شهد العالم ارتفاعاً قياسياً في درجات الحرارة خلال عام 2023، لدرجة أنه حتى قبل نهاية العام، أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أنه العام الأكثر حرارة على الإطلاق.
كانت درجات الحرارة العالمية أعلى بحوالي 1.4 درجة مئوية (2.5 فهرنهايت) عن متوسط ما قبل عصر الصناعة للأشهر العشرة الأولى من العام، وفقاً لتقرير "حالة المناخ العالمي لعام 2023 " الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. وهذا يكفي لإعلانه العام الأكثر سخونةً على الإطلاق حتى مع بقاء شهر على نهاية العام، في تحذير صارخ لمفاوضي المناخ المجتمعين في الشرق الأوسط.
قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في دبي، أمس الخميس، مع انطلاق قمة المناخ "كوب 28": "يجب أن تدفع ظاهرة الاحترار العالمي القياسي قادة العالم إلى التحرك لمواجهتها"، مُضيفاً: "نشهد اليوم أزمة مناخية، وتأثير ذلك يعتبر مدمراً".
باكورة نجاحات "كوب 28" توفير 260 مليون دولار لأضرار المناخ
يتضمن تقرير الوكالة التابعة للأمم المتحدة أيضاً ملخصاً قاتماً لأكثر الأحداث المناخية شدةً في العام، ويحدد المخاطر أمام عشرات الآلاف من قادة العالم والدبلوماسيين ورجال الأعمال والناشطين الذين يتوافدون إلى الإمارات العربية المتحدة لمدة أسبوعين لحضور محادثات المناخ.
تداعيات ظاهرة "إل نينيو"
أظهر التقرير استمرار ارتفاع انبعاثات الغازات الدفيئة المسؤولة عن ارتفاع درجة حرارة الكوكب في عام 2023، بعد أن وصلت إلى أعلى مستوى تاريخي في العام الماضي. ساعد ذلك في تأجيج درجات حرارة شهرية قياسية على اليابسة من يوليو إلى سبتمبر وفي المحيطات من أبريل إلى سبتمبر. يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تفاقم الطقس القاسي الذي يتسبب بدوره في ارتفاع أعداد الوفيات وانعدام الأمن الغذائي فضلاً عن تشريد الملايين من السكان.
يرجع جزء من الارتفاع القياسي في درجات الحرارة لهذا العام إلى ظاهرة "إل نينيو"، وهي ظاهرة دورية تُعرف بارتفاع درجة حرارة شرق المحيط الهادئ والتي عادةً ما تؤدي إلى درجات حرارة أكثر ارتفاعاً وتحولات في أنماط الطقس في الكثير من أنحاء العالم.
عودة ظاهرة "إل نينيو" تنذر بمزيد من الضغوط على سوق الأرز
لكن بعض المناطق التي تعاملت مع درجات حرارة أعلى من المعتاد، بما في ذلك شمال شرق المحيط الأطلسي، لا تتوافق مع الأنماط النموذجية المرتبطة بظاهرة "إل نينيو"، كما ورد في التقرير.
امتصت المحيطات التي تغطي حوالي 70% من سطح الكوكب حوالي 90% من الحرارة المحاصرة في انبعاثات غازات الدفيئة منذ عام 1971. وقد أدى ذلك إلى إبطاء معدل الاحترار في الغلاف الجوي، لكنه أدى أيضاً إلى ارتفاع درجات حرارة المحيطات، وارتفاع مستوى سطح البحر، ونسبة التحمض، وذوبان الجليد على اليابسة والبحار.
ذوبان الجليد
بشكل عام، ارتفعت معدلات حرارة المحيطات إلى أعلى مستوى على الإطلاق في عام 2023. حيث شهدت الطبقات العليا من المحيطات استمرار الاحترار، وسجل المحيط الجنوبي وشمال وجنوب المحيط الأطلسي أعلى مستويات الحرارة. وساهم ذلك، إلى جانب تأثير ظاهرة "آل نينيو" وذوبان الأنهار والصفائح الجليدية، في وصول متوسط منسوب المياه إلى مستوى قياسي، وفقاً للتقرير.
وصلت مساحة البحر المغطاة بالجليد في القارة القطبية الجنوبية إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق في عام 2023، مسجلة العام الثاني على التوالي من المستويات المنخفضة القياسية. ظل الجليد البحري في القطب الشمالي أقل من المتوسط التاريخي لهذا العام.
التغير المناخي يحيل أنهار العالم أحواضاً موحلة
تأثر الجليد الأرضي بدرجات الحرارة القياسية لعام 2023، حيث تظهر التقديرات الأولية أن توازن الكتلة في الغطاء الجليدي في غرينلاند -وهو مقياس يمثل الفرق بين الثلوج المتراكمة وجريان المياه الذائبة- كان أقل من المتوسط على المدى الطويل، وإن لم يكن سيئاً مثل الذوبان الشديد الذي شوهد خلال السنوات الأخيرة. لم يحالف الأنهار الجليدية في أميركا الشمالية وجبال الألب الأوروبية الحظ، حيث شهدت ذوباناً شديداً في عام 2023. في سويسرا، فقدت الأنهار الجليدية حوالي 10% من حجمها المتبقي خلال العامين الماضيين، في حين أن تلك الموجودة في جبال روكي الكندية شهدت ذوباناً ثلاث مرات أكثر في عام 2023، مقارنةً بالمتوسط السنوي على مدى العقدين الماضيين.
بعيداً عن الأرقام العالمية، كان عام 2023 عام الكوارث المناخية في كل مكان.
طرق العالم مُعرضة لخطر مُحدق بسبب التغير المناخي
لعل العاصفة "دانيال" كانت الأكثر تدميراً بسبب تغير المناخ، والتي تسببت في فيضانات غزيرة في اليونان وبلغاريا وتركيا قبل أن تحوم فوق البحر الأبيض المتوسط وتصل إلى اليابسة للمرة الثانية في شمال شرق ليبيا، حيث تم تأكيد وفاة 4,345 شخصاً.
في مكان آخر، أصبح الإعصار الاستوائي "فريدي" أحد أطول الأعاصير المدارية أمداً في العالم بعد أن تشكل في أوائل فبراير، ووصل إلى اليابسة في موزمبيق في 11 مارس. تسببت العاصفة في هطول أمطار غزيرة وفيضانات على أجزاء من مالاوي وموزمبيق اللتين لم تتعافيان بعد من العواصف التي ضربت المنطقة العام الماضي، ما أدى إلى مقتل المئات ونزوح أكثر من 659 ألف شخص داخلياً في مالاوي وحدها.
ارتفاع قياسي في درجات الحرارة
أدت موجات الحر خلال صيف نصف الكرة الشمالي إلى ارتفاع قياسي في درجات الحرارة في العديد من البلدان. بلغت درجات الحرارة في سردينيا الإيطالية 48.2 درجة مئوية في 24 يوليو، أي أقل ب 0.6 درجة مئوية فقط من الرقم القياسي الذي شهدته أوروبا. سجلت درجات الحرارة في أغادير، في المغرب، رقماً قياسياً في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا عندما وصلت إلى 50.4 درجة مئوية، في 11 أغسطس.
كيف تحولت المياه إلى سلعة ذات قيمة وتهديد في الوقت ذاته؟
أدت درجات الحرارة الحارقة وقلة الأمطار إلى موسم حرائق غابات مدمر في العديد من المناطق، وأكثرها في كندا. شهدت البلاد أشد موسم حرائق غابات على الإطلاق. واحترق ما مجموعه 18.5 مليون هكتار -ضعف مساحة البرتغال. امتدت التأثيرات إلى ما هو أبعد من حدود البلاد، مع أعمدة من الدخان السام تُغيم على الساحل الشرقي للولايات المتحدة لتصل بذلك إلى أوروبا. أدت الحرائق أيضاً إلى ارتفاع هائل في انبعاثات الكربون في كندا، ما أظهر حلقة تغذية مرتدة خطيرة لتغيرات المناخ التي تؤدي إلى تفاقم حرائق الغابات التي تؤدي بدورها إلى تفاقم حدة تغيرات المناخ.
تداعيات الجفاف
كان للجفاف بعض الآثار البعيدة المدى في عام 2023. حيث شهد كل من شمال غرب أفريقيا وأجزاء من شبه الجزيرة الأيبيرية ووسط وجنوب غرب آسيا وأميركا الجنوبية وأجزاء من الولايات المتحدة مستويات منخفضة من الأمطار أدت إلى خسائر كبيرة في المحاصيل وقيود على استهلاك المياه للسكان.
حرائق غابات في أثينا تشتعل لليوم الثاني وتهدد المزيد
وفي القرن الأفريقي، أدت خمسة مواسم متتالية من الجفاف إلى الحد من قدرة التربة على امتصاص المياه. وعندما هطلت أمطار غزيرة في وقت سابق من هذا العام، تكبدت المجتمعات الرعوية والمزارعون خسائر فادحة، واضطر الكثيرون إلى الانتقال. أدت الفيضانات إلى نزوح حوالي 1.4 مليون شخص اعتباراً من يونيو 2023، إضافةً إلى 2.7 مليون شخص نزحوا على مدى خمسة مواسم جفاف متتالية.
قال "غوتيريش": "شهد هذا العام تأثر المجتمعات في جميع أنحاء العالم بالحرائق والفيضانات ودرجات الحرارة الحارقة". مُضيفاً: "تقرير اليوم يظهر أننا في كارثة كبيرة".