تقديرات بحضور 70 ألف شخص إلى دبي للمشاركة بمؤتمر المناخ التاريخي

"كوب 28".. أكبر حدث مناخي يستعد لمواجهة فوضى عالمية وحرارة قياسية

سلطان الجابر، في معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول في أبو ظبي خلال أكتوبر 2023 - المصدر: بلومبرغ
سلطان الجابر، في معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول في أبو ظبي خلال أكتوبر 2023 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يطير أكثر من 70 ألف شخص من سياسيين ودبلوماسيين ونشطاء وممثلي جهات تمويل وقادة أعمال إلى دبي للحديث عن سبل توقيف انزلاق العالم صوب كارثة بيئية.

لم تكن هناك حاجة لإحراز تقدم أشد إلحاحاً من قبل كما هو الحال الآن، فمن شبه المؤكد أن 2023 ستكون السنة الأعلى حرارة في التاريخ، وما زالت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في تصاعد، كما أن وعود خفض التلوث لا تزال غير كافية للتخلص من مخاطر الاحترار غير القابل للتحكم. في هذه الأثناء، أضعف التضخم المتسارع وحالة عدم الاستقرار على مستوى العالم –ومن بينها حربا أوكرانيا وغزة- الجهود السياسية والاقتصادية المرتبطة بعملية تحول الطاقة.

حقائق مؤلمة

قالت راشيل كليتوس، مديرة السياسات في برنامج المناخ التابع لـ"اتحاد العلماء المعنيين" (Union of Concerned Scientists) في ولاية ماساتشوستس الأميركية: "هذه هي لحظة الحقيقة المؤلمة تماماً، بل والحزينة وسط تجمع قيادات العالم، رغم ذلك، توجد فرصة حقيقية بمجال المناخ لتحقيق بعض الانتصارات".

تقع مسؤولية تحقيق إنجاز خلال قمة المناخ "كوب 28 في الإمارات" على عاتق رئيسها سلطان الجابر. بالنسبة للكثيرين في مجتمع المناخ، فإن قيادته للمحادثات قد تأثرت سلباً بسبب منصبه باعتباره رئيساً تنفيذياً لشركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك)، إحدى كبرى شركات إنتاج النفط على مستوى العالم. يزعم تقرير الأسبوع الحالي أنه كان على استعداد لاستغلال منصبه في مؤتمر "كوب 28 في الإمارات" لتدعيم مصالح أدنوك.

من جهته، ذكر الجابر خلال تصريحات علنية أنه يرى في مؤتمر "كوب 28 في الإمارات" فرصة لاستمالة قطاع الوقود الأحفوري للتعامل مع الانبعاثات. من المنتظر أن يكون أحد الإعلانات البارزة صدور تعهد من قبل قطاع النفط والغاز العالمي بالقضاء على انبعاثات غاز الميثان، وهو من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري بشدة، مع حلول 2030. في حين أن الاتفاق لن تكون له قوة إنفاذ قانونية، إلا أنها واحدة من بين علامات عديدة على إمكانية إحراز تقدم في الإمارات العربية المتحدة خلال ديسمبر المقبل.

أوضح عدنان أمين الرئيس التنفيذي لمؤتمر "كوب 28 في الإمارات" خلال مقابلة معه أن ما لا يقل عن 150 دولة و25 شركة نفط وطنية ودولية وقعت التعهد. يستهدف أمين التخلص من 50% من انبعاثات الميثان وفقاً للتعهد.

أضاف أمين خلال حديثه عن آفاق قمة السنة الجارية: "تشارك شركات وبلدان مهمة للغاية، وإذا استطعنا فعلاً اقتحام مشكلة الميثان هنا، فإن ذلك سيحقق تخفيضات هائلة للانبعاثات ربما لأخطر الغازات المسببة للاحتباس الحراري".

هدف الانبعاثات

ربما كان التطور الأكثر إيجابية حتى الآن هو تحسن الأجواء الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين. اتفق أكبر بلدين من بين المتسببين في التلوث حول العالم في وقت سابق من الشهر الجاري على إصدار تعهدات أكثر توسعاً للحد من الانبعاثات، ودعم هدف مضاعفة الطاقة المتجددة 3 مرات. ويرجح حالياً على ما يبدو تضمين هذا الهدف بالوثيقة النهائية لمؤتمر "كوب 28 في الإمارات".

يمثل ذلك تجديداً للتعاون المناخي بين الخصمين الجيوسياسيين، ما يبشر بخروج القمة بنتائج إيجابية. ساعدت الاتفاقيات السابقة بين واشنطن وبكين خلال 2014 و2021 في تمهيد الطريق لاتفاقات تاريخية من خلال مؤتمرات القمم المناخية التابعة للأمم المتحدة السابقة (COPs).

علاوة على التوصل لاتفاق بشأن غاز الميثان وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، فإن المجالات المهمة الأخرى للمحادثات تتمثل في تعهد محتمل بالتخلص تدريجياً من الوقود الأحفوري، وإحراز تقدم في توفير سيولة مالية أكثر للأغراض المناخية لبلدان العالم النامي، وأول تقييم رسمي للتقدم الحاصل عالمياً على صعيد مكافحة التغير المناخي منذ إبرام اتفاقية باريس الموقعة خلال 2015.

الوقود الأحفوري

لا يدعو البيان الصيني الأميركي بطريقة صريحة للتخلص التدريجي من كافة أنواع الوقود الأحفوري، وهو المطلب الأساسي لمجموعة من البلدان الأوروبية وبلدان جزر المحيط الهادئ المعروفة بمسمى "تحالف الطموح العالي" (High Ambition Coalition). أخفقت جهود مشابهة لإدخال تلك الصياغة ضمن الاتفاق خلال قمة المناخ "كوب 27 في مصر" التي عقدت بمدينة شرم الشيخ السنة الماضية. من المحتمل أن يتحول ذلك لميدان صراع في دبي.

صرح مبعوث المناخ الصيني شيه تشنهوا، سبتمبر الماضي، بأن التخلص التدريجي نهائياً من كافة أنواع الوقود الأحفوري يعد هدفاً "غير واقعي". في هذه الأثناء، تدعو مجموعة متنامية من الأصوات تقودها البلدان النامية إلى فرض حزمة تدابير أوسع للطاقة تربط الهدف بالحصول على التمويل.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

يسعى الدبلوماسيون لإيجاد صياغة أقل إثارة لحالة الاستقطاب، ما يبعث بإشارة بأن الأمور في اتجاهها الصحيح، بحسب مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية.

قد تُخفف لهجة الاتفاق النهائي حول الوقود الأحفوري في نهاية المطاف عن طريق كلمات تدعو لعملية تحول "منظمة" أو "عادلة" أو "مسؤولة" واستخدام تكنولوجيات التقاط الكربون وتخزينه.

قال أمين: "خلال آخر قمتين للمناخ تابعتين للأمم المتحدة، كان يصعب الوصول لاتفاق بإجماع الآراء.. نحن منفتحون بشدة وداعمون تماماً لإيجاد حلول جديدة بشأن الصياغة التي تدعم القضية، وتعزز الطموح المتعلق بالوقود الأحفوري والتخفيض التدريجي المسؤول لاستخدامه".

التمويل المناخي

من المقرر أن يكون عنصر المال محورياً في مناقشات دبي. على الأرجح ستكون البلدان الغنية قد حققت هدفها الذي تأخر طويلاً لجمع 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة الدول الفقيرة على التعامل مع أسوأ آثار للتغير المناخي ودفع ثمن الطاقة النظيفة. لكن هذا الرقم يمثل مجرد قطرة بالنسبة لحجم التمويل المطلوب الهائل. ستحتاج الدول النامية ما يصل إلى 2.4 تريليون دولار سنوياً مع حلول 2030 تقدمها مجموعة من الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص، بحسب أحدث التقديرات.

قال محمد أدو، مدير جمعية "تحول الكهرباء في أفريقيا" (Power Shift Africa): "كان إخفاق البلدان المتقدمة في توفير 100 مليار دولار بحسب التعهدات نقطة توتر لمدة طويلة، ومن المهم لعملية إعادة بناء الثقة بالنسبة لنا أن نرى فعلاً البلدان المتقدمة تشارك في تلك العملية وأن تقدم تقريراً شفافاً عن الوفاء بهذا الوعد".

خلال أول أيام القمة، من المنتظر أن تعلن حكومة الإمارات العربية المتحدة عن صندوق قيمته 25 مليار دولار لتحفيز استثمارات الطاقة النظيفة. علاوة على ذلك، سيصبح هناك جزء من التمويل بشروط ميسرة أقل من سعر السوق لمساعدة الدول النامية على زيادة الاستثمارات في الجهود المناخية. رغم ذلك، لم يُتفق على التفاصيل حتى الآن، بحسب أشخاص مطلعين على الموضوع.

قبيل أسابيع فقط من انعقاد القمة، اتفق مفاوضو المناخ على إطار عمل لإدارة صندوق يستهدف مساعدة البلدان الضعيفة على التعامل مع الخسائر والأضرار الناجمة عن الطقس المضطرب بصورة متنامية. ذكر ستيفن غيلبولت، وزير البيئة والتغير المناخي الكندي، أن الصندوق في طريقه لبدء صرف الأموال مع بداية السنة المقبلة.

صرح للصحفيين خلال موجز صحفي في 16 نوفمبر الجاري بأن إحراز تقدم على صعيد تأسيس هذا الصندوق "يقطع شوطاً طويلاً في المساعدة على توليد القوة الدافعة الضرورية التي سنحتاج لها لتحقيق نتيجة ناجحة في دبي".

مراجعة

تحتاج البلدان إلى مراجعة رسمية العام الجاري لتقييم مدى التقدم المحرز في بلوغ هدفها بالحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية، مقارنة بمستويات ما قبل عصر النهضة الصناعية، وذلك بموجب اتفاقية باريس الموقعة خلال 2015. يحتاج الأمر إلى وضع قواعد للجولة التالية من تعهدات تخفيض الانبعاثات التي يتوجب عليهم الوفاء بها حتى 2025.

ينص إجماع آراء العلماء على أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية ينبغي تقليصها للنصف مع حلول 2030، على أن تصل إلى صافي صفر منتصف القرن الحالي. يجب تخفيض إنتاج الفحم والنفط والغاز من 80% من حجم إمدادات الطاقة العالمية في الوقت الراهن إلى 20% فقط مع حلول 2050، بحسب خارطة طريق تحقيق هدف صافي صفر انبعاثات الخاصة بوكالة الطاقة الدولية.

قالت جينيفر مورغان، مبعوثة المناخ الألمانية: "إذا لم نخفض الانبعاثات العالمية للنصف خلال هذه الأعوام الستة، فسيصعُب بشدة بلوغ هدف 1.5 درجة مئوية، وستصبح المتطلبات المتعلقة بصندوق الخسائر والأضرار هائلة، وستكون هناك مخاطر كثيرة".

تقدر الأمم المتحدة أن درجات الحرارة العالمية سترتفع بما يصل إلى 2.8 درجة مئوية مع حلول نهاية القرن الحالي، ما يعني أن تجاوز هدف 1.5 درجة مسألة حتمية بموجب التعهدات الحالية لتخفيض الانبعاثات. في حين أن المراجعة تمثل تدريباً تقنياً على نحو كبير، فإن ما ينتج عنها سيحدد مسار سياسة المناخ العالمية للمدة المتبقية من العقد الحالي.

اتفاقية باريس

ذكرت وزيرة التحول البيئي الإسبانية تيريزا ريبيرا أنه "ينبغي لمراجعة ما تم منذ اتفاقية باريس أن تكون واضحة وصريحة فيما يرتبط بمدى حاجتنا لتحديث تعهداتنا الوطنية". وأضافت أن مؤتمر "كوب 28 في الإمارات" سيفشل في حال لم تعط البلدان إشارة قوية للجماهير والمستثمرين بأنهم متوافقون وملتزمون بعملية تخفيض الانبعاثات.

اتفق أمين، الرئيس التنفيذي لمؤتمر "كوب 28 في الإمارات"، مع أن حقيقة أن مؤتمر السنة الجارية سيتضمن أكبر عملية مراجعة على الإطلاق، ما يمنح القمة أهمية أكبر.

تابع: "من المحتمل أن يوصف مؤتمر المناخ بأنه تاريخي لأنه أول مراجعة عالمية على الإطلاق للتقدم المحرز لتطبيق بنود اتفاقية باريس، ويحدونا الأمل في إضافة طموح وتطلع للاتفاق".

ترقب للنتائج

إذا توصل الجابر لاتفاقات حول غاز الميثان ومصادر الطاقة المتجددة والصياغة المرتبطة بالوقود الأحفوري، يرجح أن تشكل قمة دبي مؤتمراً ناجحاً، ويؤكد وجهة نظره بأن التحالف الذي يناضل من أجل مواجهة التغيرات المناخية ينبغي له أن يكون واسعاً لأقصى حد.

لكن مع اتساع مؤتمرات قمة المناخ بدرجة كبيرة، وفي ظل جذب آلاف الأشخاص الذين لا يشاركون كثيراً أو لا ينخرطون بالعملية الدبلوماسية، يحتج آخرون بأنهم يخاطرون بأن يصبحوا عرضة للإحراج مع تضخم الأمور.

برز الاندماج بين قمة المناخ "كوب" والشركات قبل أيام فقط من انطلاقها. وأفاد تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" بأن فريق عمل الجابر يعتزم الضغط فيما يتعلق بقضايا النفط والغاز في أثناء اجتماعات المناخ مع الحكومات الأجنبية السنة الجارية، مستشهدة بمحاضر داخلية مسربة. (تقول رئاسة المؤتمر إن المحاضر غير صحيحة ولم تستخدم في تسجيل الاجتماعات).

أوضح روبرت ستافينز، أستاذ الطاقة والتنمية الاقتصادية بجامعة "هارفارد"، والذي يتابع العملية التي ترعاها الأمم المتحدة منذ إنشائها قبل 3 عقود: "ما سيحدث في دبي بالأساس هو معرض مناخ 2023 حيث إنه يشبه منتدى دافوس".

العملية الدبلوماسية

في حين كان لمؤتمرات المناخ الأممية السابقة، لا سيما باريس، تأثيرات حقيقية على أرض الواقع، لكن يمكن فصل العملية الدبلوماسية نفسها خارج نطاق التأثير على أرض الواقع.

تشتهر اجتماعات مؤتمرات قمة المناخ بالمشاجرات طوال الليل بين الدبلوماسيين والشخصيات البيروقراطية بمجال المناخ حول استخدام الفواصل وحروف الجر بلغة الصياغة. ذكر ديفيد فيكتور، أحد كبار الخبراء المتعاونين بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن فرق التفاوض تخاطر بفقدان التركيز على القضايا الحقيقية التي هي عرضة للخطر عندما يهدرون الكثير من الوقت والجهد مثلاً في مناقشة الاختلافات الدقيقة بين التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري أو تخفيضه.

تابع "فيكتور": "إنها أمور مثيرة للحماس بالنسبة للأشخاص في عالم الدبلوماسية، لكنها لا تمت بصلة للعالم الحقيقي بطريقة كبيرة".

يبرز الأثر السلبي للدبلوماسية على مؤتمرات المناخ –تعتمد قراراتها على الإجماع للتوصل لاتفاق- تماماً بواسطة النزاع الدائر حول مكان عقد قمة السنة المقبلة. تقليديا، تتناوب على الرئاسة مناطق العالم وسيكون لأوروبا الشرقية دور تنظيم مؤتمر "كوب 29".

الإجماع المستحيل

لكن التوصل إلى قرار بالإجماع بين كافة أعضاء المنطقة –من بينها روسيا وأوكرانيا- يبرهن على أنه عملية مستحيلة. تعهدت روسيا باستخدام حق النقض ضد إسناد التنظيم لأي عضو في الاتحاد الأوروبي، تاركة أذربيجان كمرشح محتمل، ويرجح أن ترفضها أرمينيا بسبب صراعهما حول إقليم ناغورنو كاراباخ. تتردد الإمارات والجابر بشدة في استضافة وتقلد رئاسة المؤتمر لثاني عام على التوالي، بحسب أشخاص على دراية بالموضوع.

في مناسبات مشابهة بالماضي، عُقدت مؤتمرات المناخ بمدينة بون في ألمانيا، حيث موطن مقر مكتب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي. لكن الحجم الآخذ بالتنامي لاجتماعات قمة المناخ اضطر الألمان لرفض استضافة مؤتمر "كوب" بطريقة مهذبة، حسبما يقول الأشخاص.

اختتمت راشيل كليتوس بقولها: "يجب أن يكون هذا أمراً بسيطاً، فالخلافات حول أمور هينة على هذا النحو تمثل مؤشراً على الصعوبات الجيوسياسية بالوقت الراهن، في حين أن الأمور البسيطة مثل استضافة مؤتمر قمة المناخ التابع للأمم المتحدة ينتهي بها الأمر إلى أن تصبح لعبة كرة قدم سياسية".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك