاً لمدير التنقل الكهربائي في شركة "بي دبليو سي الشرق الأوسط" (PWC) هايكو سيتز، معتبراً في حديث لـ"الشرق" أن توفر محطات الشحن يُعد من أبرز التحديات التي تواجه انتشار السيارات الكهربائية في السعودية.
ويكشف عن دراسة أجرتها شركته مؤخراً حول قطاع السيارات الكهربائية في السعودية والإمارات، بيّنت أن المملكة ستحتاج لما لا يقل عن 60 ألف نقطة شحن بحلول 2030.
تحويل التحدي إلى فرصة
هذه الحاجة لآلاف محطات الشحن، وضرورة الإسراع في تطويرها، ستشكل "فرصة استثمارية" للشركات في سوق ضخمة كسوق المملكة؛ "وهو ما بدأنا نشهد بوادره عبر لاعبين كبار على غرار شركتي إيفيك وإلكترومين"، كما أفاد سيتز.
في أكتوبر 2021، أعلنت السعودية أن 30% على الأقل من السيارات في العاصمة الرياض ستكون كهربائية بحلول عام 2030. كما تخطط الممكلة لإنتاج 500 ألف سيارة كهربائية بحلول هذا التاريخ، من خلال مصانع "لوسيد"، و"سير" التي أُطلقت في نوفمبر 2022.
لتحفيز زيادة نقاط شحن المركبات الكهربائية بشكلٍ أسرع، يتوقع سيتز أن تلجأ الحكومة السعودية إلى "فرض إدخال البنية التحتية الخاصة بهذه النقاط على المشاريع العقارية الجديدة قيد التنفيذ أو التخطيط من قِبل المطورين".
أما قزاز، فلم يتحدث عن "فرض"، لكنه لفت إلى هذا الجانب بكونه أحد أبرز النقاط الجاري مناقشتها لتعزيز انتشار السيارات الكهربائية في سوق المملكة. مشيراً إلى أن "إيفيك" تعمل على عقد شراكات مع المطورين العقاريين، والهيئات الحكومية، والبلديات، إضافةً إلى شركتيّ "لوسيد" و"سير"، من دون أن يحدد طبيعة هذه الشراكات.
كانت صحيفة "الاقتصادية" السعودية نقلت عن مصادر مطلعة أن هناك توجهاً في المملكة لإلزام محطات الوقود، خاصة التي تقع على الطرق السريعة، بتأمين مرافق وأجهزة لشحن السيارات الكهربائية.
عوامل أخرى
إضافة إلى نقاط الشحن، فإن انتشار السيارات الكهربائية يخضع لعاملين آخرين مهمين، وفق سيتز. الأول يتمثل بكلفة امتلاك سيارة كهربائية مقارنة بالسيارات العاملة بمحركات الاحتراق الداخلي. ويحتسب هذا المؤشر ضمناً كلفة السيارة، إضافة إلى سعر الطاقة، والتأمين، وسهولة الحصول على تمويل.
وأشار سيتز إلى أن هذه الكلفة في أوروبا مثلاً تميل لصالح السيارات الكهربائية بنسبة 15%، دون احتساب وسائل الدعم التي تقدمها الحكومات بمختلف سلاسل إمداد واستخدام المركبات الكهربائية.
ورغم انخفاض أسعار الطاقة، إلا أن أسعار السيارات الكهربائية في الشرق الأوسط لا تزال "مضخمة بشكل مصطنع"، على حدّ قوله.
يظهر اختلاف السعر من خلال موقع "تسلا" الإلكتروني، فسعر السيارة من طراز "موديل 3" المزودة بنظام الدفع رباعي، وبمدى يصل إلى 528 كيلومتراً، يبلغ نحو 220 ألف درهم في الإمارات (59.89 ألف دولار)، أما في الولايات المتحدة، فيبلغ سعر السيارة نفسها 42.5 ألف دولار. مع الإشارة إلى أن موقع "تسلا" في الشرق الأوسط يشمل فقط أسواق الإمارات وقطر وإسرائيل.
أما العامل الثاني، فمحدودية الخيارات التي تعيق انتشار المركبات الكهربائية. حيث يوضح سيتز أن 15% من طرازات السيارات الموجودة في أوروبا كهربائية، في حين أن النسبة بالشرق الأوسط تصل إلى 5%، ما يعني وجود خيارات ومنافسة أقل في أسواق المنطقة.
آفاق واعدة
رغم التحديات، فإن مشهد السيارات الكهربائية في السعودية يبدو واعداً، إذ أشارت الدراسة التي أعدتها "بي دبليو سي" إلى أن مبيعات السيارات الكهربائية حالياً في سوق المملكة لا تتعدى 1.5% من إجمالي مبيعات السيارات، لكنها توقعت أن تصل إلى 65% عام 2035.
ويلعب دوراً في تسريع انتشار السيارات الكهربائية في السعودية عاملٌ خارجي يتمثل بالسيارات الصينية، حيث تبحث الشركات المصنّعة عن أسواقٍ لتعزيز مبيعاتها خاصةً بالشرق الأوسط، وسط الحرب التجارية الدائرة بهذا القطاع بين بكين من جهة وواشنطن ودول اليورو وكندا على الجبهة المقابلة.
سيتز توقع أن تكون هناك زيادة في توافر نماذج السيارات الكهربائية الأرخص ثمناً بأسواق المنطقة، ومن ضمنها السعودية، خلال الأشهر المقبلة، لا سيما المركبات القادمة من الصين التي تمتاز بتنوع طرازاتها وتنافسية أسعارها.
هذا الاهتمام من قِبل الشركات المصنّعة بسوق السعودية، سيسهم في خفض الأسعار وتعزيز المنافسة، بما يدفع لتبنّي السيارات الكهربائية وتحفيز انتشارها، على أن تكون البنية التحتية بما في ذلك محطات شحن البطاريات السريعة مواكبة لهذا التسارع.
يرى آندي بالمر، الرئيس التنفيذي لشركة “بالمر أوتوموتيف” (Palmer Automotive)، أن أحد الأسباب الرئيسية لإحجام الشركات عن الاستثمار بمحطات شحن السيارات الكهربائية يعود إلى "هوامش الربحية المنخفضة". مضيفاً أن “أن الشواحن تتنوع بين سريعة وبطيئة، وعلى السلطات المعنية إدراك أن كليهما مهم”.
وأكد بمقابلة مع "الشرق" أن توافر الشواحن يشكل عاملاً أساسياً لدعم مبيعات السيارات الكهربائية، إلى جانب تنوع الطرازات المتاحة في السوق.