منذ اخترع الأخوان أورفيل وويلبر رايت الطائرة في 1903، بقي جانب واحد من الطيران بلا تغيير. فبخلاف التطور في التصميم وتحسين قدرات المحرك، هناك عامل مشترك بين كل الطائرات الحديثة تقريباً؛ وهو أنها تعمل بالوقود القابل للاشتعال.
غير أن ذلك الأمر قد يتغير. فكما بدأت المركبات الكهربائية بإحداث تغيير جذري في قيادة السيارات، تتطلع مجموعة من الشركات الناشئة حالياً إلى استخدام الكهرباء في النقل الجوي.
من هذه الشركات، "بيتا تكنولوجيز" (Beta Technologies)، إذ توجهت طائرتها الكهربائية التي صُممت بجناحين ثابتين وقادرة على الإقلاع والهبوط عمودياً، من مقرها الرئيسي في فيرمونت إلى قاعدة "إغلين" الجوية في فلوريدا. بلغت مسافة الرحلة 2780 كيلومتراً (1730 ميلاً)، وتُعد أول منتج تسلمه الشركة إلى القوات الجوية الأميركية، التي ستجري اختبارات قاسية على طائرات "بيتا".
"جوبي أفييشن" (Joby Aviation) ومقرها في سانتا كروز، بكاليفورنيا، سلّمت أيضاً تاكسي طائراً كهربائياً بالكامل إلى قاعدة إدواردز الجوية في سبتمبر الماضي. ويتسع كل تاكسي لطيار و4 ركاب.
في غضون ذلك، أجرت "إيفييشن إيركرافت" (Eviation Aircraft) ومقرها في أرلينغتون، واشنطن، رحلة تجريبية لطائرة ركاب بـ9 مقاعد، أطلقت عليها اسم "أليس" (Alice). وقالت الشركة إنها تلقت نحو 300 طلبية لطائرات "أليس" بإجمالي يتجاوز ملياري دولار، في أواخر 2022.
اقرأ أيضاً: عجز التمويل العالمي للتكيف مع تغير المناخ زاد 50%
وفيما يواجه قطاع الطيران ضغطاً لخفض الانبعاثات، من المتوقع ارتافع عدد البدائل الكهربائية. تشارك 60 شركة على الأقل في الفترة الحالية في عمليات البحث والتطوير في مجال الطائرات الكهربائية ثابتة الجناحين، بحسب "بلومبرغ إن إي إف".
وتقدّر شركة "رولاند برغر" (Roland Berger) الاستشارية أن هناك 100 برنامج للطائرات الكهربائية قيد التطوير في أنحاء العالم.
لكن لا تزال هناك عقبات كبرى أمام هذه التكنولوجيا المرشحة للانتشار، ومنها محدودية قدرات البطاريات، والتسعير المميز، والموافقة التنظيمية. وبينما بدأت الجهات التنظيمية بإصدار موافقات أوليّة، تظل معظم هذه المشروعات في المرحلة التجريبية. يُذكر أن أكثر من 30 دولة وافقت على استخدام طائرة كهربائية تتسع لراكبين أنتجتها شركة "بيبي ستريل" (Pipistrel) السلوفاكية الناشئة في تدريب الطيارين.
في السطور التالية إليك ما يجب معرفته عن الجيل الجديد من الطائرات:
لماذا التحول إلى الطائرات الكهربائية؟
يسبب النقل الجوي الحديث كثيراً من التلوث، فقطاع الطيران مسؤول عن نحو 800 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنوياً، بحسب "وكالة الطاقة الدولية". وهذا الحجم يعادل الانبعاثات السنوية الناتجة عن ألمانيا. ويُتوقع أن تزيد البصمة الكربونية للقطاع مع ارتفاع الطلب على النقل الجوي، إذ تكهنت "منظمة الطيران المدني الدولي" (ICAO)، المدعومة من الأمم المتحدة، بزيادة انبعاثات الطيران الناتجة عن الرحلات الجوية الدولية وحدها بأكثر من الضعف ما بين 2015 و2050.
اقرأ أيضاً: شركات التأمين تدعم صناعة النفط والغاز رغم التهديدات المناخية
ولتخفيف تداعيات الطيران على المناخ، يبحث القطاع عن حلول، مثل أنواع الوقود الحيوي من الإيثانول المستخرج من الذرة، والطائرات التي تعمل بالهيدروجين. لكن إمدادات الوقود النفاث الأقل إنتاجاً للانبعاثات تواجه أزماتها الخاصة، ما يجعل الطائرات الكهربائية سوقاً تحفل بفرص النمو.
مَن يطوّر الطائرات الكهربائية؟
فضلاً عن عشرات الشركات الناشئة، تستثمر شركات طيران عديدة في الطائرات الكهربائية، من "يونايتد إيرلاينز" في الولايات المتحدة إلى "فيرجين أتلانتيك" (Virgin Atlantic) في المملكة المتحدة و"جابان إيرلاينز" في اليابان، كما تعهدت بعض الشركات أيضاً بإضافة طائرات كهربائية إلى أساطيلها التجارية، ما دامت تستوفي معايير السلامة والتشغيل.
على المستوى العالمي، يُتوقع أن يبلغ حجم سوق الطائرات الكهربائية 37.2 مليار دولار في 2030، وفقاً لشركة "ماركتس أند ماركتس" (MarketsandMarkets) لبحوث السوق، ما يتجاوز 4 أضعاف حجم 8.8 مليار دولار الذي جرى توقعه في 2022.
بعد أن أغرتها تلك التوقعات، تدخل الشركات الناشئة بالإضافة إلى كبار المُصنعين، المجال. وبدأت "إيرباص"، أكبر مُصنعة طائرات في العالم، مسيرة التحول إلى الكهرباء في 2010 بطائرة للاستعراض الجوي مزودة بأربعة محركات. منذ ذلك الوقت، طورت الشركة عدة طرازات أخرى. كما طرحت شركات ناشئة، مثل "هارت إيروسبيس" (Heart Aerospace) في السويد، و"إكس بنغ موتورز" (Xpeng Motors) في الصين، و"ريجينت كرافت" في الولايات المتحدة، أيضاً نماذج أولية كهربائية.
اقرأ أيضاً: الصين تضع خطة لتخفيض انبعاثات غاز الميثان
لا يحتاج تشغيل طائرة ببطاريات قابلة لإعادة الشحن تحديثات كبيرة على البنية التحتية، بحسب ريان إسلام، الشريك المؤسس في "8090 إندستريز" (8090 Industries)، وهي شركة رأس مال جريء تموّل مشروعات الطائرات منخفضة الانبعاثات.
يمثل ذلك خياراً جذاباً لشركات الطيران، كما أن الطائرات الكهربائية تنتج ضوضاء أقل من نظيرتها التي تعمل بمحرك الاشتعال الداخلي.
لكن وزن الجيل الحالي من البطاريات وسعتها تعني أن الطائرات الكهربائية مجرد حلم سهل المنال في الرحلات القصيرة، بحسب إسلام، الذي أضاف أن تكنولوجيا البطاريات الموجودة، حال توفرها بسعر مناسب، يمكنها "منافسة الوضع الراهن" في الرحلات الجوية التي تقل مسافتها عن 483 كيلومتراً (300 ميل).
ما الوضع الراهن للطائرات الكهربائية؟
يضم القطاع الطائرات التي تعمل حصراً بالبطاريات وتلك التي تعمل بالدفع الكهربائي الهجين. "أمبير" (Ampaire Inc.)، هي شركة ناشئة تطوّر الحلول الهجينة، ومقرها في لوس أنجلوس، وحولت طائرة صغيرة من طراز "سسنا" (Cessna) إلى طراز هجين. وبذلك، ستنخفض الانبعاثات بأكثر من 70%، وفقاً لحسابات الشركة، التي تأمل في الحصول على موافقة الجهات التنظيمية للقيام برحلات تجارية في الولايات المتحدة خلال العام المقبل.
اقرأ أيضاً: "أستراليا" تعاني لتحقيق أهدافها الزراعية وسط فوضى مناخية
كما وضعت بعض شركات طيران أيضاً مواعيد محددة لرحلات الركاب على متن طائرات كهربائية. ففي يونيو الماضي، أعلنت "يونايتد إيرلاينز" أن المسافرين جواً من خليج سان فرانسيسكو سيتمكنون من استخدام خدمة التاكسي الطائر الكهربائي بالكامل بحلول 2026. كما تعتزم شركة "إير كندا" (Air Canada) تقديم خدمة الطائرات الكهربائية للعملاء المحليين بدءاً من 2028، واشترت من "هارت إيروسبيس" 30 طائرة كهربائية يمكنها الطيران لمسافة 200 كيلومتر (124 ميلاً) بشحنَة واحدة.
في الفترة الحالية، تركز أغلب شركات صناعة الطائرات الكهربائية، التي اقتربت من مرحلة التشغيل، اهتمامها على الرحلات القصيرة، إذ يستهدف العديد منها خدمات التاكسي الطائر أو نقل الركاب في المدن، والتي عادةً ما تتنقل بين مراكز إقليمية، مثل سان فرانسيسكو ولوس أنجلوس، أو بوسطن ونيويورك.
ما العقبات أمام زيادة الإنتاج؟
حالياً، يُعد أي سفر في الطائرات الكهربائية بمثابة فكرة قيد التطوير أكثر منها واقعاً. ولسد تلك الفجوة، سيتعين على شركات القطاع التغلب على العقبات التنظيمية، والتكنولوجية، والسعر في نهاية المطاف.
العقبات التنظيمية: يجب أن توافق الجهات التنظيمية قبل أن يتمكن أي عميل من دخول طائرة كهربائية خارج البيئة التجريبية. في الولايات المتحدة، حددت إدارة الطيران الفيدرالية في الآونة الأخيرة إجراءات للسماح ببدء النشاط التجاري للطائرات الكهربائية بأمان في موقع واحد على الأقل بحلول 2028. وصدرت للشركات تراخيص خاصة لاختبار النماذج الأوليّة، لكن الترخيص لا يزال عملية تستغرق وقتاً طويلاً وتستنزف الكثير من رأس المال.
تبحث بعض الشركات الناشئة، ومنها "أمبير" و"ريجينت كرافت"، عن طرق لتجاوز تلك العقبة. وبتحويل طائرة تقليدية معتمدة إلى هجينة، تمكنت "أمبير" من طلب الترخيص بشكل أسرع. اعترضت "ريجينت" أيضاً على استحواذ إدارة الطيران الفيدرالية على قرار الموافقة التجارية على طائرتها الشراعية الكهربائية بسعة 12 راكباً، مشيرة إلى أن المركبات البحرية تخضع عادة لرقابة خفر السواحل الأميركي.
العقبات التكنولوجية: يعمل المهندسون على تطوير البنية الكيمائية لإنتاج بطاريات أكثر قوة، قادرة على تشغيل طائرات أكبر حجماً، وقطع مسافة كافية لإحراز تقدم ملحوظ في النقل الجوي التجاري. فالحد من انبعاثات الكربون الناجمة عن الرحلات الجوية للركاب، والرحلات الإقليمية والقصيرة، لن يسبب إلا خفض تأثير الطيران على المناخ بمقدار الربع تقريباً، بحسب البيانات الصادرة عن شركتي "يو بي بارتنرز" (UP.Partners) و"واي بوينت" (Waypoint)؛ إذ إن الرحلات الجوية الطويلة والمتوسطة، أي التي تستغرق أكثر من ساعتين، مسؤولة عن نحو 73% من انبعاثات قطاع الطيران.
اقرأ أيضاً: مفاوضو المناخ في أبوظبي يطلقون صندوقاً للدول الهشة.. والأخيرة تصفه بالحساب الفارغ
ربما تواجه البطاريات الأكثر قدرة تحديات، فبينما يتزايد إقبال العالم على المركبات الكهربائية، تحتدم المنافسة على إمدادات بطاريات الليثيوم والمواد الخام المستخدمة في تصنيعها؛ إذ عانت شركات السيارات في الأعوام الماضية من الأسعار المرتفعة والنقص المستمر في الإمدادات، ومع سعي مُصنعي الطائرات الكهربائية إلى توفير مكونات الإنتاج، فقد تتفاقم الأزمات، بحسب إسلام.
العقبات السعرية: بالنسبة للشركات التي تشتري أو تصنّع الطائرات، لا تزال الجوانب الاقتصادية للتحول إلى الطائرات الكهربائية محل شك. كشف عدد قليل من المُصنعين عن الأسعار، ولم تتحدث أي شركة طيران علناً عما إذا كان هناك فرق في الأسعار سيصاحب استخدام الطائرات الكهربائية. ويرجح إسلام أن أوائل من تبنوا التكنولوجيا هم أثرياء يسافرون على متن طائرات نفاثة صغيرة، أو مستأجرة، أو مروحيات.
هل يوجد وقود مستدام للطائرات؟
فيما تسعى شركات الطيران إلى خفض الانبعاثات، ظهر وقود الطائرات المستدام، وهو مصطلح شامل يُطلق على بدائل الكيروسين المستخرج من الوقود الأحفوري، بصفته بديلاً أكثر مراعاة للبيئة عن الوقود النفاث التقليدي.
يمكن استخراج هذا الوقود المستدام من الكتلة الحيوية، مثل الذرة، أو صنعه باعتباره وقوداً اصطناعياً باستخدام الكهرباء والماء وثاني أكسيد الكربون.
على سبيل المثال، قالت شركة "لوفتهانزا" الألمانية إن الانبعاثات الناتجة عن وقود الطائرات المستدام الذي تستخدمه، وهو مصنوع من زيت الطهي المستعمل ومخلفات حيوية المنشأ، أقل بنسبة 80% عن تلك الناتجة عن الكيروسين النفاث التقليدي طوال دورة حياته.
تحث الحكومات شركات الطيران على التحول إلى وقود الطائرات المستدام؛ إذ يريد الاتحاد الأوروبي أن يضم كل وقود الطائرات 2% من الوقود المستدام بدءاً من 2025، فيما تسعى اليابان إلى أن يحل محل 10% من الوقود الذي تستخدمه شركات الطيران المحلية بحلول 2030.
لكن سعر الوقود باهظ، إذ قالت "لوفتهانزا" إن سعره أعلى من الوقود النفاث العادي ما بين 3 إلى 5 أضعاف، في وقت أن الموردين لا يمكنهم مواكبة الطلب، فالإنتاج الحالي للوقود المستدام يمثل 0.1% فقط من استخدام الوقود النفاث.