اضطراب الأجواء عادةً ما ينعش قطاع طاقة الرياح، لكن الشركات التي تسعى لتوليد الكهرباء من عنفات (مراوح) الهواء هذا العام، تتأهب لمواجهة عاصفة عصيبة.
أعلنت "سيمنز إنرجي" (Siemens Energy) الخميس الماضي، أنها تسعى لدعم من حكومة ألمانيا في ضمان قروض تسعى لها كي تفوز بعقود، فتدهور سعر سهمها بنسبة 35%. بلغ بذلك إجمالي تراجع السهم 68% منذ أواخر يونيو، حين بيّنت صانعة توربينات الرياح والغاز أنها تتوقع خسارة قدرها 4.5 مليار يورو (4.8 مليار دولار) هذا العام، جزء منها بسبب منتجات معطوبة من تابعتها للطاقة المتجددة "غاميسا" (Gamesa).
"سيمنز إنرجي" ليست وحيدةً في مواجهة مثل تلك الأحداث، إذ أعلنت "شينجيانغ غولدويند ساينس أند تكنولوجي" (Xinjiang Goldwind Science & Technology)، وهي أكبر شركة لتصنيع التوربينات، في اليوم التالي أن أرباح الفصل الثالث هوت 98%. كما قالت شركة "جنرال إلكتريك" يوم الأربعاء، إن إجمالي خسائرها من وحدة طاقة الرياح في 2023 و2024 سيبلغ نحو ملياري دولار.
عاصفة شديدة
تتراكم المشكلات منذ نحو عامين، فقد تراجعت وتيرة نمو تركيب توربينات الرياح العام الماضي للمرة الأولى منذ 2018، ولم تقدم أي جهة عروضاً لتوليد الكهرباء اعتماداً على طاقة الرياح البحرية في أحدث جولة عطاءات لمزارع الرياح في بريطانيا خلال سبتمبر.
كما رفضت الجهات المنظمة في نيويورك خلال أكتوبر، طلب شركات لتعديل عقود مشاريع توليد أربعة غيغاواط من عنفات قبالة ساحل لونغ آيلاند بهدف مواجهة ارتفاع التكاليف. تتوقع "بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس" الآن أن تبلغ قدرة طاقة الرياح البحرية في الولايات المتحدة 16.4 غيغاواط فقط بحلول نهاية العقد، وهو ما يفوق بقليل نصف مستهدف إدارة الرئيس جو بايدن البالغ 30 غيغاواط.
اقرأ أيضاً: "الرياح" تعصف بأرباح "سيمنز" الفصلية وتكبدها 5 مليارات دولار
كان التعافي المؤلم من جائحة كورونا أشبه بعاصفة شديدة على قطاع طاقة الرياح، خصوصاً أن أغلب الإنفاق على الطاقة المتجددة يكون استباقياً، وهذا يعني أن القطاع شديد التأثر بتكاليف الاقتراض.
نتيجة لذلك، فإن القطاع يزدهر حين تكون سوق السندات صاعدة لفترات مطولة، مثلما كان الحال حين خفض الإقبال على السندات أسعار الفائدة، لكنه تلقى لطمة عندما تراجعت أسواق الائتمان منذ 2020. يمكن لارتفاع بقدر 3.2 نقطة مئوية في تكلفة رأس المال أن يرفع سعر الطاقة المستجرة من الرياح البحرية في ألمانيا بنسبة 26%.
كما أن سنوات من الاضطراب في سلاسل الإمداد جعلت تكلفة المواد ترتفع. في العام الماضي، بلغت تكلفة الصفيحة الفولاذية التي تُصنع منها أبراج التوربينات نحو ثلاثة أمثال مستوى 600 يورو للطن، الذي ساد خلال السنوات الأخيرة، أما الآن فسعره 795 يورو للطن. سعر النحاس فاق بنحو الثلث مستوياته في سوق المعادن بين 2013 و2020.
خطط جديدة
كانت الحكومات، التي تدعم تطوير صناعة الطاقة المتجددة، بطيئةً في تقبّل التغير في الأحوال. وكثيراً ما أدى تراجع أسعار طاقة الرياح والطاقة الشمسية على مدى العقد الماضي لاعتبار القطاعين، حتى بين أنصارهما، صناعة يُعتبر انخفاض التكاليف فيها قاعدة.
لكن الواضح أن الحال ليس كذلك. على النقيض من الطاقة الشمسية حيث تشهد الشبكات تحولاً بفضل الطاقة المولّدة على أسطح منازل المستهلكين، فإن طاقة الرياح تعتمد على أعمال هندسية ضخمة لا تتراجع تكلفتها حتمياً كما في حالة منتجات الصناعات التحويلية.
في الواقع، إن علاوة الخبرة في مجالي البناء والهندسة ترتفع حالياً، مع التحول عن طواحين الهواء الصغيرة نسبياً التي تولّد كل منها نحو اثنين ميغاواط إلى أخرى عملاقة تُنتج 14 ميغاواط أو أكثر، وتقارب أطوالها طول برج أيفل من طرف أعلى جوانح عنفاتها وحتى قاعدتها.
رحب القطاع بخطط العمل التي وضعها الاتحاد الأوروبي وولاية نيويورك خلال الأسابيع الأخيرة، وانطلق مسلسل صعود في أسهم شركات القطاع، لكن يُستبعد أن تكون الإجراءات كافية لطي هذه الصفحة.
اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يتصدي للصين بتعزيز حماية طاقة الرياح
عوضاً عن ذلك، يتم إعداد مقترح في أوروبا لتبسيط عملية منح التصاريح بشكل أكبر، بفرض قواعد إضافية على الأمن السيبراني، والحيلولة دون أن يكون معيار الحصول على العطاءات، القيمة الأفضل فقط. تُصور الشروط المتعلقة بالمدفوعات المؤجلة والأسعار الأقل التي تقدمها الشركات الصينية على أنها مشكلة ينبغي التخلص منها، وليس ميزة تنافسية يجب مضاهاتها.
لن يحل ذلك المشكلة، خصوصاً أن أفضل وسيلة لمساعدة صانعي التوربينات في أوروبا هي إتاحة سلسلة حيوية متواصلة من المشاريع كي يبيعوها منتجاتهم، وذلك من خلال تبسيط الإجراءات للمطوّرين، وهو أمر تُقدّم خطة بروكسل كثيراً من الوعود وقدراً يسيراً من اليقين بشأنه. هذه العوامل من شأنها تشجيع الاستثمار في سلسلة الإمداد بأكملها، وتعزيز الكفاءة، وإعادة تشغيل الحلقة الإيجابية بحيث تقل تكلفة توليد طاقة الرياح، لأن وتيرة نموها تتسارع، وتكلفتها تقل.
بارقة أمل
ما تزال هناك أسباب للأمل بأن وضع القطاع سيتحسن. وسط كل هذه الأخبار السيئة، ظهرت علامات خلال الأسبوع الماضي على أن سوق السندات الهابطة ربما تكون تشارف على نهايتها. كما حددت "جنرال إلكتريك" موعداً لفصل وحدة الطاقة لديها، وهو ما خططت له منذ فترة طويلة، في ما يمثل علامة على أن شهية مستثمري الأسهم لأسهم شركات طاقة الرياح ليست مشبعة بالكامل.
اقرأ أيضاً: زيادة الطلب تدفع لإنتاج توربينات رياح عملاقة أكبر حجماً
يعني ارتفاع تكاليف الغاز والفحم والكربون أن طاقة الرياح ما تزال تبدو تنافسيةً من الناحية الاقتصادية، بل إنها كذلك أكثر من أي وقت مضى. عادةً ما تكون طاقة الرياح أكثر توافراً حين يصبح توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية ضعيفاً، أي خلال فترات الليل وفي الشتاء. ورغم تكاليفها المتوقعة على المدى الطويل ومعدل استغلالها الأعلى، فإن حتى العطاءات الأعلى ثمناً يُرجّح أن تخفض فواتير المستهلكين عبر استبعاد الوقود الأحفوري باهظ التكلفة من معادلة توليد الكهرباء.
لكن متاعب القطاع لن تُحل دون جهود متضافرة، فالخطر الذي ينطوي عليه الوضع الحالي هو أن قطاع بأكمله يشارف على الزوال بسبب الإهمال. يحتاج قطاع طاقة الرياح لإشارة إلى أن الحكومات ستفي بتعهداتها لتوليد الكهرباء بالطاقة النظيفة بالسعر الذي تحتاجه السوق أياً كان، وستتخلص من البيروقراطية التي تعيق تحقيق ذلك الهدف.