حطمت جميع المؤشرات الرئيسية لتغير المناخ أرقاماً قياسية غير مسبوقة العام الماضي، ليسجل بعضها ارتفاعاً حاداً لدرجة أن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة (WMO) حذّرت من أنها "خرجت عن المخططات".
انقلبت حياة الملايين رأساً على عقب مع تفاقم الكوارث الطبيعية الناتجة عن تغير المناخ، حيث تكافح الدول في مناطق مختلفة من العالم للتعامل مع خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات، وفقاً للتقرير السنوي عن حالة المناخ العالمي لعام 2023 الذي تصدره المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بيان: "التغيّرات المناخية تتسارع"، مضيفاً أن التحذيرات تنطلق من جميع المؤشرات الرئيسية، فبعض الأرقام القياسية لا تتصدر المخططات فحسب، بل إنها تتخطاها".
مستويات غير مسبوقة
خلال العام الماضي الأكثر دفئاً على الإطلاق، مع ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية بمقدار 1.45 درجة مئوية عما كان عليه في عصور ما قبل الثورة الصناعية، انخفضت كميات الجليد في القطب الجنوبي إلى أدنى مستوى مسجل على الإطلاق، في حين فقدت الأنهار الجليدية كمية غير مسبوقة من الجليد. وضربت موجات الحر البحرية القياسية 90% من المحيطات، فيما اشتدت حوادث الفيضانات والجفاف وحرائق الغابات على الأرض.
"كوب 28".. الأمم المتحدة تعلن 2023 العام الأشد حراً على الإطلاق
ونتيجة لتلك الكوارث، تفاقمت الأزمات التي تواجهها البشرية، حيث تضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في جميع أنحاء العالم في السنوات الأخيرة، ليقفز من 149 مليون شخص قبل جائحة فيروس كورونا إلى 333 مليوناً في العام الماضي. كما استمرت الأحداث المناخية القاسية في دفع السكان إلى النزوح خلال 2023.
تقول شيليستي ساولو، الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: "تغير المناخ لا يتعلق بدرجات الحرارة فحسب، بل إن أزمة المناخ هي التحدي الأبرز الذي تواجهه البشرية، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بأزمة عدم المساواة".
بصيص من الأمل
ومع ذلك، أشار تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أن هناك بصيصاً من الأمل. حيث ارتفعت قدرة الطاقة المتجددة، مدفوعة بشكل أساسي بطاقات الشمس والرياح والمياه، بنحو 50% في 2023 مقارنة بالعام السابق.
وفي قمة "كوب 28" التي استضافتها دبي العام الماضي، التزمت الدول بمضاعفة قدرة الطاقة المتجددة على كوكب الأرض بمقدار ثلاثة أضعاف لتصل إلى 11 ألف غيغاواط على الأقل بحلول عام 2030، فضلا عن مضاعفة معدل كفاءة استخدام الطاقة بحلول نهاية هذا العقد. كما اتفق زعماء العالم أيضاً على التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري، وهو ما يُنظر إليه على أنه خطوة ضرورية نحو الوصول إلى صافي انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول عام 2050.
هدف بعيد المنال
رغم ذلك، فتقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أشار إلى أن هذا الهدف لا يزال بعيد المنال. تُظهر البيانات الحالية من مواقع محددة أن تركيزات الغازات الدفيئة الرئيسية استمرت في الزيادة في العام الماضي، بعد أن كانت قد وصلت إلى مستوى قياسي جديد في عام 2022. كما أن مستويات ثاني أكسيد الكربون أعلى بنسبة 50% مما كانت عليه في عصر ما قبل الثورة الصناعية، إضافة إلى ذلك فالغاز طويل الأمد الموجود في الغلاف الجوي يعني أن درجات الحرارة ستستمر في الارتفاع لسنوات قادمة.
صعود قياسي لانبعاثات الكربون رغم انتشار الطاقة المتجددة
ومن جانب آخر، فإن موجات الحرارة البحرية مثيرة للقلق على نحو خاص، إذ تخزن المحيطات أكثر من 90% من الحرارة الزائدة التي تحتجزها الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي. ونتيجة لذلك، لم ترتفع درجة حرارة الأرض بالسرعة التي كان من الممكن أن تكون عليها. لكن العلماء يشعرون بالقلق من أن سعة المحيطات، التي تشبه الإسفنجة، ربما وصلت إلى نقطة التشبع، حيث حطم المتوسط العالمي لدرجات حرارة البحر الأرقام القياسية بفارق كبير لعدة أشهر خلال العام الماضي.
وتوقع تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن يستمر هذا المستوى من درجات الحرارة الشديدة، ما يؤدي إلى تغيير قد يستمر لمدد تمتد من مئات إلى آلاف السنين. كما أن زيادة تحمض المحيطات الناتج عن ارتفاع كمية ثاني أكسيد الكربون في المياه ، من الممكن أن يكون مميتاً للشعاب المرجانية والحياة البحرية الأخرى.