قدّم تقرير "متشائم" لعلوم المناخ صدر عن الأمم المتحدة في عام 2021، بصيص أمل وسط تحذيرات من ارتفاع منسوب مياه البحار واشتداد العواصف. مفاد ما خلص إليه التقرير هو أنه بمجرد تخلص جميع البلدان من انبعاثات الغازات الدفيئة، يُرجح أن يتوقف ارتفاع درجات الحرارة بسرعة كبيرة.
قدمت هذه النتيجة حافزاً إضافياً لحملة صافي الانبعاثات الصفرية في العالم، ما يشير إلى أن ثمار جهود الدول كافة يمكن أن تظهر دون تأخير كبير. لكن الاستنتاج المشجع كان غامضاً أيضاً. فعلى الرغم من أن درجات الحرارة السطحية قد تستقر بشكل سريع، فإنه يصعب إبطاء الأجزاء المتغيرة الأخرى من المناخ بمجرد بدء تحركها. يجب على العلم أن يوفّر إجابة أفضل لهذه المسألة.
واجهت مجموعة مؤلفة من 21 عالماً من علماء الأرض هذا التحدي، حيث حلّل العلماء كيفية تغير أكثر من عشرين نظاماً مختلفاً على الأرض والبحر في عالم ما بعد الانبعاثات. كما توصلوا في استنتاجهم، الذي نشر أمس الثلاثاء في مجلة "فرونتييرز إن ساينس" (Frontiers in Science)، إلى أنه بمجرد وصول دول العالم إلى أهداف صافي الانبعاثات الصفرية، يُرجح أن تستقر درجات الحرارة العالمية عند مستوياتها. غير أن ذلك ليس مؤكداً.
الاحتباس الحراري
هناك أيضاً فرصة كبيرة لاستمرار ظاهرة الاحتباس الحراري مع الانتشار المستمر لدرجات الحرارة المرتفعة على الصعيد المناخي، كما أن هناك فرصة لأن تنخفض درجات الحرارة حول العالم بحلول الوقت الذي نصل فيه إلى صافي الانبعاثات الصفرية، نظراً لأن درجات الحرارة المرتفعة بدأت بالانتشار فعلاً في النظام البيئي.
قالت صوفيا بالازو كورنر، طالبة الدكتوراه في مركز السياسة البيئية في "إمبريال كوليدج" (Imperial College) والمؤلفة الرئيسية لهذه الدراسة: "قد تكون هناك بعض التفاصيل الدقيقة حول زمان انخفاض الانبعاثات الصفرية ومكان تراجع ذروة الاحتباس الحراري". وأضافت: "يجب استخدام ذلك للمساعدة في اتخاذ قرارات صائبة بشأن التكيف مع التغير المناخي والتخفيف من آثاره، إذا كنت تهدف إلى إبقاء الحرارة دون درجة معينة ولم تأخذ في الاعتبار احتمال ارتفاع معدل الاحترار".
بعبارة أخرى، فإن حالات عدم اليقين هي في حد ذاتها حجة للحد من الانبعاثات في أسرع وقت ممكن. وإذا كان يُتوقع لأي احترار أن يتبع نهاية الانبعاثات واسعة النطاق، فذلك يعني أن الدول ستحتاج إلى تسريع خططها وتضافر جهودها لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.
ارتفاع درجة حرارة المحيط
قال زيك هاوسفاذر، الباحث في "بيركلي إيرث" (Berkeley Earth) الذي لم يشارك في الدراسة: "يعتبر المناخ نظاماً معقداً للغاية، حيث تصعب معرفة كيفية استجابته لمثل هذه التغييرات". وأضاف: "ما هو رائع حقاً في هذه الدراسة مدى تحفيزها لجميع الآليات المختلفة التي قد تؤثر على التغير في درجة الحرارة العالمية بعد الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية".
يُعتبر توازن الحرارة بين المحيط والغلاف الجوي من بين العوامل المعقدة، إذ يمتص المحيط أكثر من 90% من حرارة الكوكب الإضافية، والتي تشق طريقها إلى المياه العميقة. حتى لو تم الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية، فقد يستمر ارتفاع درجة حرارة المحيط مع انتقال الحرارة من سطح المياه إلى أعماقه. وظاهرة الاحترار المستمرة تقاوم تبريد الغلاف الجوي.
قال هاوسفاذر: "لكننا لا نفهم كل من هذه الأنظمة بشكل كامل، ولذا قد لا يلغي بعضها بعضاً بالكامل".. من هنا تظهر حالات عدم اليقين، بالإضافة إلى جميع التعليقات المختلفة التي تناقشها ورقة البحث".
تغير المناخ
تعترف الدراسة بأن العالم أكثر فوضى من البساطة التي ينطوي عليها سؤال "ماذا يحدث بعد صافي الانبعاثات الصفرية؟". وتظهر المخاطر أيضاً حول التربة الجليدية وتفاعلات الغطاء الجليدي للمحيطات وانبعاثات الميثان في الأراضي الرطبة، من بين أمثلة أخرى. يُرجح أيضاً أن يكون خفض الانبعاثات تدريجياً، وستستمر آثار الانبعاثات لعقود إن لم يكن لقرون. بغض النظر عن درجة الحرارة، ستستمر تأثيرات الاحترار العالمي على الجوانب الأخرى لأنظمة الأرض لفترة طويلة بعد تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية.
قالت بالازو كورنر: "حتى في عالم يسعى إلى استقرار درجة حرارته العالمية، نتوقع أن نشهد ارتفاعاً مستمراً في مستوى سطح البحر، وتغيرات في النظام البيئي، وتغيرات في رسم خرائط الغطاء الجليدي، واستمرار ارتفاع درجة حرارة المحيطات وتحمض مياه المحيطات".
بسبب حالات عدم اليقين التي تحددها الدراسة، يمكن اعتبار صافي الانبعاثات الصفرية علامة فارقة أكثر من كونه وجهة نهائية، وفقاً لديكلان فيني، وهو زميل باحث في فيزياء السحب في جامعة "ليدز" (Leeds)، والذي قال: "من المفيد أن تكون قد حددت بوضوح صافي الصفر كنقطة مرور، وليس كخط نهاية". وأضاف: "لن يتوقف تغير المناخ عندما نصل إلى صافي الانبعاثات الصفرية".