قمة المناخ في دبي تنتهي باتفاق تاريخي قد يفسح المجال لسيادة الغاز كوقود انتقالي

خافير بلاس: هل دشنت قمة "كوب 28" بداية النهاية للوقود الأحفوري؟

سلطان أحمد الجابر متحدثاً في قمة المناخ "كوب 28" في دبي، الإمارات العربية المتحدة - المصدر: بلومبرغ
سلطان أحمد الجابر متحدثاً في قمة المناخ "كوب 28" في دبي، الإمارات العربية المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

انتهت أعمال قمة المناخ "كوب 28" يوم الأربعاء باتفاق يُوصف من ناحية بأنه "تاريخي" ومن الناحية الأخرى بأنه "فرصة ضائعة". وبأنه "قوي" من جهة، ومن جهة أخرى بأنه مليء بـ"الثغرات وأوجه القصور". فأي الجانبين على حق؟

رغم أن الاطلاع على كل المستندات واستيعابها وقراءة مئات الصفحات سيستغرق وقتاً، سأقدم بعض الملاحظات الأولية.

أولاً، أحيي رئيس "كوب 28" سلطان الجابر، الرئيس التنفيذي لشركة النفط الإماراتية "أدنوك"، وأهنئه على تحقيق هدف القمة رغم الصعاب. فبعد 3 عقود من دبلوماسية المناخ، كانت دولة نفطية هي التي وجهت إلى قطاع الوقود الأحفوري دعوة إلى التغيير هي الأشد حزماً على الإطلاق. لكن كما قال الجابر الأربعاء: "العبرة ليست بما نقول وإنما بما نفعل"، فالأفعال، لا الأقوال، هي ما نحتاجه لمواجهة أزمة المناخ. وفي ضوء التجارب السابقة، لا يترجم إلى إجراءات فعلية سوى قدر قليل مما يتم الاتفاق عليه في مؤتمر الأمم المتحدة السنوي، لا سيما عندما يرتبط بتكلفة مالية.

نقاط لها أهمية خاصة

ينصب معظم الاهتمام على الفقرتين 28 و29 من الوثيقة المسماة "الجرد العالمي". فاعتماداً على وجهة نظرك، تحتوي تلك الفقرتان على 245 كلمة تشير إلى بداية النهاية لصناعة الوقود الأحفوري في العالم. قد لا يحدث ذلك اليوم، ولا غدا، وربما لن يحدث قبل عدة سنوات. والنقطة المهمة الأولى هي:

"... فضلاً عن الاعتراف بضرورة إجراء خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بقدر كبير، ووتيرة سريعة، وبشكل مستمر، توافقاً مع المسارات المُتبعة للحفاظ على الاحترار العالمي أدنى من 1.5 درجة مئوية، ودعوة الأطراف إلى الإسهام في الجهود العالمية التالية، بالشكل الذي تقرره كل دولة".

يشير ذلك إلى مسألة واضحة؛ هو أن خفض انبعاثات غازات الدفيئة بوتيرة سريعة ضروري. كل شيء على ما يرام حتى هذه النقطة. لكن بعدها "تدعو" الوثيقة العالم إلى التصرف، وفي لغة الأمم المتحدة، فإن الدعوة هي اللفظ الأضعف بين كل تعبيرات الحث المستخدمة في اللغة السياسية. إنها دعوة إلى القيام بأمر ما، عوضاً عن كونها مطالبة حقيقية. ورغم أن اللهجة المستخدمة أشد حزماً من المسودات الأولية، التي استعملت صيغة "اتخاذ إجراءات قد تشمل"، إلا أنها أدنى درجة من العمل السياسي.

بعدها، تسرد الوثيقة سلسلة من الإجراءات في عدة فقرات فرعية، وهذه هي أهم النقاط:

"مضاعفة القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة 3 مرات على مستوى العالم، ومضاعفة متوسط المعدل السنوي العالمي لرفع كفاءة الوقود بحلول 2030".

تلك النقطة هي الأقل إثارة للجدل بين كل دعوات تغيير السلوك، وإحدى النقاط التي اتُفق عليها حتى قبل بدء القمة، كما إن النص على موعد محدد (عام 2030) في غاية الأهمية، فيما يشير عدم وجود تحفظات واشتراطات إلى دعمها الكبير. واضح أنه يجب أن تنفذ الدول ذلك، لكن المؤكد أنها ستعزز قطاعي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. قد لا يتصدر هذا الاتفاق عناوين الأخبار، لكن بالنسبة إليّ، هو الاتفاق الأهم؛ إذ سيغير معالم قطاع الكهرباء حال تطبيقه.

"تسريع وتيرة الجهود الرامية إلى الخفض التدريجي لاستخدام الفحم في توليد الكهرباء"

الصيغة النهائية تكرر لهجة الحديث المتفق عليها في قمة "كوب 26" في غلاسكو في 2021، عوضاً عن تجاوز التوقعات، كما حدث في المسودات السابقة. دعت مسودة سابقة في "كوب 28" إلى "الخفض التدريجي" لاستهلاك الفحم بشكل عاجل، وهي لهجة يعدها الدبلوماسيون أشد حزماً من كلمة "تسريع" التي وردت في الصيغة النهائية.

واحتوت المسودة الأولية أيضاً على بند مهم ينص على "فرض قيود على ترخيص" محطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم. لكن تعذّر استخدام تلك الصيغة في البيان الختامي نتيجة ضغط من الهند ودول ناشئة أخرى. (ملاحظة بشأن التطبيق: منذ "كوب 26"، التي أقيمت قبل عامين، ارتفع الطلب العالمي على الفحم. فالاتفاق على الخفض التدريجي وتنفيذه على أرض الواقع أمران مختلفان تماماً).

"التحول عن استخدام الوقود الأحفوري في نظم الطاقة بشكل عادل، ومنظم، ومنصف، وتسريع وتيرة العمل خلال هذا العقد الحرج، بحيث يمكن تحقيق صافي انبعاثات صفري بحلول 2050، بما يتوافق مع العلم"

هذه الفقرة الفرعية "د" هي بيان القمة الذي سيتصدر عناوين الأخبار. وتعد أول مرة يدعو مستند مرتبط بالمناخ العالم صراحةً إلى التحول عن استهلاك الوقود الأحفوري. ويستند من يعتبرون "كوب 28" بداية النهاية للنفط والغاز والفحم إلى تلك الفقرة في تأكيدهم على ذلك، غير أن من يتحدثون عن الثغرات يشيرون إليها أيضاً. وتكمن الحقيقة في نقطة ما بين هذين الرأيين.

أولاً؛ يتناول البيان "التحول عن" الوقود الأحفوري، بدلاً من "الخفض التدريجي" أو "التخلي التدريجي". وكان المصطلح الأخير هو الذي ضغط المدافعون عن المناخ لاستخدامه. قبل يومين، استعملت مسودة سابقة صيغة مختلفة، تتحدث عن "خفض استهلاك وإنتاج الوقود الأحفوري" في نفس الوقت. تعد الصيغة النهائية بمثابة تنازل للسعودية ودول تحالف "أوبك +" الأخرى؛ إذ إنها تلقي المسؤولية على جانب الطلب، بدلاً من الإنتاج.

عوضاً عن إغلاق آبار النفط، على النحو الذي يشير إليه مصطلح "التخلي التدريجي"، فباستخدام صيغة "التحول عن"، تدعو الأمم المتحدة، عملياً، الدول إلى خفض الطلب أولاً. قد يبدو ذلك تدقيقاً في التفاصيل لا طائل منه، لكنه اختلاف مهم. وذلك هو سبب خروج المسؤولين السعوديين من قمة "كوب 28" وهم يشعرون بالرضا؛ إذ بمقدورهم، في القمم القادمة، أن يتحدثوا عن مواصلة إنتاج النفط حتى ظهور إشارات على حدوث التحول. ما يزال الطلب على النفط في ارتفاع مستمر خلال الفترة الحالية.

حققت الدول المنتجة للنفط انتصاراً آخرَ؛ إذ يجب تحقيق هذا التحول بشكل "منظم"، في إشارة إلى ضرورة الحفاظ على استقرار أسعار النفط. ولإحراز هذا التقدم، جادلت الدول المنتجة للنفط بأن هناك حاجة إلى استمرار الاستثمارات في حقول النفط الجديدة. ولا أقصد بالدول المنتجة للنفط السعودية وحدها؛ فالولايات المتحدة أصبحت حالياً أكبر منتج للنفط في العالم، ومسؤولة عن 20% من الإنتاج العالمي.

في دبي، يناضل جون كيري، مبعوث المناخ الأميركي، ضد الوقود الأحفوري، أما في وطنه، فقطاع الوقود الأحفوري يزدهر، بدعم من البيت الأبيض.

"تسريع وتيرة التقنيات منخفضة الانبعاثات والخالية منها، بما في ذلك الطاقة المتجددة، والطاقة النووية، وتقنيات الإخماد والإزالة، مثل احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه، لا سيما في القطاعات التي يصعب إخماد انبعاثاتها، وإنتاج الهيدروجين منخفض الكربون"

يعد ذلك انتصاراً آخر للدول المنتجة للنفط، وبالأخص لكبرى شركات النفط، مثل "إكسون موبيل"، التي تراهن بشدة على احتجاز الكربون. من الناحية العملية، وافقت الأمم المتحدة على تكنولوجيا ما تزال في مهدها، ويشير عدد من منتقديها إلى أنها لن تتمكن من احتجاز كمية من ثاني أكسيد الكربون تكفي لإحداث فرق. الصيغة أيضاً أكثر ليناً بدرجة طفيفة عن المسودات السابقة بالقمة، التي أكدت أن تلك التقنيات مجرد وسائل للتحول عن الوقود الأحفوري. لكن ذلك التأكيد حُذف من البيان الختامي.

"الاعتراف بأن الوقود الانتقالي قد يؤدي دوراً في تسهيل تحول الطاقة، مع ضمان أمن الطاقة"

ربما تكون هذه أكبر ثغرة في البيان، ومصدر إحباط كبير بين المدافعين عن المناخ. أولاً، ماذا يعني "الوقود الانتقالي"؟ لا جدوى من البحث عن إجابة في الوثيقة، وهذا أمر مقصود، ليتمكن كل وفد من ادعاء ما يفضله، فالوقود الانتقالي عند البعض هو الهيدروجين الأخضر واليورانيوم، وعند آخرين يشمل بعض أنواع الوقود الأحفوري، لكن لا يُصرح أحد جهراً بذلك. أما أنا، فأرى أنه يتيح فرصة كبيرة لتأييد استخدام الغاز الطبيعي في السنوات المقبلة، إن لم يكن خلال العقود القادمة. لذلك؛ قد تكون "كوب 28" قد أعلنت نهاية عصر الوقود الأحفوري، لتشير إلى بداية حقبة "الوقود الانتقالي"، في صورة الغاز.

من يقف وراء تلك الفقرة الفرعية؟ يعتقد العديد من الدول الناشئة، مثل الصين والهند، أنها لن تتمكن من التخلي عن الفحم إلا عند تمكنها من الحصول على الغاز الطبيعي. إلا أنها ليست وحدها، فاليابان لديها الرأي نفسه. والصيغة المستخدمة، لا سيما في التأكيد على "أمن الطاقة"، مشابهة لما أسمعه من طوكيو منذ عدة شهور. وتذكر اسم الدولتين اللتين تعدان من ضمن أكبر 3 دول منتجة للغاز الطبيعي المُسال في العالم: الولايات المتحدة وأستراليا. فنادراً أن يحدث شيء في دبلوماسية المناخ العالمية دون موافقة واشنطن وكانبرا.

بدراسة كل جملة، وكل حل وسط دبلوماسي، وقراءة كلمة تلو الأخرى وقاموس المصطلحات الدبلوماسية في اليد، ما سيظهر من ذلك هو وثيقة دقيقة مفصلة، وهذا ليس سيئاً. فبيان "كوب 28" يعد لحظة تاريخية، اتفق فيها العالم، بشكل أو بآخر، على حاجته إلى تخفيض استهلاكه من الوقود الأحفوري، والتخلي عن النموذج الصناعي الذي دعم الاقتصادات لمدة 150 عاماً. لكنه أيضاً يوم اعترف فيه العالم بأن المسيرة أشد تعقيداً، وأعلى تكلفة، واستهلاكاً للوقت عما تشير إليه العناوين الرئيسية. وربما تكون هذه أفضل نتيجة تمنيناها.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

Javier Blas

Javier Blas

Energy and commodities columnist at Bloomberg.
للإتصال بكاتب هذا المقال:@JavierBlas