التعليم والتدريب يجب أن يحظيا باهتمام أكبر خلال المفاوضات الرامية لإرساء سياسات مناخية

من سيشغل الوظائف التي يتطلبها التحول الأخضر؟

التحول إلى الاقتصاد الأخضر سيخلق فرص عمل  تتطلب مهارات جديدة - المصدر: بلومبرغ
التحول إلى الاقتصاد الأخضر سيخلق فرص عمل تتطلب مهارات جديدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

مذهلة هي إمكانات البشر، إذ تكون انجازاتهم مصدر إلهام حقيقي حين تتوافر مهارات وأموال وافية، مثل بناء أنفاق قطارات تحت البحار وإنشاء مزارع بحرية ضخمة لاستجرار طاقة الرياح. لكن يجب ألا ننسى أن علينا تحقيق الكثير من الأشياء المذهلة خلال فترة زمنية قصيرة جداً إذا أردنا أن ننجح بالتصدي لتغير المناخ وإعداد كوكبنا لمستقبل أفضل.

عندما نتحدث عن عملية التحول الشامل إلى الاقتصاد الأخضر، عادةً ما نغفل عن قطعة من الأحجية، والمتمثلة في العنصر البشري. صحيح أن تمويل مصادر الطاقة المتجددة له أهمية حيوية في هذا السياق، لكن بلا تدريب، من سيستطيع أن يُنجح التحول برمته؟

سيتمخض التحول عن الوقود الأحفوري، على النحو المتفق عليه خلال القمة المناخية الأخيرة تحت إشراف الأمم المتحدة "كوب 28"، عن خلق فرص للتنمية الاقتصادية وتوفير فرص عمل جديدة. مع ذلك، يجب ألا ننسى أن الناس بحاجة إلى اكتساب المهارات المناسبة، بدءاً من مبادئ الرياضيات ووصولاً إلى المعرفة التقنية التخصصية، قبل تولي الوظائف الناشئة عن التحول الأخضر.

غير أن الوضع على هذا الصعيد سيئ، إذ يفتقر قرابة 69% من الناس الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً على مستوى العالم إلى مهارات مستوى التعليم الثانوي. وبالتالي، سيكون صعباً على هؤلاء، إن لم يكن مستحيلاً، أن يضطلعوا بأي دور في عملية التحول دون إلمام بالمهارات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب. من هنا، يعد التعليم الأساسي أيضاً أحد أفضل الطرق لإكسابهم القوة المطلوبة.

مشكلة عالمية

تزداد حدة الأمر في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، حيث يغلب أن يكون الشباب والنساء فيها غير مؤهلين أو بلا عمل أو يشغلون وظائف غير مستقرة. لكن هذه المشكلة تعمّ جميع البلدان. فقد خلص تقرير لمنصة "لينكد إن" (LinkedIn) حول المهارات اللازمة لشغل وظائف تتعلق بالتحول الأخضر عالمياً، إلى أنه على الرغم من ارتفاع نسبة الإعلان عن تلك الوظائف بواقع 15% على أساس سنوي، فإنه لا توجد عمالة مؤهلة بما يكفي لإشغالها.

نجاح قمة "كوب 28" يتجاوز الأقوال إلى الأفعال

إنها مسألة عدالة، إذ أنه مع تغير المهارات، تظهر مخاطر تخلف المزيد من الأشخاص عن الركب وحرمانهم من الفرص الاقتصادية. لكن ذلك سيؤثر أيضاً على عملية التحول نفسها. فقد أشارت ليزبيت ستير، رئيسة منظمة "مركز تطوير التعليم" العالمية غير الربحية ومديرتها التنفيذية، إلى أن ندرة العمالة ستؤدي إلى ارتفاع التكلفة.

لذلك، لن تتباطأ وتيرة التحول في غياب وفرة العمالة المدربة تدريباً جيداً فحسب، بل ستتعاظم تكلفة العملية برمتها. ويرجح تراجع ردة الفعل العنيفة ضد سياسات المناخ إن فهم الناس ما يعنيه التحول الأخضر من ناحية زيادة فرص العمل، وإن استطاعوا الوصول إلى تلك الفرص.

لنأخذ على سبيل المثال المزارعين الهولنديين، الذين تظاهروا لأشهر احتجاجاً على إصلاحات زراعية قد تلزمهم بإغلاق مزارعهم أو تقليص حجمها. كان المزارعون قد شكلوا حزباً سياسياً في 2019 لمقاومة مثل هذه السياسات الهادفة إلى الحد من تلوث النيتروجين والأمونيا.

من الطبيعي أن يشعر هؤلاء المزارعون بالاستياء في ظل غياب إعادة تأهيل لتزويدهم بالمهارات اللازمة للحد من التأثير البيئي لمزارعهم أو مساعدتهم على تغيير مهنهم. سيتحول ما حدث في هولندا إلى نمط متكرر إذا لم نتناول التعليم والتدريب باعتبارهما عنصرين أساسيين في عملية التحول إلى الاقتصاد الأخضر.

نشر الوعي

سيكون مفيداً أن يتلقى الناس معلومات مبدئية بشأن تغير المناخ، لكن يبدو أن قصوراً شاب تلك الجهود أيضاً. يُظهِر تحليل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، لمناهج التعليم في مئة دولة أن 53% فقط منها تشير إلى قضية تغير المناخ، كما أن أولويتها تأتي متدنية عندما تُذكر.

أخبرتني آنا باغويل، قائدة لجنة الشباب الطلابية المعنية بالدفاع عن قضايا المناخ تحت إشراف معهد فيبس الموسيقي في بيتسبرغ، أن معظم الطلاب الذين يجتازون البرنامج أفادوا بأنهم يحصلون على معلوماتهم حول تغير المناخ من مصادر عبر الإنترنت.

كانت ولاية كونيتيكت قد فرضت على المدارس العامة مناهج عن تغير المناخ في إطار مناهجها العلمية في يوليو، وهي واحدة من الولايات الأميركية القليلة التي اتخذت قرارات مشابهة.

قالت ستير إن المنظمات المعنية بقضايا وسياسات تغير المناخ لا تزال تنظر إلى التعليم والتدريب باعتبارهما مسؤولية ملقاة على عاتق من سواها، بدلاً من أن تراها جزءاً لا يتجزأ من الحل. وعلى الرغم من أن ثلثي خطط العمل المناخية التي وضعها الموقعون على اتفاق باريس لعام 2015 تعترف بأهمية تنمية المهارات، فإن 40% منها فقط تضمن خطةً تنفيذيةً؛ بل إن عدداً أقل أتى على ذكر التعليم في معرض التصدي للتغير المناخي.

يعكس التقييم العالمي، وهو الاتفاق التاريخي الذي توصلت إليه الدول المشاركة في قمة "كوب 28"، التركيز المتزايد على تنمية القدرات البشرية. لكن كما تقول ستير : "الشيطان يكمن في التفاصيل"، حيث ترد تنمية المهارات بإيجاز فقط دون إشارة إلى تدريب أو تعليم.

لقد فشل مسار المفاوضات التي تغطي التعليم والتدريب، تحت عنوان "العمل من أجل التمكين المناخي"، في التوصل إلى اتفاق خلال القمة. لذا، ستستأنف المحادثات في بون بألمانيا خلال الصيف المقبل.


اهتمام ضئيل

في غضون ذلك، نشر تحالف قادة المناخ من الرؤساء التنفيذيين رسالة مفتوحة قبيل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف المعنية بتغير المناخ "كوب 28". ودعت الرسالة التي وقعها 108 من قادة الشركات العالمية، ومنها "دويتشه بنك" و"سوني"، إلى إجراء تغييرات تنظيمية وضخ استثمارات جديدة؛ لكنها لم تذكر شيئاً عن تنمية المهارات أو التعليم. يبدو ذلك غريباً نظراً لأن نقص العمالة يُشار إليه باعتباره أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الشركات في قطاعات مثل البناء والتصنيع والتقنية.

التحول الأخضر يتطلب المزيد من الغاز لعقود طويلة

يجب أن تحتل إعادة صقل مهارات قوى العمل بأسرها وتحسينها أهمية أكبر مع دخولنا العام الجديد. كما يتعين على القادة السياسيين وقادة الأعمال أن يعملوا معاً لتوفير فرص إعادة التدريب للبالغين من شاغلي الوظائف التي تضررت أو ستتضرر جراء تطبيق السياسات المناخية، وكذلك للتحقق من مشاركة المعلومات حول الفرص الجديدة عبر المجتمعات بشكل مناسب.

على سبيل المثال، حددت أبحاث "مركز تطوير التعليم" أكثر من 270 مهنة مختلفة عبر القطاعات الخضراء والزرقاء الأسرع نمواً في البلدان النامية مثل الطاقة المتجددة والإنشاءات الخضراء وإدارة النفايات والسياحة والضيافة والزراعة والحراجة المستدامتين. مع ذلك، وجد الباحثون أن قلة من القائمين على التدريب والحكومات المحلية والباحثين عن عمل كانوا على دراية بهذه الفرص عندما تحدثوا إليهم.

يجب ألا ننسى أكثر أفراد المجتمع تهميشاً وهم من أصغرهم عمراً، حيث يقدر التقرير العالمي لمراقبة التعليم أن متوسط الفجوة التمويلية لتعميم التعليم قبل الابتدائي والابتدائي والثانوي سيبلغ 97 مليار دولار سنوياً بين عامي 2023 و2030 في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل بحلول بداية العقد المقبل، وهي مشكلة ينبغي التصدي لها.

في غالب الظن، بدأ الناس بالعمل على القدرات البشرية حين شيدوا الأهرام أو ناطحة سحاب "إمباير ستيت" أو أي من المعالم الأخرى التي تتجلى عبرها قدرات البشر.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة