معالجة بذور المحاصيل لزيادة قدرتها على تحمل الجفاف؛ وتربية أبقار تتجشأ كميات أقل من غاز الميثان، وتتبّع الماشية لمنع إزالة الغابات؛ كل ذلك ليس سوى جزء من مجموعة كبيرة من الإجراءات التي يحتاج إليها العالم لمكافحة تغير المناخ الناجم عن إنتاج الغذاء، وهو ما يحصل على زخم مالي كبير حالياً.
تعهدات سخية
فقد تعهد المانحون بأكثر من 3 مليارات دولار لتمويل مكافحة تغير المناخ في قطاع الغذاء والزراعة منذ بداية مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ "كوب28" في دبي، وفقاً للمنظمين. وعلاوة على ذلك، تعمل الحكومات والمؤسسات الخيرية والاستثمارات الخاصة على تعزيز التمويل للتصدي لغاز الميثان في الزراعة، وإنهاء إزالة الغابات والابتكارات التي تراعي البيئة، حيث وضعت القمة أخيراً الغذاء على رأس جدول أعمالها.
يعد ضمان حدود للانبعاثات الناجمة عن النظام الغذائي والتكيف بشكل أفضل مع تغير المناخ، أمراً أساسياً لتحقيق الأهداف الخضراء، خصوصاً مع نمو السكان. ويسهم الغذاء، من المزرعة إلى المائدة، بنحو ثلث انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، في حين يتعرض أيضاً لتهديد متزايد بسبب ارتفاع درجات الحرارة والطقس غير المنتظم وتغير أنماط الأمطار. وسيساعد تدفق المزيد من الأموال في تسريع التقنيات والاستراتيجيات اللازمة للمعركة.
قال إدوارد ديفي، مدير الشراكات في "تحالف الغذاء واستخدام الأراضي": "هذا مؤتمر أطراف غير مسبوق في مجال الغذاء والمناخ. إنه المؤتمر الذي أصبح فيه الغذاء وسيلة مركزية للاستجابة لحالة الطوارئ المناخية". وأضاف: "الآن تقع على عاتقنا جميعاً مسؤولية مساءلة أنفسنا عن الالتزامات التي تعهدنا بها".
لا يتضمن الإحصاء الرسمي الذي يقوم به مؤتمر الأطراف لتمويل مشروعات الغذاء بعض الإعلانات الأخرى ذات الصلة خلال الأسبوعين الماضيين، مثل مبادرة "سيف" (SAFE) لأفريقيا والشرق الأوسط بقيمة 10 مليارات دولار، وهو مشروع مشترك بين القطاعين العام والخاص دُشن رسمياً في 3 ديسمبر لتعزيز الزراعة التي تراعي المناخ والبيئة.
ولا تزال هناك حاجة إلى إتباع التعهدات بأموال وإجراءات حقيقية. وقالت باربرا بوشنر، المديرة العامة العالمية لمبادرة سياسة المناخ، إن التمويل يتخلف منذ سنوات عن المبالغ المتدفقة في العديد من القطاعات الأخرى، كما أن الفجوة في احتياجات الأغذية الزراعية "ضخمة".
تحديات هائلة
لا شك في أن التحدي هائل. فمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة تقول إن العقود الثلاثة الماضية شهدت خسارة ما قيمته 3.8 تريليون دولار من المحاصيل والإنتاج الحيواني بسبب الكوارث بما في ذلك الفيضانات والجفاف. ولكن بعيداً عن هذه الأحداث التي تتصدر العناوين الرئيسية، هناك تدهور بطيء وخطير في الظروف التي يعيشها ملايين المزارعين في جميع أنحاء العالم.
ففي ولاية تشهاتيسغاره الهندية، شهد المزارعان لال سينغ راثور ونارايان سينغ التربة تتكلس تدريجياً وتصبح أقل خصوبةً، في حين تضاعفت الآفات والأمراض. ويواجه النحل الذي تنتجه صانعة العسل الأرجنتينية آنا لورا ساياغو صعوبات في الحصول على ما يكفي من الرحيق، لأن الجفاف يمنع الزهور من التفتح وتذوب خلايا النحل بسبب الحرارة. وفي أوغندا، تلفت شتلات الأفوكادو التي تملكها إليزابيث نسيمادالا بسبب الجفاف الذي طال أمده.
قالت نسيمادالا، التي جاءت إلى دبي للدفع من أجل التغيير: "كنت على استعداد لشهر واحد فقط من الجفاف، ثم واجهت ما يقرب من ثلاثة أشهر ونصف الشهر. تغير المناخ يقلب سبل عيش المزارعين رأساً على عقب على نطاق واسع. لقد أثر بالفعل على جميع المزارعين. نحن بحاجة إلى إجراءات جذرية".
أشاد العديد من خبراء الأغذية بمؤتمر الأطراف هذا العام لجذب المزيد من الاهتمام إلى الغذاء. فقد وقعت نحو 140 دولة إعلاناً خلال القمة تعهدت فيه بإدراج الغذاء والزراعة في خططها المناخية، واعترفت أكثر من 130 دولة بالحاجة إلى التحول إلى أنظمة غذائية صحية مستدامة. وفي نهاية المطاف، سيتعين على هؤلاء الموقعين وضع استراتيجيات حقيقية لتنفيذ تعهداتهم.
يصادف اليوم الأحد يوم الغذاء والزراعة والمياه، وهو أول يوم مخصص بالكامل للنظم الغذائية، والتي تشمل كل شيء بدءاً من كيفية زراعة الأغذية وصناعتها وحتى توزيعها وتناولها أو إهدارها. ومن المنتظر أيضاً أن تكشف منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة عن أول خطة شاملة لجعل الصناعة العالمية تتماشى مع اتفاقية باريس للمناخ.
في ما يلي بعض الاستثمارات الرئيسية والإعلانات الغذائية خلال القمة:
أبقار أكثر مراعاة للبيئة
يرتبط جزء كبير من البصمة المناخية للغذاء بالثروة الحيوانية، ويُخصص المزيد من الأموال لدعم التقنيات والأبحاث الخاصة بكيفية تقليل غاز الميثان الذي تتجشؤه. ويستثمر صندوق "بيزوس إيرث فاند" ( Bezos Earth Fund ) في أجهزة استشعار يمكن وضعها لقياس كمية انبعاثات الأبقار. وإلى جانب مؤسسة بيل وميليندا غيتس، يعتبر الصندوق أيضاً من بين الداعمين الذين يستثمرون نحو 200 مليون دولار في برنامج لتربية الحيوانات منخفضة انبعاثات الميثان وتطوير إضافات أعلاف أقل فعالية.
تسلط أحدث نشرات "سبلاي لاينز" (Supply Lines) لخطوط التوريد الصادرة عن بلومبرغ الضوء على مدى التزام شركات الألبان العملاقة مثل "نستله" و"دانون" بالكشف عن انبعاثات غاز الميثان داخل سلاسل التوريد الخاصة بها، وهي خطوة مهمة للقطاع الخاص. وتذكر أيضاً كيف تقوم ولاية بارا البرازيلية بإنشاء نظام تتبع، والذي ينبغي أن يثني عن شراء الماشية المرباة في أراض أزيلت منها الغابات.
البذور والتربة والمزارع العائلية
تنتج المزارع الصغيرة ثلث غذائنا، لكنها لا تحصل إلا على قدر ضئيل من التمويل المناخي. وفي "كوب28"، حصل أصحاب الحيازات الصغيرة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا على تعهدات بقيمة 200 مليون دولار من مؤسسة غيتس والإمارات للمساعدة في التكيف مع تغير المناخ.
وهناك أيضاً ضغوط من أجل المزيد من الحلول الذكية مناخياً، بدءاً من استخدام الميكروبات التي تعزز الكربون في التربة لتحويل النفايات العضوية إلى أعلاف غنية بالبروتين. وتريد مبادرة أميركية-إماراتية تسمى "آيم فور كلايمت" (AimforClimate) أن تستثمر الحكومات والشركات المزيد في هذا النوع من المجالات، وقد شهدت استثمارات تزيد على 17 مليار دولار، بزيادة 4 مليارات منذ مايو.
ومن الشركات الناشئة في شبكتها، شركة "ماتي كاربون ريموفال" (Mati Carbon Removals)، التي تزيل الكربون عن طريق رش مسحوق الصخور على حقول الأرز في الهند. وهناك مشروع آخر مرتبط به وهو مبادرة أميركية تعمل على تحسين التربة وتحديد المحاصيل الأكثر تغذية في أفريقيا حتى يمكن تكيفها مع تغير المناخ.
قال كاري فاولر، المبعوث الأميركي الخاص للأمن الغذائي العالمي: "ما نحاول القيام به هو العودة إلى الأساسيات. لن نحصل على الأمن الغذائي في هذا العالم ما لم تكن لدينا تربة جيدة وخصبة وصحية ومحاصيل تتكيف مع البيئة".