%56 تراجعاً في إصدار القروض المرتبطة بالاستدامة إلى 203 مليارات دولار العام الماضي

سندات "الاستدامة" تفقد بريقها بسبب القيود ونقص الحوافز

توربينات رياح على حافة تلة في مزرعة رياح "فولش" التابعة لشركة "إنيرجياز رينوفابلز ميديتيرانياس" في فيلافرانكا ديل سيد، إسبانيا - المصدر: بلومبرغ
توربينات رياح على حافة تلة في مزرعة رياح "فولش" التابعة لشركة "إنيرجياز رينوفابلز ميديتيرانياس" في فيلافرانكا ديل سيد، إسبانيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

شهدت ثاني أكبر سوق للسندات المرتبطة بمعايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في العالم بدء انسحاب العملاء من الشركات.

تسببت عوامل عديدة، مثل المتطلبات التنظيمية الإضافية ونقص الحوافز المالية ومخاطر الاتهام بالغسل الأخضر، في نفور العملاء الذين كانوا متحمسين لإضافة تصنيف بيئي أو اجتماعي أو مؤسسي لتمويلهم قبل بضعة أعوام فقط، وفقاً لمصرفيين ومحامين قريبين من السوق.

تُعرف المنتجات المعنية بـ"القروض المرتبطة بالاستدامة"، وهي سوق قدرت "بلومبرغ إن إي إف" قيمتها بنحو 1.5 تريليون دولار، مما يجعلها في المرتبة الثانية من حيث الحجم بعد السوق العالمية للسندات الخضراء.

كان المقترضون والممولون، غير المقيدين باللوائح التنظيمية بشكل كبير، يتمتعون بحرية نسبية في تحديد معاييرهم الخاصة للقروض المرتبطة بالاستدامة. لكن يبدو أن السوق تشهد تراجعاً أوسع نطاقاً مع بدء هيئات الرقابة المالية في وضع حدود للتصنيف البيئي والاجتماعي والحوكمة.

ما هو "الغسل الأخضر" وكيف يمكن اكتشافه؟

انخفض إصدار القروض المرتبطة بالاستدامة بنسبة 56% خلال العام الماضي ليصل إلى 203 مليارات دولار، حسب بيانات جمعتها "بلومبرغ". ورغم أن 2023 كان عاماً صعباً على مستوى أسواق الديون، فقد كان الانخفاض في القروض المرتبطة بالاستدامة يعادل تقريباً ضعف ما كانت عليه القروض الخضراء. علاوة على ذلك، ارتفع الطلب على القروض الخضراء مجدداً في 2024، فيما واصل إصدارها الانخفاض، ليسجل تراجعاً بنسبة 74% حتى الآن هذا العام، وفقاً لبيانات "بلومبرغ".

عام حاسم للمقترضين والمقرضين

تقول راشيل ريتشاردسون، رئيسة الشؤون البيئية والاجتماعية والحوكمة لدى شركة "ماكفارلانز" (Macfarlanes) للمحاماة ومقرها في لندن، إن هذا العام ربما يكون "نقطة حاسمة بعض الشيء لكل من المقترضين والمقرضين" في سوق القروض المرتبطة بالاستدامة.

أوضحت أنه "عندما يتعلق الأمر بإعادة تمويل القروض المرتبطة بالاستدامة الصادرة قبل ثلاثة أو أربعة أعوام، يجب أن يفكر المقترضون والمقرضون جيداً في وضع السوق آنذاك- عندما كانت في بداياتها- وأين أصبحت الآن"، ويتعلق السؤال بعد ذلك "بما إذا كان من المناسب لهم الحصول على قرض آخر مرتبطاً بالاستدامة".

ارتفاع مبيعات السندات الخضراء في الخليج قبيل انطلاق "كوب 28"

كان أحد العوامل الرئيسية وراء انخفاض إصدار قروض مرتبطة بالاستدامة هو إنفاذ قوانين الاتحاد الأوروبي التي تتطلب من الشركات توثيق مطالباتها البيئية والاجتماعية والحوكمة، وفقاً لأحد المصرفيين الذين قابلتهم "بلومبرغ" والذي طلب عدم الكشف عن اسمه نظراً لمناقشته مفاوضات خاصة.

يُجبر توجيه إعداد تقارير الاستدامة الآن الشركات العاملة في الكتلة الأوروبية على تقديم كميات هائلة من البيانات لدعم كل بيان استدامة يصدرونه تقريباً.

رغم أن توجيه إعداد تقارير استدامة الشركات لم يكن منصوصاً عليه لتنظيم القروض المرتبطة بالاستدامة، يشير العملاء من الشركات بشكل متزايد إلى هذا التوجيه كعامل مثبط للاستفادة من سوق القروض المرتبطة بالاستدامة، نظراً لتزايد مخاطر اتهامهم بالغسل الأخضر، وفقاً للمصرفي.

مخاطر الغسل الأخضر

تعد هذه أحدث علامة تُبرز وجود تحديات في الجزء الأقل شفافية في صناعة الصفقات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. في العام الماضي، أصدرت هيئة السلوك المالي تحذيراً صارماً يستهدف سوق القروض المرتبطة بالاستدامة، قائلة إنها معرضة لمخاطر "الاتهام بالغسل الأخضر".

هناك عامل آخر مثبط للجهات المصدرة للقروض هو اختفاء العلاوة الخضراء على القروض المرتبطة بالاستدامة، أي الفائدة الأقل التي كان يتمتع بها المقترضون وفقاً للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة سابقاً، وفقاً لمصرفيين قابلتهم "بلومبرغ". أوضح أحد المصرفيين أن الفائدة البالغة 10 نقاط أساس على القروض المرتبطة بالاستدامة التي كان يستطيع المقترض ادخارها في السابق تراجعت الآن بشكل كبير بسبب تكلفة التدقيق السنوي المطلوب للتأكد من تلبية الأهداف المرتبطة بتلك القروض.

رغم انتعاشها.. السندات المرتبطة بالاستدامة تواجه شكوكاً متزايدة

قالت ريتشاردسون إن "بعض الأشخاص سيشعرون أن القروض المرتبطة بالاستدامة لم تعد مناسبة"، ويرجع ذلك جزئياً إلى "أنهم لا يريدون تحمل التكاليف الإضافية لتقييمات الشركات الخارجية وتأكيداتها".

من الناحية العملية، يبدو أن العديد من العملاء، الذين ربطوا علامات الاستدامة بالتسهيلات الائتمانية المتجددة قبل بضعة أعوام، يجددون الآن تلك التسهيلات الائتمانية لكن في شكل قروض عادية، وفقاً لأحد المصرفيين الذين قابلتهم "بلومبرغ".

تحدث مصرفي آخر متخصص في القروض المرتبطة بالاستدامة عن اتجاه متزايد بين العملاء لعدم الامتثال لما يسمى "بند اللقاء". وأوضح أنه بموجب هذه البنود، فإن المقترضين الذين وافقوا على تحول القروض العادية إلى أخرى مرتبطة بالاستدامة، لا يواصلون تطبيق الاتفاقيات المتعلقة بتحول القروض بمجرد تحقق أهداف الاستدامة، ومدى انتشار هذه الممارسة في السوق غير معلوم لكنه كبير.

ما هي القروض المرتبطة بالاستدامة؟

القرض المرتبط بالاستدامة هو قرض غالباً ما يتخذ شكل تسهيل ائتماني متجدد، ويتطلب من المقترض الامتثال لمتطلبات الاستدامة الواردة فيما يُعرف بـ"مؤشرات الأداء الرئيسية". تتشابه تلك القروض في هيكلها مع السندات المرتبطة بالاستدامة، لكنها تأتي مع وثائق عامة أقل بكثير لأنها تكون في الغالب اتفاقيات ثنائية بين المقترضين والمصرفيين.

غالباً ما يروج المقترضون علناً لقدرتهم على اقتراض القروض المرتبطة بالاستدامة كدليل على أن مطالباتهم بالاستدامة مشروعة. وكانت البنوك تميل إلى إدراج مثل هذه المنتجات في أهدافها الشاملة للتمويل المستدام، رغم أن عدداً متزايداً من المقرضين توقفوا عن فعل ذلك، نظراً للمخاطر المتصورة المتمثلة في اتهامهم بالغسل الأخضر، وذلك حسب تقرير سابق لـ"بلومبرغ".

قواعد أوروبية جديدة بشأن الاستدامة والحوكمة البيئية تُربك مديري الأصول

منتجات غير خاضعة للتنظيم

لا تزال تلك المنتجات غير خاضعة للتنظيم، لكن جمعية أسواق القروض نشرت العام الماضي توجيهات طوعية محدثة تحث المقترضين والمصرفيين الملتزمين بالقروض المرتبطة بالاستدامة على استخدام مؤشرات الأداء الرئيسية "ذات الصلة والأساسية والمادية"، وضمان أن تلك المؤشرات "قابلة للقياس والتقدير الكمي" أيضاً. كما دعت إلى استخدام التحقق الخارجي. يذكر أن التوجيهات تنطبق فقط على صفقات القروض المرتبطة بالاستدامة المبرمة بعد 9 مارس 2023.

نشأت سوق القروض المرتبطة بالاستدامة قبل حوالي 7 أعوام، عندما كانت المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة تتحول إلى ملصق لا بد منه، مما أدى إلى ازدهارها في أسواق رؤوس الأموال. وفي ظل الافتقار للوائح محددة تتعلق بالجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة، كانت إضافة الملصق إلى المنتجات بمثابة مهمة منخفضة المخاطر.

بين عامي 2018 و2021، ارتفعت سوق القروض المرتبطة بالاستدامة بأكثر من 960% ليصل حجم الصفقات السنوية إلى 516 مليار دولار، وفقاً لبيانات قدمتها "بلومبرغ إن إي إف". كما سجلت السندات الخضراء، التي يجب أن تلتزم بما يسمى شروط استخدام العوائد، نمواً أكثر تواضعاً قدره 250% في نفس الفترة، لتتجاوز قيمة الصفقات السنوية الـ640 مليار دولار.

واقع جديد بعد الوباء

كان دخول قواعد أكثر شمولاً للاستثمار في الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات حيز التنفيذ في 2021 سبباً في تراجع بعض الحماس تجاه القروض المرتبطة بالاستدامة. ووجدت المنتجات المرتبطة بالاستدامة نفسها تواجه واقعاً جديداً تماماً بعد أن أدى الوباء إلى إطلاق دورة من التضخم وارتفاع أسعار الفائدة وزيادة الطلب على الطاقة الذي تفاقم بسبب حرب أوكرانيا.

أوضحت ريتشاردسون، من شركة "ماكفارلانز"، أن بعض صفقات القروض المرتبطة بالاستدامة التي تمت قبل أربعة أعوام هي في الواقع "ضعيفة للغاية من منظور الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات"، لذلك تعمل سوق القروض المرتبطة بالاستدامة الآن على "تقييم ما هو مقبول".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك