بينما احتفلت الوفود المشاركة في محادثات المناخ السنوية التي تنظمها الأمم المتحدة في دبي بالاتفاق التاريخي الشهر الماضي للابتعاد عن الوقود الأحفوري، كان عشرات الآلاف من العمال في قطر يسعون لتحقيق هدف مختلف يتمثل في جعل أكبر منشأة لتصدير الغاز الطبيعي في العالم أضخم.
في الوقت الذي يتوقع فيه البعض أن الطلب على النفط اقترب من ذروته، وأنه من المرجح أن يواجه الفحم انخفاضاً بطيئاً، لكنه مطرد، يراهن قطاع الطاقة بمئات المليارات من الدولارات على الاستثمار في ثالث وقود أحفوري رئيسي وهو الغاز الطبيعي، الذي سيحظى بمكانة كبيرة وسط خليط الطاقة العالمي حتى 2050 على أقل تقدير.
يتوقف هذا العمر الافتراضي على موجة تدفقات أخيرة من الاستثمار في محطات ضخمة لتسييل وتصدير الغاز الطبيعي المسال شديد البرودة للبلدان غير المستعدة أو القادرة حتى الآن على التحول لمصادر الطاقة المتجددة.
طفرة مشروعات الغاز المسال
تزخر 5 مواقع أميركية بأطقم عملها الخاصة التي تعمل على جلب هياكل صناعية عملاقة من ساحل الخليج الأميركي. يستهدف اثنان من المشروعات الأميركية بدء الإنتاج في أقرب وقت من السنة الجارية، ليطلق ما قد يصبح الموجة الأخيرة حول العالم من المشروعات العملاقة للوقود الأحفوري.
بحسب "بلومبرغ إن إي إف"، تشير أرقام الأماكن التي بدأ العمل فيها إلى أن أكثر من 200 مليون طن من السعة التصديرية الجديدة للغاز الطبيعي ستنطلق خلال السنوات الخمسة المقبلة تقريباً. إذا كانت المشروعات الإضافية في المرحلة المبكرة مستمرة، حيث ما زالت تنتظر القرارات النهائية لبدء تنفيذ الاستثمار، فإن أكثر من 300 مليون طن للسعة الإنتاجية الجديدة للغاز الطبيعي المسال الجديدة أيضاً ستتدفق للسوق مع حلول 2030، بحسب شركة "بيكر هيوز" (Baker Hughes). يمثل هذا ارتفاعاً حوالي 70% مقارنة بالوقت الحالي، ما يضيف سعة إنتاجية سنوية للغاز تكفي لإمداد نصف مليار منزل بالكهرباء وضمان استمرار أهمية الغاز الطبيعي - بجانب الانبعاثات - لعقود مقبلة.
وزير البترول لـ"الشرق": مصر تطرح مزايدات جديدة للتنقيب عن النفط والغاز في 2024
قالت آن صوفي كوربو، باحثة في وحدة البحوث العالمية بمركز سياسة الطاقة العالمية في كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا، إن هذا يطلق ثالث موجة كبيرة من الغاز الطبيعي المسال بحلول 2028، عند الانتهاء من بناء كافة الأشياء بصفة أساسية. يصل بنا الأمر إلى توافر كميات هائلة من الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة الأميركية وقطر.
خلاصة القول إن قطاع الغاز الطبيعي المسال العالمي، الذي احتاج 60 سنة لتطوير أول مئات الملايين من الأطنان من السعة التصديرية، يملك حالياً القدرة على فعل ذلك مرة ثانية خلال 6 أعوام.
تطورات قطاع الغاز
حتى ستينيات القرن الماضي، كانت الطريقة الوحيدة لنقل كميات كبيرة من الغاز تجري عبر خطوط الأنابيب. لذلك تحولت شركات التشغيل لعملية تتيح لهم تبريد الغاز الطبيعي إلى -256 درجة فهرنهايت (-160 درجة سلزيوس)، وتحويله إلى حالة سائلة يمكن شحنها في سفن متخصصة. تزيد عملية إسالة الغاز من كثافة الوقود، بحيث يشغل مساحة أقل بـ600 مرة.
كان قديماً يُنظر إليه بوصفه جزءاً خاملاً من قطاع الطاقة، وعززت مجموعة أحداث مفاجئة ومثيرة من وتيرة توسع الغاز الطبيعي المسال. كما أطلقت طفرة تكنولوجيا التكسير الهيدروليكي لاستخراج الوقود في الولايات المتحدة الأميركية، وتطوير بنية تحتية لواردات أرخص ثمناً، العنان لإيجاد وفرة من الغاز بأسعار أرخص. فيما دعم النمو في الصين وتخلي الأسواق المتقدمة عن الفحم وانكماش القطاع النووي الياباني -بعد كارثة فوكوشيما- الحاجة إلى مزيد من مشروعات التصدير، وذلك بوتيرة سريعة. برزت سوق تداول فورية نشيطة، مع انتشار منصات التداول من سنغافورة إلى لندن. وسرعان ما بات الغاز الطبيعي أسرع أنواع الوقود الأحفوري نمواً على مستوى العالم.
الهند تقترب من تجديد عقد كبير لاستيراد الغاز المسال من قطر
لكن غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا خلال فبراير 2022 أحدث نشاطاً هائلاً في السوق. وجف الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية الرخيصة، المسؤولة عن تلبية نحو ثلث الطلب الأوروبي، بين عشية وضحاها تقريباً. بدأ مسؤولو الاتحاد الأوروبي السفر إلى قطر والولايات المتحدة للوساطة في إبرام اتفاقات طويلة الأمد، ووقعت القطاعات المعتمدة على الغاز للمرة الأولى صفقات لاستيراد الغاز الطبيعي المسال مباشرة. قفزت واردات التكتل الموحد من الغاز المسال بنحو 60% خلال 2022.
استغلال سلاح الغاز
ذكر مؤرخ قطاع الطاقة ونائب رئيس شركة "ستاندرد آند بورز غلوبال" دانيال يرجين: "ظن بوتين أنه يمكنه استخدام سلاح الغاز لتفتيت التحالف المؤيد لأوكرانيا، وقد أخفق ذلك بطريقة كبيرة بفضل توافر الغاز المسال".
خصصت الشركات والمستثمرون والحكومات 235 مليار دولار تقريباً حول العالم لإمدادات الغاز الطبيعي المسال الجديدة منذ 2019، بجانب توقعات باستثمارات تتجاوز 55 مليار دولار بين عامي 2024 و2025، بحسب تقديرات شركة "ريستاد إنرجي" (Rystad Energy). ويشكل الرقمان معاً الناتج المحلي الإجمالي لفنلندا تقريباً.
بوتين: سيتم استئناف ضخ الغاز عبر خط "نورد ستريم".. بشروط
يوفر الغاز الطبيعي المسال حالياً 3% فقط من احتياجات الطاقة العالمية، حسب تقديرات أناتول فيجين، كبير المسؤولين التجاريين بشركة "شينير إنرجي" (Cheniere Energy) وهي شركة أميركية رائدة في مجال الغاز الطبيعي المسال. لكن العالم يتأثر بذلك بشدة عندما لا يتوافر منه ما يكفي تلبية الطلب. عندما لا تحصل بلدان على غرار باكستان أو بنغلاديش على الشحنات الخاصة بها، يمكن أن يتوقف إنتاج كل شيء بداية من قطاع الأسمدة وصولاً إلى قطاع المنسوجات. نظراً لأنه يمكن شحن ناقلات الغاز الطبيعي المسال إلى أي مدينة تضم محطة استيراد، فإن الانقطاعات أو التوسعات في أي موقع يمكن أن تؤثر على مقدار التوافر والأسعار في كل مكان.
الغاز.. وقود انتقالي
كثيراً ما وصف الغاز الطبيعي من قبل مؤيديه بأنه "وقود انتقالي"، أو وسيلة أقل كثافة في استخدام الكربون لتيسير عملية التحول عن النفط والفحم. يبدو أن هذا الجسر الانتقالي مستمر لفترات أطول للغاية.
رغم أن "بلومبرغ إن إي إف" تقول إن منشآت توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح حققت غالباً أرقاماً قياسية خلال 2023، إلا أن مصادر الطاقة المتجددة ما زالت لا تنتشر بالسرعة الكافية في أسواق عديدة ما يسمح لها بأن تحل محل الوقود الأحفوري. في ضربة لأهداف المناخ العالمية، بات من المقبول بطريقة متنامية لدى بعض الدوائر أن يصبح الغاز مطلوباً باعتباره شبكة أمان طويلة الأمد لدعم فترات الانقطاع في توسيع عمليات توليد الطاقة المتجددة.
من المقرر أن تستهلك الصين كميات كبيرة من إمدادات الغاز الطبيعي المسال الجديدة، لكن حتى الاتحاد الأوروبي وافق على شراء شحنات من الغاز الطبيعي المسال القطري لما بعد سنة 2050، رغم هدف التكتل الملزم بأن تصل نقطة الحياد المناخي مع حلول ذلك التوقيت.
رغم أن أوروبا تبني عمليات توليد قياسية من الطاقة المتجددة، وتعمل على تأسيس بنية تحتية للهيدروجين وجعل تصنيعه أنظف، إلا أن التحول لم يكن سلساً كلياً.
على الجانب الآخر، تضرر قطاع طاقة الرياح البحرية جراء صعود أسعار المواد الخام وزيادة تكاليف الاقتراض ومشكلات سلاسل التوريد الممتدة طويلاً. خلال 2022، دفع الاتحاد الأوروبي مبلغاً يتخطى 300 مليار دولار لواردات الغاز الطبيعي، مرتفعاً ثلاثة أضعاف عن متوسط الأعوام الخمسة السابقة، بحسب وكالة الطاقة الدولية.
الصين تستعيد صدارة الأعلى استيراداً للغاز المسال في العالم
أشار مارك هوسون، رئيس وحدة آسيا في شركة "ويلجنس أنرجي أنالاتيكس" (Welligence Energy Analytics) إلى أن "أوروبا تعرضت لهزة نوعاً ما جراء انعدام أمن الطاقة".
الأثر المناخي للغاز
بالمقارنة مع الفحم، كثيراً ما تم تقديم الغاز على أنه صديق للبيئة نسبياً. نوهت وكالة الطاقة الدولية خلال 2019 إلى أن استخدام الغاز بدلاً من الفحم في الأجل المتوسط يحد من الانبعاثات بنسبة 50% عند إنتاج الكهرباء و33% لغرض التدفئة.
كان المسؤولون التنفيذيون في قطاع النفط والغاز خلال قمة المناخ "كوب 28" الإمارات في دبي مصممين بصفة أساسية على الترويج للغاز الطبيعي المسال بوصفه حلاً مناسباً للمناخ، ويبدو أن ذلك بدأ يؤتي ثماره، حيث طرحت الاتفاقية فكرة أن الوقود الانتقالي الذي لم يذكر اسمه يمكن أن يلعب دوراً في تيسير عملية تحول الطاقة، والتي فهمها غالبيتهم بوصفها إشارة لدور الغاز الطبيعي.
اتفاق "كوب 28" يشير لدور الغاز في التحول إلى الطاقة النظيفة
تشير البيانات التجريبية من عمليات الرصد بالأقمار الاصطناعية والبحوث الجديدة إلى وجود تأثير مناخي أكبر بكثير من قطاع الغاز مقارنة بما روج له العديد من المسؤولين الحكوميين وداخل القطاع نفسه.
يُصنف المكون الأساسي للغاز الطبيعي -غاز الميثان- اعتباره واحداً من الغازات الدفيئة وهو فائق القوة عند إطلاقه دون احتراق، حيث يحبس حرارة تفوق 80 مرة ثاني أكسيد الكربون خلال العقدين الأولين بالغلاف الجوي. بحسب دراسة نشرتها الأكاديمية الوطنية للعلوم الأميركية، ومن المحتمل أن يتجاوز تسرب الانبعاثات من آبار الغاز علاوة على عمليات التكرير والتسويق عتبة 3.2% التي يصبح بعدها الغاز في الواقع أسوأ بالنسبة للمناخ من الفحم لبعض الوقت.
قدر العلماء الذين يستخدمون عمليات رصد الأقمار الاصطناعية بين عامي 2018 و2020 إنتاج النفط والغاز في رقعة صخرية هي الأكثر غزارة في الولايات المتحدة، في حوض بيرميان، بمتوسط كثافة لغاز الميثان تعادل 4.6%، وهو ما يعد أعلى كثيراً من هدف القطاع الذي يقل عن 0.2%.
يبلغ تأثير المناخ في الأجل القصير من سلاسل توريد الغاز الطبيعي المسال الحالية حول العالم، بما فيه الاحتراق النهائي للوقود، 1.5 مليار طن سنوياً تقريباً من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، بحسب نموذج وكالة الطاقة الدولية خلال 2022. ويظهر من استخدام نفس المقياس لـ300 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال الجديد المخطط إنتاجه أنه سيتم إضافة 1.2 مليار طن أخرى من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً. ويتجاوز هذا انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية لليابان، خامس أكبر بلد متسبب في التلوث عالمياً.
تحذيرات جماعات المناخ
أسفر هذا عن تنامي تحذيرات نشطاء حماية البيئة بشدة. وقد دعت مجموعة من المشرعين من الحزب الديمقراطي مؤخراً إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لفرض عمليات تدقيق أكثر على التأثير بعيد الأمد للمشروعات الأميركية في التغيرات المناخية. فيما يضغط بيل ماكيبين، الذي حشد الجهود الشعبية لعرقلة خط أنابيب النفط "كيستون إكس إل" (Keystone Xl)، على الجهات التنظيمية لقطاع الطاقة الأميركي لرفض إصدار أي تصريح للغاز الطبيعي المسال قيد الدراسة في الوقت الراهن، لا سيما بعد صدور تعهد قمة المناخ "كوب 28" الإمارات. وتوجد نداءات مشابهة لوقف مشروعات في موزمبيق وأستراليا.
"كوب 28" يخرج بإجماع دولي على التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري
قال ماكيبين: "من المستحيل مواصلة إصدار تصاريح لمثل هذه الأمور بضمير مرتاح. فلا يمكن لأحد التوقيع على ورقة تقول إن الوقت قد حان للتخلي عن الوقود الأحفوري ثم يسمح بمشروعات أميركية جديدة ستفاقم الانبعاثات العالمية". ويعتزم ماكيبين ونشطاء آخرون تنظيم مظاهرة مدتها 3 أيام خلال فبراير المقبل لحث وزارة الطاقة على وقف إصدار تراخيص لمحطات تصدير أميركية جديدة.
مع احتدام الضغوط المناخية، كان البيت الأبيض يعيد تقييم المعايير التي يستخدمها لإصدار الموافقة على محطات تصدير أميركية جديدة من حيث ملاءمتها. ومن الممكن أن تتعطل الخطط المستقبلية في حال توقفت البنوك عن الاستثمار في الغاز، كما توقف الكثير منهم خلال العقد الماضي عن تمويل مشروعات الفحم الجديدة. رغم ذلك، عاد قطاع التمويل حتى الآن للظهور في أعقاب الغزو الروسي بعدما ابتعد في وقت من الأوقات عن الوقود الأحفوري. لن تستبعد المواقع التي صدر لها فعلاً تصاريح وهي قيد الإنشاء حالياً. من أجل جمع التمويل، عادة ما تبرم شركات التطوير في الولايات المتحدة عقوداً مع العملاء الذين يوافقون على شراء الغاز لمدة تبلغ 10 سنوات أو يزيد. كما أن بعض العقود مع قطر تستمر لأكثر من ربع قرن.
جدوى مشروعات الغاز
مثل كافة أسواق السلع الأساسية، فإن منتجي الغاز الطبيعي المسال في حالة انعدام توازن، حيث إن توفير سعة ضخمة تنمو سريعاً سيسفر عن مخاطر وجود تخمة من المعروض، في حين أن الزيادة ببطء شديد ستجعل العالم يلجأ لأنواع بديلة من الوقود على غرار الفحم. إذا كانت توقعات شركات التشغيل خاطئة وهبط الطلب على الغاز بمجرد انتهاء فترة سريان العقود طويلة الأمد المبرمة في بداية المشاريع، فإنهم يخاطرون بأن يصبحوا مالكي أغلى الأصول غير المستخدمة بطريقة كبيرة حول العالم.
وزير الطاقة لـ"الشرق": إنتاج الجزائر من الغاز يرتفع 4 مليارات متر مكعب في 2023
حذر معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي -وهو مؤسسة فكرية اقتصادية تقدمية تمولها منظمات المناخ- في فبراير الماضي من أن هناك تخمة وشيكة في المعروض، مشيراً إلى أن مشروعات تسييل الغاز المستهدف دخولها الخدمة بعد 2026 ربما تدخل وسط نطاق طلب أقل كثيراً مقارنة بتوقعات السوق الصعودية.
من جانبه، توقع بنك "مورغان ستانلي" أن الزيادات في المعروض ستبدأ في تجاوز الطلب في أقرب وقت خلال السنة المقبلة. بينما قدرت شركة "وود ماكينزي" أن الطلب على الغاز الطبيعي المسال لن يصل مستوى ذروته حتى 2045.
قال أوغان كوس، مدير عام شركة "أكسنتشر" (Accenture) وهو متخصص بمجال الغاز: "هذه أول مرة خلال الـ25 عاماً الماضية التي تواجه فيها جميع الأطراف، حتى الكبار منها، صعوبة في توقع ما سيجري خلال الأعوام القليلة المقبلة، ناهيك عن الـ20 سنة المقبلة".
آسيا تضخ 350 مليار دولار في مشروعات للغاز الطبيعي
منذ بداية 2022، وقعت شركات صينية عقوداً طويلة الأجل أكثر من أي بلد آخر، بحسب بيانات "بلومبرغ إن إي إف". كما لم تتخلف أوروبا عن الركب، إذ يستثمر بعض كبار المستوردين، بمن فيهم "شل" و"إيني"، في توسيع إنتاج قطر من الغاز والموافقة على شراء الوقود من المشروع حتى 2052 على الأقل. اشترت عشرات البلدان -من بولندا حتى اليابان- الغاز الطبيعي المسال بعقود طويلة الأجل، بما يؤمّن لها إمدادات الوقود -مع الأثر البيئي المتربط بها- في المدى البعيد.
توسعات كبيرة في محطات الغاز
في صبيحة يوم اثنين معتدل أوائل ديسمبر الماضي، تجول 1700 عامل بناء تقريباً في محيط موقع عمل شمال محطة "كوربوس كريستي" التابعة لشركة "تشينير" على ساحل ولاية تكساس. مئات المركبات الثقيلة -بداية من الرافعات والحفارات إلى شاحنات التفريغ وخلاطات الأسمنت- تحركت ذهاباً وإياباً عبر قطعة الأرض الضخمة التي تطل على خليج ساحلي محمي، بحيث تتفادى 200 مرحاض متنقل جرى شحنها لخدمة طاقم العمل. يرجح ازدياد القوى العاملة بمجال البناء بما يفوق الضعف السنة المقبلة، حيث تحاول الشركة إدخال أول سعتها الإنتاجية الموسعة السوق.
بنك تنمية بريطاني يدرس الاستثمار بمشروعات الغاز الأفريقية
سيضيف المشروع، المعروف بـ"مرحلة 3"، نحو 7 "قطارات" متوسطة الحجم، وهو مصطلح سائد بالقطاع لقياس وحدات عملاقة تحول الغاز الطبيعي إلى سائل، سوف تنضم إلى الثلاثة قطارات العاملة فعلياً هناك. يتضمن التوسع أيضاً خط أنابيب طوله 40 ميلاً سيرتبط بمركز مدينة أغوا دولسي جنوب ولاية تكساس، ما سيوفر مساراً مستقيماً لنقل الغاز الصخري من حوض برميان إلى محطة المعالجة. تقدر القيمة الإجمالية بما يتراوح من 7 إلى 8 مليارات دولار تقريباً.
توجد أيضاً 4 مشروعات أخرى بقيمة مليار دولار إما قيد التوسع أو جديدة عبر كافة مناطق ولايتي تكساس ولويزيانا يجري العمل عليها، حيث مشروعات بلاكيماينز" و"ريو غراند" و"بورت أرثر" بالإضافة إلى "غولدن باس"، المملوك جزئياً لقطر. سينضمون جميعهم بـ80 مليون طن تقريباً من السعة السنوية، ما يدعم مكانة الولايات المتحدة بوصفها أكبر مُصدر عالمياً. أشارت "وود ماكنزي" إلى أنه بعد تصاعد الموجة الحالية من المشروعات، ستشكل أميركا الشمالية وقطر نحو 60% من إمدادات الغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم.
مشروعات "قطر للطاقة"
بالرجوع لشاطئ الخليج العربي، تنفق شركة قطر للطاقة المملوكة للدولة ومستثمروها 45 مليار دولار تقريباً على زيادة الإنتاج. تشمل العملية الشاسعة في مدينة رأس لفان الصناعية على لسان أرض بارزة وسط المياه الصافية بالفعل قطارات متعددة للغاز الطبيعي المسال ومصفاة لتكرير الغاز لتتحول إلى سوائل ومحطات معالجة وقود وأرصفة لتحميل الناقلات. يزدحم مشروع حقل الشمال الشرقي، وهو الجزء الأكبر من عملية التوسع، بـ30 ألف عامل ينحدرون من 50 دولة. يمكن أن تتصاعد أعداد العمالة السنة الحالية لتفوق 45 ألفاً، وفق تقديرات شركة "شيودا" اليابانية التي تبني المحطة. ولم ترد قطر للطاقة على طلبات للتعليق على الموضوع.
لا يعد تطوير مشروع من هذه النوعية في ظل درجة حرارة قاسية في قطر، والتي قد تبلغ أعلى مستوياتها الموسمية عند 122 درجة فهرنهايت (50 درجة سلزيوس)، بالأمر الهين، ما يتطلب أداء جزء كبير من العمل ليلاً خلال فصل الصيف. عندما تشرق الشمس، يتناوب العمال باستمرار بين العمل والراحة، لتفادي التعرض للإجهاد والجفاف. ذكر مستشار للمشروع من "شيودا" أن الأعلام السوداء ترفع فوق الموقع لوقف العمل عندما يصبح الجو حاراً بشدة.
قال كين ناغاو، كبير المسؤولين التنفيذيين لتطوير الأعمال العالمية في "شيودا": "لم نعمل في مشروع مثل هذا من قبل، وربما لن يكون هناك مشروع آخر من هذا النوع مرة ثانية".