توشك تجارة الكربون على تلقي الدعم من المفاوضين في قمة المناخ "كوب 28" في حال اتخذوا قراراً بشأن القواعد الخاصة بسوق جديدة لتداول الانبعاثات تحت إشراف الأمم المتحدة، ما قد يؤدي إلى خفض تكاليف مكافحة الاحترار العالمي.
وستستضيف دبي ممثلين لما يزيد عن 190 دولة، لمناقشة معايير أرصدة الانبعاثات التي تسمح لأصحابها بتعويض التلوث في الداخل عبر الاستثمار في مشاريع خفض الانبعاثات في مناطق أخرى أو إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.
يهدف البرنامج الذي ترعاه الأمم المتحدة إلى تحديد هذه الأرصدة بكفاءة عالية ضمن إطار متفق عليه دولياً، يمنح المستثمرين قدراً أعلى من الثقة وسط مخاوف من أن بعض المشاريع التطوعية القائمة لا تفعل شيئاً يذكر للسيطرة على تغير المناخ.
ويقول بنديكت فون باتلر، مدير المحافظ في شركة "إيفولوشن إنفايرونمنتال أسيت مانجمنت" (Evolution Environmental Asset Management) إن "الأجهزة الرقابية والتنظيمية تستطيع تحفيز الطلب عن طريق تبني معايير مقبولة للجودة تمنح الثقة للمشترين بشكل طوعي".
آلية التنمية النظيفة
إن استخدام أسواق الكربون عابرة الحدود في تسريع التحول الأخضر ليس فكرة جديدة. فقد مهد بروتوكول كيوتو عام 1997 الطريق أمام "آلية التنمية النظيفة"، وهو برنامج بلغت قيمته 8.2 مليار دولار سنوياً ساهم في زيادة تدفق المساعدات إلى البلدان الناشئة التي تحتاج إلى المساعدة في الحد من الانبعاثات. وسمح للبلدان المتقدمة باستخدام الأرصدة الناتجة عن مشاريع خفض غازات الاحتباس الحراري الأقل تكلفة في الدول النامية لتغطية جزء من مستهدفات الحد من التلوث بمقتضى معاهدة كيوتو. وبعد حوالي ست سنوات من التشغيل، انهارت الأسعار إلى ما يقرب من صفر في عام 2012 بسبب مخاوف متعلقة بسلامة المشاريع وقرار الاتحاد الأوروبي بالحد من استخدام أرصدة "آلية التنمية النظيفة" لتشجيع الامتثال في أسواقه المحلية.
تلقت هذه الفكرة دفعة جديدة من "اتفاقية باريس للمناخ" لعام 2015. فبمقتضى المادة السادسة من هذه الاتفاقية، وافقت الدول على أن تعمل على إنشاء نظام عالمي جديد لتبادل التراخيص المتعلقة بغازات الدفيئة. وفي السنوات التالية، عمل المبعوثون على تصميم أداة مالية قوية من شأنها أن تترجم التعهدات الوطنية بخفض الانبعاثات إلى وحدات قابلة للمقارنة وقابلة للتبادل.
مستقبل تسعير الكربون
قال روبرت جيسكي، رئيس "مركز تحليل المناخ والطاقة" في وارسو: "إن تطبيق المادة السادسة بنجاح وفي الوقت المناسب يعتبر أمراً بالغ الأهمية في مستقبل تسعير الكربون، وغالباً ما يحتفى به على أنه ذروة المراد من التعاون الدولي في مواجهة تغير المناخ".
وينبغي أن يكون هذا الإطار مرناً بما يكفي لجذب الاستثمار، وأن يتسم أيضاً بمصداقية كافية لتجنب المشاكل التي أفشلت "آلية التنمية النظيفة".
يأمل بعض المستثمرين في أن يُفتح الباب أمام أرصدة الكربون في برنامج الأمم المتحدة الجديد حتى تُقبل في الأسواق الوطنية أو الإقليمية في جميع أنحاء العالم بفعل إطار جديد يشبه نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي.
ستضم السوق التي تشرف عليها الأمم المتحدة آلية قائمة على أساس المشاريع، بحيث تستطيع الشركات تعويض بعض الانبعاثات المتبقية والوصول بأهداف مناخية طوعية إلى صافي صفر الانبعاثات عن طريق شراء أرصدة من مبادرات خفض التلوث. وهذه المنصة الجديدة ربما تجذب إليها المستثمرين الذين يعتمدون حالياً على الأسواق الطوعية وتعمل بمثابة نموذج للمبادرات التي تتبع معايير وأطراً مختلفة للحوكمة.
الطريق إلى الأمام
توصلت الهيئة الإشرافية للسوق الجديدة في وقت سابق من شهر نوفمبر الحالي إلى اتفاق بشأن القواعد الفنية الرئيسية لتفعيل ما يسمى بآلية "المادة 6.4". أما التحدي الذي يواجه هذه السوق الآن فهو أن تتغلب الدول المشاركة في "كوب 28" في دبي على الانقسامات المتبقية وتوافق على هذه التوصيات.
وقالت رئيسة الهيئة الإشرافية أولغا غسان زادي في بيان في 18 نوفمبر: "استطعنا أن نجد طريقاً إلى الأمام يسمح لنا بالوفاء بمهمتنا ووضع برنامج عمل لمواصلة تحسين وتوسيع إطار عمل آلية الأرصدة في اتفاقية باريس".
جذبت مشاريع ائتمان الكربون الطوعية استثمارات بقيمة 36 مليار دولار بين عامي 2012 و 2022، وفقاً لبيانات شركة "تروف ريسيرش" الاستشارية (Trove Research)، التي استحوذت عليها مؤخراً شركة "إم إس سي آي" للمؤشرات المالية (MSCI). وتشير التقديرات إلى الحاجة إلى استثمارات بقيمة 90 مليار دولار أخرى لتوفير الاعتمادات المطلوبة خلال العقد الحالي حتى نتجنب تجاوز مستوى ارتفاع درجة الحرارة الحرج الذي يبلغ 1.5 درجة مئوية.
ويقول أندريا بونزاني، مدير السياسة الدولية في "الجمعية الدولية لتداول انبعاثات الكربون" (IETA) التي تروج لأسواق الكربون: "نأمل الآن في تبني هذه الاتفاقية واعتمادها في قمة (كوب 28) حتي يبدأ العمل على الجوانب الفنية في السنة المقبلة وإصدار أول أرصدة للكربون في نهاية 2024. فبدون هذه الاتفاقية، كل شيء كان سيؤجل إلى عام 2025".