أنا بصدد انتقاء فرن جديد، وقد وجدت أن المنتجين عادةً ما يرفقون بالأجهزة الكهربائية شهادات لتصنيف الكفاءة تضم بيانات حول وسطي استهلاك الكهرباء، تماماً مثل الشهادة التي تبين كفاءة استهلاك الطاقة في الشقة التي نعمل أنا وشريكي على شرائها. تشترط الحكومة إصدار شهادات كتلك للعقارات والممتلكات، حيث باتت تلك البيانات ضرورية مع تطلع الناس لخفض فواتيرهم وتأثير استهلاكهم على البيئة.
يساهم إنتاج الغذاء بنحو ثلث انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم، وسيكون واحداً من القطاعات التي يصعب أن تحقق الحياد الكربوني. ستكون التقنيات الجديدة مهمة، لكن، كما كتبت من قبل، ستصبح المهمة أسهل بكثير إن ابتعد الناس عن الأطعمة الأكثر إيذاءً للبيئة، خاصة اللحوم ومنتجات الألبان.
أطلقت مجموعة "أوتلي" (Oatly)، منتجة الحليب المستخلص من الشوفان وغيره من بدائل الألبان، حملة تهدف للفت الانتباه إلى طريقة تُحفز هذا التغيير في النظام الغذائي بتكلفة منخفضة وهي التصنيف المناخي. تدور الفكرة حول إعلان جميع شركات الأغذية والمشروبات عن حجم بصماتها الكربونية بوضوح عبر ملصقات على غرار شهادات تقييم كفاءة الأفران والبيانات الغذائية التي تجدونها على عبوات الطعام.
تعرض شركة الأغذية السويدية البصمة الكربونية لمنتجاتها عبر ملصقات على العبوات في بريطانيا منذ 2019، وتسعى حالياً لإطلاق حوار عالمي حول ما يجب أن يكون عليه نظام التصنيف المناخي. كما تحذو شركات مثل "تينزينغ" (Tenzing) و"كورن" (Quorn) حذو الشركة السويدية، وقد شرعتا بوضع تصنيف منتجاتهما المناخي على العبوات، غير أنها ما تزال ممارسة نادرة ولا تخضع لنهج موحد.
إنفوغراف.. حليب البقر ثاني أكبر منتجات الغذاء الحيواني إصداراً للانبعاثات
من جانبهم، يستكشف صُنّاع السياسات مفهوم التصنيف المناخي أيضاً، حيث تعكف مبادرة "شراكة شفافية بيانات الأغذية" (FDTP)، التي أطلقتها حكومة بريطانيا، على وضع منهجية إلزامية للتصنيف البيئي الطوعي للأغذية من بين أهداف أخرى. إنها بداية جيدة.
أؤمن بأنه يحق للمستهلكين الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات حول المنتجات التي يشترونها، ولكن يجب تقديم تلك المعلومات بطريقة مفيدة. لنأخذ، على سبيل المثال، معلومات البصمة الكربونية على الجزء الخلفي من علبة "أوتلي" الكرتونية في ثلاجتي. لقد فوجئت بالرقم وحده، حيث يُنتج كل كيلوغرام من المشروب المستخلص من الشوفان 0.49 كيلوغرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون. أثار ذلك بداخلى مزيداً من التساؤلات: كيف يُقارَن ذلك بالبصمة الكربونية لمنتجات الألبان أو البدائل النباتية الأخرى؟
التصنيف المناخي
حالياً، حتى لو وضعت إحدى الشركات المنافسة ملصقاً يوضح تصنيف منتجاتها مناخياً، فليس هناك ما يضمن أنها تقيس نفس العناصر. إن عمل مبادرة "شراكة شفافية بيانات الأغذية" لوضع منهجية موحدة حلاً لهذه المشكلة، لكنه لن يوفر السياق لذلك.
أيضاً، سيكون لتقييمات البصمة الكربونية، مثل شهادات أداء الطاقة والمعلومات الغذائية، جدوى حقيقية فقط إن كان بإمكانك مقارنتها بمجموعات بيانات النظراء. الأمر الذي يعني أن تصنيف الأثر المناخي ينبغي أن يكون إلزامياً.
ثم تأتي أهمية صياغة وتصميم التصنيف. سيكون تحديد قيمة مطلقة، كما تطالب "أوتلي"، هو الأفضل من حيث القابلية للمقارنة. لكن سيتعين إقران ذلك التصنيف بتصميم يضفي عليه طابعاً مميزاً ويجعل فهمه يسيراً. بالنهاية، إن لم يكن ملفتاً، فوجوده وعدمه سواء.
على سبيل المثال، تعتمد شهادات أداء الطاقة مجموعة رموز ملونة، فيما تعرض شركات المنتجات الغذائية محتوى السكر والدهون أحياناً باستخدام نظام يشبه إشارات المرور. يتيح لنا ذلك فهم مدى جودة أداء المنتج فور قراءة البيانات. بالمثل، يعرف الجميع تقريباً عدد السعرات الحرارية المفترض تناولها يومياً، لكن ليس هناك ما يقترح كمية الانبعاثات الكربونية التي ترتبط بما نتناوله في اليوم الواحد.
ضريبة على البرغر قد تنقذ الكوكب
أوضح استبيان من الشركة السويدية لآراء المستهلكين في بريطانيا وجود دعمٍ جماهيريٍ واسع النطاق للتصنيف المناخي، حيث أيد 62% من المشاركين وضع سياسة للإعلان عن البصمة الكربونية عبر ملصقات منتجات الأغذية والمشروبات، بينما قال 59% إنهم سيقللون استهلاكهم للأطعمة الأكثر إيذاءً للبيئة. يبدو ذلك واعداً، لكن ربما يرغب صناع السياسات في التعلم من تجربة العالم في التعامل مع السكر.
في إطار مكافحة السمنة، تضع البلدان في جميع أنحاء العالم ملصقات توضح مدى توافق المنتجات مع المعايير الصحية باستخدام ألوان إشارات المرور. لكن الدراسات فشلت في العثور على دليل يفيد أن وضع التصنيفات أثر على عادات المتسوقين الشرائية، ما يجعلني أتخوف من تكرار التجربة مع ملصقات البصمة الكربونية.
ضرائب الكربون
ليس بوسع المتسوق العادي أن يفعل الكثير ليضيق البصمة الكربونية للمنتجات الغذائية في مواجهة فيض المعلومات واحتمالات تضارب الأولويات، بدءاً من الولاء لعلامة تجارية والذوق إلى القيم الغذائية والأسعار؛ بغض النظر عن مدى حسن نواياه.
لكن طريقة واحدة نجحت في الحد من استهلاك السكر وهي الضرائب.
فقد فرضت أكثر من 50 دولة ضرائب على المشروبات المحلاة بالسكر، وأظهرت دراسات من المكسيك وبريطانيا وجنوب أفريقيا أن تلك الضرائب خفضت الطلب على تلك المشروبات، كما أعيدت صياغة المكونات الغذائية في تركيبات المشروبات لتقليل مستويات السكر.
من هنا، يتبين سهولة تكرار التجربة لتقليل البصمة الكربونية للمنتجات الغذائية، حيث ستدفع ملصقات الأسعار المستهلكين لتناول أطعمة أكثر مراعاة للبيئة من جهة، وتحفز الشركات لاعتماد تخفيضات أكثر طموحاً للانبعاثات الكربونية الناشئة عن عملياتهم من جهةٍ أخرى.
غير أن السياسة تشكل العائق أمام فرض ضرائب الكربون على المنتجات الغذائية، حسبما اكتشف زميلي مارك غونغلوف. فقد أدت ردة الفعل الجماهيرية العنيفة، التي جاءت اعتراضاً على التكاليف التقديرية لتطبيق سياسات الحياد الكربوني، إلى التراجع عن بعض الأهداف المناخية في بريطانيا، كما زعم رئيس الوزراء ريشي سوناك أنه قد "ألغى" ضريبة لا وجود لها على اللحوم.
إذا تعذّر فرض ضرائب الكربون على غذائنا في الوقت الحالي، فستكون ملصقات تصنيف الأثر المناخي سلاح يجدر التزامه. لكنني أرغب بأن أراها على كل شيء، وسأقتبس شعار "أوتلي" لتحفيز صانعي منتجات الألبان ليحذوا حذوها: فلترونا أرقامكم!