أرقام نفايات البلاستيك مقلقة، وهي تزداد سوءاً. فقد أعلنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن 91% من إجمالي البلاستيك المستعمل ينتهي به المطاف في الطبيعة والمحيطات والمكبات والمحارق دون أن يعاد تدويره، وقدر ذلك بـ320 مليون طنّ. وستزداد هذه الكمية بواقع 30 مليار طنّ بحلول عام 2060، فيما يُتوقع إعادة تدوير 5 مليارات طنّ فقط.
يحتاج العالم إلى خطة لمعالجة مشكلة البلاستيك. وكانت الأمم المتحدة تعهدت بطرح معاهدة ملزمة تتعلق بالبلاستيك في نهاية 2024، حيث يلتقي هذا الشهر ممثلو أكثر من 175 دولة في أوتاوا لعقد الجولة الرابعة وما قبل الأخيرة من المفاوضات حول اتفاقية البلاستيك.
أهم ما يتعين على الاتفاقية أن تنجزه هو تأمين طاقة إعادة تدوير عالمية تكفي لضمان إعادة تدوير كامل كمية البلاستيك المستعمل وإنشاء اقتصاد دائري. وهذه مهمة صناعية هائلة، فتجارة إعادة تدوير البلاستيك هشة اقتصادياً في أفضل أحوالها، حتى أنها معطوبة في كثير من جوانبها.
اقرأ أيضاً: ترقب عالمي لمسودة معاهدة الأمم المتحدة بشأن التخلص من البلاستيك
تأثير أسعار النفط
يكمن في صلب هذا التحدّي مهمة بيع البلاستيك "الخام" الذي تنتجه مصانع إعادة التدوير. فحالياً، يمكن لشراة البلاستيك الخام الاختيار بين البلاستيك البكر أو ذلك المعاد تدويره، من أجل استخدامه في صناعة مواد التغليف. فإذا كان سعر البلاستيك المعاد تدويره أرخص من البلاستيك الجديد، فسيشترون المعاد تدويره، وإذا كان سعر البلاستيك الجديد أقل، فسيشترون الجديد. وللأسف، تولي كثير من الشركات أهمية لسعر البلاستيك الخام أكثر من تأثيره البيئي.
إلا أنه يتعذّر التنبؤ بتقلبات الأسعار نظراً لارتباط سعر البلاستيك البكر مباشرة بأسعار النفط بما أنه منتج نفطي. فإذا ما انخفض سعر النفط، ينخفض معه سعر البلاستيك الجديد. بالتالي، إذا كان انخفاض سعر النفط كبيراً، ستنهار سوق البلاستيك الخام المعاد تدويره. إذاً، إعادة تدوير البلاستيك على امتداد العالم تبقى رهينة بسعر البلاستيك الجديد.
على سبيل المثال، استُغني عن جزء لا يستهان به من طاقة أوروبا على إعادة التدوير في السنتين الماضيتين، نظراً للظروف التجارية غير المستدامة الناجمة عن انخفاض أسعار النفط. تخيّل أنك مستثمر أو رائد أعمال تسعى لاستثمار 10 ملايين دولار في منشأة باهظة التكلفة لإعادة تدوير البلاستيك. هل ستفعل ذلك وأنت على علم أن حدثاً عالمياً ليس له أي علاقة بشركتك قد يتسبب بانخفاض أسعار النفط، ويجعل بالتالي البلاستيك الجديد أرخص من البلاستيك المعاد تدويره الذي تنتجه؟
الجواب واضح، وهذا يشرح لماذا لا تتوفر عالمياً إلا 9% من سعة إعادة التدوير اللازمة.
اقرأ أيضاً: إنفوغراف.. من أين يأتي معظم إنتاج البلاستيك في العالم؟
تأمين رأس المال الاستثماري
اقتُرحت عدّة حلول لهذه المشكلة، فقد طالبت بعض الدول الشركات بدفع ضريبة عن كمية البلاستيك الجديد الذي تستخدمه، فيما تفرض دول أخرى استخدام كمية محددة من البلاستيك المعاد تدويره في صناعة مواد التغليف.
إلا أن "ضريبة البلاستيك الجديد" وفرض استخدام "حدّ أدنى من البلاستيك المعاد تدويره" يواجهان مشكلة أساسية كبرى، إذ يعتمد هذان الحلّان على السوق من أجل إنشاء صناعة إعادة تدوير البلاستيك. ولا يساعد أي من النهجين على تأمين تمويل مباشر للاحتياجات الرأسمالية الضخمة لقطاع إعادة التدوير. فمن أين سيأتي المال من أجل تغطية تكلفة البنية التحتية الباهظة اللازمة؟
تكمن المشكلة إذاً في كيفية جلب رأس المال الاستثماري مباشرة إلى القطاع من أجل الاستثمار بثقة في المعدات والموظفين والتدريب الضروري لبناء قطاع إعادة تدوير البلاستيك على صعيد دولي واسع.
لم تثمر المحادثات حول معاهدة البلاستيك إلا عن عدد محدود من الأفكار في هذا الخصوص. فعدا عن صندوق دولي لإطفاء القروض مموّل من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لن يلقى على الأرجح قبول كثير من دافعي الضرائب، فإن مسودة الاتفاقية لم تشر إلى أمر آخر.
عملت جمعية "بلاستيك كولاكتيف" (Plastic Collective) بالتعاون مع البنك الدولي و"سيتي بنك" طوال سنوات على إنشاء آلية تمويل قابلة للتوسع تعالج مباشرة مسألة الرأسمال اللازم لتمويل عمليات إعادة تدوير البلاستيك في الدول التي تعاني أسوأ أزمات البلاستيك، وتقلّ فيها الخيارات التمويلية.
أفضى ذلك إلى طرح سندات خفض نفايات البلاستيك، وهي سندات عوائدها تضمن استعادة الاستثمار الأولي، صدر أولها في يناير بقيمة 100 مليون دولار، وقد وُظّف 14 مليون دولار في مشروعين لإعادة تدوير البلاستيك في غانا وإندونيسيا، حيث سيستخدم المشروعان الأموال من أجل الاستثمار في التقنيات الجديدة والمعدات والمنشآت والموظفين لزيادة طاقتهما على جمع البلاستيك وإعادة تدويره بنسبة 500% خلال السنوات الثلاث المقبلة، ومعالجة 250 ألف طنّ إضافي من نفايات البلاستيك خلال السنوات العشر المقبلة.
اقرأ أيضاً: بريطانيا تبني أول مصنع لتدوير البلاستيك باستخدام البخار
سند خفض نفايات البلاستيك
أحدثت هذه الوسيلة تحوّلاً بما أن المشاريع التي تتلقى الأموال، تعيد تسديدها باستخدام أرصدة البلاستيك، إذ يمثّل كلّ رصيد بلاستيك طنّاً من البلاستيك الذي يُزال من الطبيعة وطناً من البلاستيك الذي لا يلقى في المكبات.
تستند الآلية التمويلية هذه إلى إطار تنظيمي يُعرف بـ"معيار خفض نفايات البلاستيك" الذي يعمل كهيئة مستقلة لمراقبة التأثير البيئي لهذه المشاريع وقياسه والتحقق منه.
من التبعات الأساسية لآلية التمويل هذه أنها تجعل التأثير البيئي المتوقع لمشروع ما خلال العقد المقبل رهن استثمار قائم اليوم. ويمكن استخدام ذلك من أجل تمويل توسع كبير في رأس المال؛ سواء على صعيد السعة أو البنية التحتية، ودعم المتطلبات النقدية التشغيلية والاستثمار في مصادر رزق الأشخاص الذين يجمعون البلاستيك.
يمكن أن يساعد ذلك على تغيير طريقة تمويل إعادة تدوير البلاستيك، بالأخص في الدول الناشئة التي تعاني من أسوأ أزمات البلاستيك، وذلك من خلال تقدير قيمة التأثير البيئي والاجتماعي التي تولّدها هذه المشاريع. ويمكن أن تساعد أيضاً على تمويل مشاريع إعادة التدوير التي ما كانت لتُموّل لولا ذلك. وفيما يجتمع ممثلو الدول في أوتاوا هذا الشهر، آمل أن يتبنوا سند خفض نفايات البلاستيك كأداة حيوية لدعم تحقيق أهداف الاتفاقية المتعلقة بالبلاستيك.