يعتبر الميثان ثاني أكبر مساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري بعد ثاني أكسيد الكربون. حيث تمثل الأساليب الجديدة للحد من انبعاثات الميثان -بما في ذلك استخدام الأقمار الصناعية عالية الدقة لاكتشاف تسرب الغاز غير المرئي- واحدة من أكبر الفرص لتجنب تغير المناخ الكارثي.
تُسارع الحكومات لاتخاذ الإجراءات اللازمة لاحتواء الغاز، حيث وقعت أكثر من 150 دولة تعهداً بخفض انبعاثات الميثان العالمية بشكل جماعي بنسبة 30% عن مستويات عام 2020 بحلول عام 2030. كما تعزز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وتركمانستان جهودها الملحوظة الرامية إلى خفض انبعاثات الغاز.
1- ما هو غاز الميثان؟
يُعرف الميثان بأنه غاز غير مرئي وعديم الرائحة، مثل ثاني أكسيد الكربون، يحبس الطاقة الشمسية أثناء إشعاعها مرة أخرى نحو الفضاء من سطح الأرض. على عكس ثاني أكسيد الكربون، الذي يمكن أن يساهم في احتباس الحرارة لعدة قرون أو أكثر، يُلاحظ تأثير الميثان، واسمه الكيميائي CH4، بشكل أساسي في أول 20 عاماً بعد إطلاقه. خلال هذه الفترة يمكن أن تتجاوز فعاليته تأثير ثاني أكسيد الكربون بـ80 مرة.
2- ما مدى أهمية خفض انبعاثات الميثان؟
قد يكون الحد من انبعاثات الميثان بمثابة تغيير ثوري في القضايا المتعلقة بالمناخ على المدى القريب، حتى لو كان "حل هذه الأزمة مكلفاً". سيكون للتخفيضات السريعة في انبعاثات الميثان من الوقود الأحفوري تأثير أكبر على كمية الانبعاثات من وقف سير جميع السيارات والشاحنات في العالم على الفور، ويمكن أن تتجنب ارتفاع درجات الحرارة العالمية بما يصل إلى 0.1 درجة مئوية بحلول عام 2050، وفقاً لتقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة وتحالف المناخ والهواء النقي.
وجدت الدراسة أيضاً أن خفض انبعاثات غازات الدفيئة من الوقود الأحفوري من شأنه أن يقلل من تلوث طبقة الأوزون، ويضمن بذلك الأمن الغذائي والفوائد الاقتصادية الأخرى.
3. من أين تأتي انبعاثات الميثان؟
يأتي حوالي 60% من إجمالي انبعاثات الميثان العالمية سنوياً من النشاط البشري، حيث يُعزى حوالي 35% منها إلى صناعة الوقود الأحفوري. يعتبر الميثان هو المكون الأساسي للغاز الطبيعي، ويمكن أن يحدث تسرب في أي مكان على طول سلاسل توريد الغاز الطبيعي، بدءاً من فوهة البئر وصولاً إلى المنازل والشركات حيث يتم حرق الوقود. لكن يمكن أيضاً إطلاق الغاز أثناء إنتاج النفط والفحم.
تعتبر مدافن النفايات وتجشؤ الأبقار وحقول الأرز والسماد أيضاً مصادر رئيسية للانبعاثات، ويتحمل البشر المسؤولية عنها. (الأبقار ليست من صنع الإنسان، لكن اتساع قطعانها كذلك).
كما يتسرب الميثان الذي يحدث بشكل طبيعي من الشقوق في سطح الأرض والبراكين الطينية والأراضي الرطبة. هناك أيضاً قلق متزايد من أن تطلق درجات الحرارة المرتفعة غاز الميثان العالق في الطبقات الجليدية في القطب الشمالي إثر ذوبانها مع ارتفاع درجات الحرارة.
4. لماذا نركز على الوقود الأحفوري؟
تعتبر التسريبات من البنية التحتية للطاقة هي أسهل وأرخص مصادر الميثان التي يمكن تحديدها وإصلاحها. هناك أيضاً حافز اقتصادي لذلك، إذ يمكن للمنتجين في كثير من الأحيان تعويض تكلفة الإصلاحات عن طريق بيع الغاز الإضافي الذي يلتقطونه. ويمكن تجنب حوالي 40% من انبعاثات الميثان من النفط والغاز دون أي تكلفة صافية، بناءً على أسعار الغاز الطبيعي القياسية التي شوهدت من 2017 إلى 2021، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
يأمل المسؤولون أيضاً في خفض تنفيس (إطلاق) الغاز الطبيعي الذي غالباً ما يحدث عندما لا تكون هناك قدرة متاحة لخط الأنابيب أو عندما تكون الشركات المنتجة مهتمة فقط باستخراج النفط من البئر. ويُحرق بعض هذا الغاز لتحويل الميثان إلى ثاني أكسيد الكربون الأقل ضرراً، لكن مع ذلك يدعو بعض نشطاء البيئة والمستثمرين إلى فرض قيود على إحراق الغاز لأن الميثان لا يحترق دائماً، ويعد هذا النهج إهداراً للموارد. بدلاً من ذلك، يمكن إعادة حقن الغاز الزائد في الأرض.
5. كيف نعثر على تسريبات الميثان؟
على مدى عقود، اعتمدت الشركات المنتجة والمنظمون على تقنيات النفط الخام مثل رمي قماش القنب فوق أنبوب لمعرفة ما إذا كان قد حدثت فقاعات أو إرسال مجموعة من العمال لفحص المعدات. لكن الكشف عن تسرب الغاز يعتمد الآن بشكل متزايد على الأقمار الصناعية والمسوحات الجوية والشاشات الأرضية.
يُتوقع وجود ما لا يقل عن عشرين قمراً صناعياً بإمكانه اكتشاف تسربات الميثان في المدار الآن، ومن المقرر إطلاق المزيد في عام 2024 من قبل صندوق الدفاع عن البيئة الأميركي وكونسورتيوم يضم "كاربون مابر" (Carbon Mapper) بولاية كاليفورنيا و"بلانيت لابس" (Planet Labs). توفر المدارات بالفعل مستويات جديدة غير مسبوقة من الشفافية حول مصدر تسرب الغاز القوي.
6. ماذا تفعل الحكومات؟
· أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن حملة للحد من انبعاثات الميثان من قطاع النفط والغاز الأميركي خلال قمة المناخ "كوب 28" (COP28) في دبي، من خلال وضع اللمسات الأخيرة على التفويضات المعززة حديثاً التي تجبر الشركات على استبدال المعدات المسربة والبحث باستمرار عن الغاز المتسرب. تعتبر هذه القاعدة تتويجاً لسعي وكالة حماية البيئة الذي استمر لمدة ثلاث سنوات للحد من انبعاثات الميثان من آبار النفط والمعدات الحالية.
· توصل المشرعون والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إلى اتفاق سياسي مؤقت في نوفمبر لمطالبة شركات الطاقة بفحص البنية التحتية بانتظام بما في ذلك الآبار وخطوط الأنابيب بحثاً عن تسرب الميثان. تعتبر هذه الصفقة مهمة بشكل خاص لأن إجراءات المراقبة والإبلاغ والتحقق ستطبق في النهاية على الواردات، التي تشكل أكثر من 90% من واردات النفط والغاز في الكتلة المكونة من 27 دولة.
قالت الصين، أكبر مصدر لانبعاثات غاز الميثان في العالم، هذا العام إنها ستعزز المراقبة والإبلاغ وشفافية البيانات للحد من انبعاثات غازات الدفيئة.
· تمتلك تركمانستان، وهي دولة واقعة في آسيا الوسطى رابع أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم، حيث يسعى المسؤولون الأميركيون بالتعاون مع نظرائهم للمساعدة في الحد من تسرب غاز الميثان الهائل في البلاد من بنيتها التحتية القديمة.
7. ما الإجراءات التي تعتمدها الجهات الأخرى؟
يتضمن تعهد الحد من انبعاثات الميثان العالمي التزامات غير ملزمة للدول التي توقع عليه: فهي ليست ملزمة بخفض انبعاثات الميثان الخاصة بها بنسبة معينة، بينما الالتزام بهدف جماعي يتمثل في خفض انبعاثات الميثان العالمية بنسبة 30% على الأقل من مستويات 2020 بحلول عام 2030 واتباع أفضل الأساليب المتاحة لتحديد حجم المشكلة.
كما تتوخى شركات النفط الكبرى حذرها، وقادت الشركات المشغلة بما في ذلك شركة "إكسون موبيل" (Exxon Mobil) و"أرامكو" السعودية -أكبر شركات النفط الخاصة والتابعة للحكومة في العالم- تعهداً من قبل 50 شركة منتجة للنفط والغاز في "كوب 28" لخفض الانبعاثات من عمليات إنتاجها الخاصة.
8. ما التداعيات المحتملة؟
تشكل انبعاثات الميثان من الماشية والزراعة مشاكل أكثر صعوبة تتطلب تغييرات في كيفية زراعة المحاصيل وإطعام الماشية -ناهيك عن التعديلات السلوكية التي قام بها المستهلكون "المغرمون" بالهامبرغر. يمكن أن يساهم التبني الجماعي للبدائل النباتية واللحوم المصنعة في المختبر في حل هذه المشكلة.
في قطاع النفط والغاز، تختلف القوانين وسياسات الإنفاذ للحد من انبعاثات الميثان على نطاق واسع عبر الدول المنتجة الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والمملكة العربية السعودية، وقد يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى إعادة إحياء عمليات تنقيب في الشركات التي لا تنفق كثيراً من الأموال على شراء أجهزة مراقبة الانبعاثات، حتى لو كانت تدر عليها أرباح كبيرة على المدى الطويل. وعلى الرغم من السياسات القائمة، إلا أن تشجيع الصناعة لتركيب معدات المراقبة على نطاق واسع يشكل تحدياً كبيراً. وحتى عندما تتوافر البيانات في متناول اليد، يظل هناك عمل ينبغي القيام به لتحويلها إلى نوع من أنواع المقاييس الموثوقة التي يمكن للمستثمرين المهتمين بالبيئة الاستعانة بها.