مَن مِن قطبي تعدين خام الحديد في أستراليا استثمر أكثر لإعداد شركات التعدين لديه لتحول الطاقة؟ هل هو أندرو فورست، داعية الطاقة الخضراء الذي حذر حديثاً من "أن نشاط الأعمال هو ما سيقتل أطفالك"؟ أم أنها جينا راينهارت، داعمة دونالد ترمب المتشبثة بصحة قناعاتها التي وصفت علم المناخ بأنه مجرد دعاية؟ كلاهما في ذلك سواء حالياً، ولك أن تصدق أو لا تصدق.
بعدما خاضت معركة للاستحواذ على حصة كبيرة في شركة التطوير "ليون تاون ريسورسز" (Liontown Resources)، يفوق الآن حجم استثمارات شركة "هانكوك بروسبكتنغ" (Hancock Prospecting)، التي تملكها راينهارت، في مواد تحول الطاقة 1.28 مليار دولار أسترالي (809 ملايين دولار أميركي)، بما في ذلك حصة قدرها 19.9% في "ليون تاون" وتدفق ثابت لرسوم الامتياز من مشروع ليثيوم منفصل.
كانت قيمة أصول وحدة الكهرباء في "فورتسكيو ميتالز غروب" (Fortescue Metals Group) التي يملكها فورست وقد وعد بتحويلها إلى واحدة من كبرى شركات الطاقة في العالم، قد بلغت 819 مليون دولار في نهاية يونيو.
يؤدي تحول الاقتصاد العالمي بعيداً عن الوقود الأحفوري إلى تكوين بعض التحالفات الغريبة. ما يزال بإمكان الرافضين لفكرة تغير المناخ، ممن يضعون نصب أعينهم الفرصة الكبرى التالية، تحقيق أرباح عن طريق إمداد ثورة التحول للطاقة الخضراء بالمواد الخام.
أما المدافعون عن البيئة القلقون بشأن صافي أرباحهم، فما يزال ممكناً أن يواجهوا صعوبة في تحقيق أحلامهم إلى واقع حقيقي. الثابت الوحيد هو أنه بغض النظر عن البيانات العامة، فإن إجمالي المبلغ الذي يُخصص لتحويل أنظمة شبكات الكهرباء للعمل بالطاقة النظيفة آخذ في الارتفاع.
لا يمكن لتباين في المواقف السياسية التي تبنّاها كل من المليارديرين في أغلب القضايا أن يكون أجلى مما هو عليه. لقد تبنّى فورست مجموعة كبيرة من القضايا الليبرالية، بما فيها التلوث البلاستيكي والعبودية الحديثة وقضايا الجنسين والمثليين إلى جانب تحول الطاقة. أما راينهارت، فقد كانت ممولة رئيسية لـ"إنستيتيوت أوف بابليك أفيرز" (Institute of Public Affairs)، وهو مركز أبحاث يشن حملات اعتراضاً على علم المناخ والتعليم التقدمي والاستفتاء الحديث الذي أجرته أستراليا على هيئة لتمثيل سكانها الأصليين.
تنافس الأثرياء
يأتي كل من فورست وراينهارت من بيرث، العاصمة الغنية لولاية غرب أستراليا التي تكثر فيها المناجم والتي ما تزال تعطي انطباعاً في بعض الأحيان بأنها بلدة تعدين جديدة. كلاهما له جذور عائلية في تربية الماشية والخراف في بيلبارا، وهي منطقة في شمال الولاية صنعت ثروتها من المكامن الغنية بخام الحديد في الفترة التي ازدهر فيها استهلاك الصلب في الصين. تناوبا على مدى سنين على لقب أغنى شخص في أستراليا، وذلك حسب التقلبات التي شهدتها إمبراطورياتهما في قطاع التعدين.
كيف يُعقل أن شركة المليارديرة التي تنكر فكرة تغير المناخ تنخرط الآن في صراع مع نشاط ملياردير يُبشر بالطاقة الخضراء في الإنفاق على تحول الطاقة؟ أحد العوامل هو أن التخلص من الكربون ينطوي على مشقة. إن تصنيع طن من الصلب يطلق انبعاثات توازي تقريباً حجم ما ينتج من ثاني أكسيد الكربون عن حرق طن من الفحم. سيصعب خفض تلك البصمة الكربونية إلا إذا تحول عملاء "فورتسكيو" و"هانكوك" إلى عمليات تصنيع تعتمد على قدر أكبر من الطاقة النظيفة، وهي ما تزال في مراحلها الأولى.
نفوذ فورست
يُحسب لفورست أنه يستخدم نفوذه كمؤسس "فورتسكيو" وأكبر مساهم فعلي فيها لتوجيه استثماراته بحيث تتماشى مع آرائه. وافق مجلس الإدارة على خطة حجمها 6.2 مليار دولار لخفض انبعاثات التشغيل إلى الصفر بحلول 2030، دون اللجوء إلى سبل تعويض الكربون.
يأتي خُمس الكهرباء التي تستهلكها الشركة من مصادر متجددة، كما أنها تبني مزارع الطاقة الشمسية وخطوط نقل الطاقة إضافة لشاحنات وسفن ومعدات تعدين لا تُصدر انبعاثات، إلى جانب مجموعة مشاريع أخرى، بما فيها مبادرات لخفض انبعاثات مصانع الصلب الخاصة بزبائنها.
قال متحدث باسم الشركة: "قرارنا بأن نكون في الصدارة خلال أزمة المناخ يعكس التزامنا أمام المساهمين". أنفقت شركة فورست العائلية أيضاً أكثر من خمسة مليارات دولار أسترالي بشكل منفصل على مشروعات للطاقة المتجددة ومواد البطاريات من خلال شركتي "سكوادرون إنرجي" (Squadron Energy) و"ويلو ميتالز" (Wyloo Metals) التابعتين لها.
بمجرد إنفاق كل هذه الأموال؛ يُرجح أن تتفوق قيمة أصول "فورتسكيو" في مجال تحول الطاقة على نظيرتها في "هانكوك" مجدداً، بافتراض أن راينهارت لن تضخ استثمارات مماثلة في معادن المستقبل. رغم ذلك؛ فإن الانبعاثات إجمالاً تأخذ في الارتفاع وستستمر على هذا المنوال لثلاث سنوات أخرى، وفقاً لتوقعات الشركة. ارتفع التلوث الناتج عن التشغيل، المعروف بانبعاثات النطاقين 1 و2، بنسبة 50% بين 2018 و2023.
حتى مع أخذ حجم الإنتاج الأكبر في الاعتبار، فقد ارتفع المقياس بنحو 30% خلال هذه الفترة، من 8.2 كيلوغرام للطن الواحد في 2018 إلى 10.6 كيلوغرام للطن الواحد في 2022. كان أداء نظراء الشركة على المستوى العالمي أفضل بمساعدة من بيع استثماراتهم.
مسار راينهارت
كما أن القطاع بأكمله لا يبدو جاهزاً لعالم يحدد سعراً للكربون. إذا قسمت صافي أرباح كبريات شركات التعدين على إجمالي حجم الانبعاثات الناتج عن التشغيل وسلاسل الإمداد، فلن تجد سوى شركة "أنغلو أميركان" (Anglo American) تفوق في ذلك سعر بدلات الكربون في الاتحاد الأوروبي. إن أرباح "فورتسكيو" لكل طن من الكربون ليست أعلى بكثير من تصاريح الكربون في سوقها الرئيسية، وهي الصين، حيث ستأخذ شركات تصنيع الصلب أولى خطواتها نحو الدفع مقابل التلوث الذي تسببه بدءاً من العام المقبل.
أما مسار راينهارت فهو أبسط. كما كان حال فورست، بذلت راينهارت جهوداً لتحويل أسطول مركبات "هانكوك" ليصبح كهربياً، وهو ببساطة قرار يصب في مصلحة العمل إذ بلغ سعر الديزل مستويات قياسية. كما أن راينهارت حين استثمرت في الليثيوم، فإنها تؤدي مهمة شركة التعدين التقليدية في تحديد سلعة لها مستقبل وفي العثور على أفضل مواردها. هذه مهمة أسهل بكثير من تغيير سلسلة إمداد بمليارات الدولارات بالكامل، وهو ما يحاول فورست تحقيقه.
إرث المليارديرات
يركز المليارديرات عادةً على ما سيكون إرثهم، والإنجاز الذي يسعى فورست لتحقيقه هائل، فهو يكاد يضاهي التخلص من الكربون في صناعة المواد على المستوى العالمي. إذا نجح مسعى فورست؛ فإن راينهارت نفسها سينتهي بها الحال بتبنّي التقنيات التي تضطلع "فورتسكيو" بدور الريادة فيها.
رغم ذلك؛ فالتحديات ضخمة. تصنيفات المحللين لسهم "فورتسكيو" خلال الأشهر الأخيرة هي الأسوأ في تاريخ الشركة القائمة منذ عقدين، كما أنها أوكلت منذ أواخر أغسطس منصبي الرئيس التنفيذي والمدير المالي في وحدة المعادن، التي تدر أرباحاً طائلة، لستة مسؤولين تنفيذيين حتى الآن.
حلّت سياسة قائمة على المساواة في التنافس على الإنفاق الرأسمالي محل التزام سابق بتخصيص 10% من صافي الدخل لمشروعات تحول الطاقة، وهو ما يعني أن مخصصات الطاقة الخضراء قد تزداد أو تتراجع. لم يحدث من قبل إلا فيما ندر أن كان المسار المستقبلي أقل وضوحاً من ذلك.
على العالم أن يشكر لفورست قوة شخصيته التي تبقي تلك الطموحات على مساراتها، لكن يتعين علينا أن نرجئ إبداء رأي بشأن نجاح فورست في هذا إلى أن تتراجع انبعاثات "فورتسكيو" فعلاً.