على مدى السنوات القليلة الماضية، ظلّت صناعة طاقة الرياح العالمية في حالة ركود. مع ارتفاع أسعار الفائدة وتكاليف المواد الذي أدى إلى تقليص هوامش ربح المطورين، وتراجع حماس النخب السياسية والاقتصادية تجاه التحول في مجال الطاقة، شهدت عمليات تركيب التوربينات الجديدة جموداً.
حتى مع تسارع قطاعي السيارات الكهربائية والطاقة الشمسية، واجهت طاقة الرياح اضطرابات. عانى القطاع من الخسائر المالية الفادحة وإلغاء المشاريع وفشل المزادات.
يبدو أن هذه الحقبة على وشك الانتهاء، ولكن علينا ألا نعلق آمالاً كبيرة. فإذا كانت طاقة الرياح تشهد تعافياً، يعود الفضل في ذلك إلى الدولة التي تعتبر حالياً شبحاً يطارد قطاعي السيارات الكهربائية والطاقة الشمسية: الصين.
بدايةً إلى الأخبار السارة، إذ أفاد المجلس العالمي لطاقة الرياح، وهو هيئة تجارية، في تقرير صدر الأسبوع الماضي، بأنه تم تركيب رقم قياسي قدره 117 غيغاواط من توربينات الرياح الجديدة حول العالم العام الماضي.
الدور الصيني
تمثل هذه القفزة نمواً مذهلاً بنسبة 50% مقارنة بالعام السابق، وتضع العالم أخيراً فوق الرقم القياسي السابق البالغ 95 عيغاواط الذي تم تحقيقه في عام 2020. ووجد المجلس العالمي لطاقة الرياح أن طاقة الرياح ولّدت ما يقرب من 2.5 تيراواط في الساعة من الكهرباء في عام 2023، وهو ما يكفي لتوفير ما يقرب من 90% من طاقة التوصيل بالشبكة في الاتحاد الأوروبي. ومن المرجح أن تتجاوز الطاقة النووية لتصبح أكبر مصدر للطاقة النظيفة في العالم (بعد الطاقة الكهرومائية) في وقت ما خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة.
الأخبار السيئة تأتي عند استبعاد الصين من المعادلة. فعند استثناء هذا البلد، يبدو المشهد كأننا توقفنا عن التقدم منذ ثلاث سنوات. لم تتجاوز المنشآت خارج الصين العام الماضي 41 غيغاواط - بزيادة قدرها 0.088 غيغاواط فقط مقارنة بعام 2020. وهذا يعادل زيادة نصف دزينة فقط من التوربينات البحرية الكبيرة، في حين يجب أن يضيف هذا القطاع الآلاف منها كل عام.
الآن، تكمن المشكلة الأكبر بالنسبة للتكنولوجيا النظيفة في أن قلقاً عالمياً يسود بشأن ما يعتبره البعض فائضاً صناعياً صينياً. إن وتيرة بناء المصانع المحمومة تعني أنه سيتم تجهيزنا قريباً بخطوط إنتاج كافية لتصنيع جميع الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم أيون التي نحتاجها.
مخاوف غربية
كان النمو متهوراً للغاية لدرجة أن وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، والمستشار الألماني أولاف شولتس زارا بكين خلال الأسبوعين الماضيين، واشتكيا من أن طموح الصين يدفع الأسعار إلى الانخفاض، ولا يترك مساحة كبيرة للدول الأخرى لبناء قطاعات تكنولوجيا نظيفة خاصة بها.
إن هذه النزعة إلى الحماية خاطئة على الصعيد الاقتصادي، ولن تؤدي إلا إلى إبطاء تحول الطاقة. وتوضح حالة طاقة الرياح خارج الصين السبب وراء ذلك.
شروط عقود التوريد تهدد طموحات تايوان في طاقة الرياح
إن الحجم الكبير لشفرات التوربينات والنسبة العالية من الهندسة المخصصة التي تدخل في إنتاج أبراج وقواعد عملاقة من الخرسانة والصلب، تجعل تجارة طاقة الرياح عبر الحدود أصعب بكثير. على عكس صناعة الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية التي يمكن للأفراد والشركات غير العاملة في مجال الطاقة شراؤها عندما تبدو تكلفتها جذابة، تختلف صناعة طاقة الرياح أيضاً لأنها تعتمد على سلوك شركات المرافق الكبيرة المتصارعة مع تعقيدات اللوائح التي تعاني منها البنية التحتية في الدول المتقدمة.
الصورة ليست جميلة.
أزمة سلاسل التوريد
إجمالي المنشآت الجديدة لطاقة الرياح التي تم تركيبها العام الماضي والبالغة 117 غيغاواط، هي بالكاد أكثر من ثلث الـ320 غيغاواط التي تقدر وكالة الطاقة الدولية أننا سنحتاج إلى تركيبها كل عام بحلول عام 2030.
توقع المجلس العالمي لطاقة الرياح حالياً أن يصل إجمالي أسطول التوربينات إلى 2 تيراواط بحلول عام 2030، أي فقط ثلثي الـ3 تيراواط المطلوبة لتحقيق الحياد الصفري.
كتب المجلس العالمي لطاقة الرياح: "من أوروبا إلى الأميركتين، كان هناك نقص مزمن في الاستثمار في قدرة سلسلة التوريد المستقبلية". أضاف أن "الجهات الفاعلة في صناعة طاقة الرياح مترددة في التوسع" بسبب الشكوك حول مستويات الطلب المستقبلية. ويرجع سبب عدم اليقين هذا إلى تباطؤ الدعم السياسي من جانب الحكومات، فضلاً عن التأخير في تقديم التصاريح، وربط الشبكات، والأراضي.
في الولايات المتحدة، تواجه سلاسل التوريد المحلية بالفعل اختناقات لأغلب المكونات المعقدة لمزارع الرياح، باستثناء صفائح الفولاذ الأساسية والنحاس والخرسانة، وفقاً للتقرير. وفي أوروبا، ستبدأ نفس النواقص بالانتشار هذا العام والعام المقبل. فقط في الصين، تكفي سلسلة التوريد لمواصلة نمو طاقة الرياح دون عقبات.
أهمية الدعم الحكومي
هذا يدحض جنون الشك والارتياب بشأن طموحات الصين في مجال التكنولوجيا النظيفة، والذي شهدناه في الأسابيع الأخيرة. فإذا كانت قدرة التصدير الصينية الفائضة هي التي تمنع الولايات المتحدة وأوروبا من الاستثمار بالقدر الكافي في التكنولوجيا النظيفة، فمن المتوقع أن نرى الدول الغنية تتخذ نهجاً أكثر عدوانية في القطاع الوحيد المحمي بشكل طبيعي من الواردات. وبدلاً من ذلك، فإن صناعة طاقة الرياح المحمية بالتجارة هي التي تتخلف كثيراً عن حيث يجب أن تكون. وبقدر ما توجد أسباب للأمل حول تحول الطاقة في الوقت الحالي، فإن هذا يرجع إلى حد كبير إلى توفر المنتجات الصينية الرخيصة والنظيفة التي تبدو الحكومات الأميركية والأوروبية حريصة على استبعادها.
إذا أردنا أن نشهد الثورة الصناعية الرابعة اللازمة لإعادة هيكلة أنظمة الطاقة العالمية، يتعين علينا إنفاق الأموال عليها. يتطلب هذا استراتيجية شاملة، ترحب بالدعم الحكومي سواء في الصين أو الولايات المتحدة أو أوروبا، بدلاً من إطلاق معركة تجارية مدمرة. إذا كانت أدوات منع الاحتباس الحراري تُبنى على نطاق يتطلبه العمل، فهذه ليست قدرة إنتاجية فائضة، بل هي مجرد المستوى الأساسي للقدرة التي يحتاجها العالم.