جبال الحجر في الإمارات وعُمان غنية بـ"الزبرجد الزيتوني" القادر على إزالة الانبعاثات الكربونية

كيف يسهم تلقيح المحيطات بالمعادن في التقاط الكربون من الجو؟

الإمارات ثرية بمكامن الزبرجد الزيتوني القادر على إزالة الكربون من الجو عند نثره على الشواطئ ومياه المحيطات - المصدر: بلومبرغ
الإمارات ثرية بمكامن الزبرجد الزيتوني القادر على إزالة الكربون من الجو عند نثره على الشواطئ ومياه المحيطات - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يصل ارتفاع "جبال الحجر" إلى ما يقرب من 10 آلاف قدم (3048 متراً) فوق مستوى سطح البحر، وهي تمتد بمحاذاة ساحل سلطنة عُمان والإمارات العربية المتحدة. قد تبدو قممها ووديانها قاحلة جرداء، لكنها يمكن أن تحمل أحد مفاتيح إبطاء ظاهرة الاحتباس الحراري.

تحتضن سلسلة الجبال هذه أحد أكبر مكامن "الزبرجد الزيتوني" على مستوى العالم، وهو معدن أخضر تسعى شركة ناشئة إلى استخراجه وطحنه، لنثره على امتداد الشواطئ بهدف امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

سيحتاج العالم إلى إزالة مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون من الجو بشكل مباشر كل عام بحلول منتصف القرن الحالي، لتجنب التعرض لأسوأ تأثيرات التغيّر المناخي. وفي هذا الصدد، يبذل عدد متزايد من الشركات الناشئة جهوداً، من خلال استخدام تقنيات متنوعة تتراوح من أجهزة التقاط الكربون إلى عزل النفط الحيوي الكامن في باطن الأرض. ويتجه البعض منها إلى المحيط -الذي يمتص بالفعل حوالي ربع إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون- باعتباره حلاً محتملاً. من بين هذه الشركات، شركة "فيستا" (Vesta) ومقرها في سان فرانسيسكو.

تسعى الشركة إلى نثر الزبرجد الزيتوني على الشواطئ وفي مياه المحيط، في محاولة لتسريع قدرته الطبيعية على إزالة ثاني أكسيد الكربون.

عندما يذوب الزبرجد الزيتوني في مياه البحر، ينشأ تفاعل كيميائي يسحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء، ويحتجزه في نهاية الأمر داخل المحيط على شكل بيكربونات مذابة. تشكّل هذه العملية إحدى التقنيات المعروفة باسم التعرية الصخرية المحسّنة التي تحاول الشركات الناشئة تجربتها براً وبحراً.

تجربة في نيويورك

اختبرت "فيستا" تقنيتها على شاطئ في هامبتونز بولاية نيويورك الأميركية، ونشرت الزبرجد الزيتوني على الساحل وخلطته بالرمال. لكن طموح الشركة الناشئة كان أبعد من ذلك بالنسبة إلى مشروعها التالي، حيث ترسّخ لديها اعتقاد بأن الشرق الأوسط قد يوفر أفضل فرصة لالتقاط ثاني أكسيد الكربون بتكلفة محدودة وعلى نطاق واسع.

قال توم غرين، الرئيس التنفيذي لـ"فيستا": "نبحث عن المواقع التي تحتوي على كميات كبيرة من المعادن وظروف محيطية مناسبة. عندما تنظر إلى الشرق الأوسط، تجد أنها تضمّ كلتا القدرتين".

إزالة طن واحد من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي تتطلب حوالي طن من الزبرجد الزيتوني، مما يجعل تأمين الوصول إلى كمية هائلة من هذا المعدن أمراً بالغ الأهمية لتعزيز جهود "فيستا"، بحسب غرين. فهو يرى أن الحل الذي تقدمه "فيستا" قادر على إزالة مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً بحلول منتصف القرن. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الزبرجد الزيتوني هو أحد أكثر المعادن وفرة في العالم. ويرى أن استخراج مليار طن من الزبرجد الزيتوني اللازم للوصول إلى هذا الهدف الطموح "أمر ضخم، ولكنه ممكن"، بالنظر إلى حجم صناعات التعدين النظيرة، مثل الفحم والحجر الجيري.

قال غرين إن التحليل الذي أجرته "فيستا" أظهر أن منطقة الخليج العربي هي الموقع المثالي لنشر تقنية شركته، نظراً للطبيعة الكيميائية للمياه، وارتفاع درجة حرارتها، فضلاً عن أنواع التيارات المائية. على سبيل المثال، تعتبر مياه الخليج العربي من أكثر المياه دفئاً على مستوى العالم، مما قد يجعل مسعى "فيستا" إلى إزالة الكربون، عملية أكثر كفاءة.

ميزة في الإمارات وعُمان

قال غرين إن ترسبات الزبرجد الزيتوني في "جبال الحجر"، وشركات التعدين القائمة في عُمان والإمارات، يمكن أن تشكّل ميزة بالنسبة إلى "فيستا". كما أن المنطقة ليست حديثة العهد على صعيد المشروعات الساحلية واسعة النطاق، بما في ذلك بناء الجزر. (قوبل بعض هذه المشروعات بانتقادات من جماعات حماية البيئة، بسبب إلحاق الضرر بالتنوع البيولوجي وتآكل الخط الساحلي).

أضاف غرين: "المعدات المستخدمة لذلك هي نفسها، والتقنيات مشابهة للعمل الذي نقوم به". على الرغم من أنه رفض ذكر أسماء موردين ومشترين معينين للزبرجد الزيتوني، فإن غرين قال إن الشركة الناشئة تخطط لنشر المعدن في المنطقة خلال العامين المقبلين.

تعد الإمارات العربية المتحدة من الدول الداعمة الرئيسية لتقنيات احتجاز الكربون كحل لأزمة المناخ. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن هذه التقنيات ستتيح لها الاستمرار في ضخ النفط والغاز، باعتبارهما الدعامة الأساسية لاقتصادها. وفي هذا الصدد، تعمل شركة الطاقة الحكومية، شركة "بترول أبوظبي الوطنية" (أدنوك) على مشروع بتكلفة 900 مليون دولار، لبناء خزانات نفطية بسعة تتجاوز 40 مليون برميل في الكهوف على امتداد الجبال ذاتها، ما يمكن أن يوفر كميات هائلة من الزبرجد الزيتوني.

قال غرين، في إشارة إلى الإمارات: "من الواضح أن هناك رغبة في الاستثمار في برامج إزالة الكربون. تلقينا استفسارات من العديد من أصحاب المصلحة المحتملين، مفادها: ما هي سبل تسريع توسيع نطاق هذا الجهد؟".

جهود إماراتية حثيثة

يُتوقع أن يدفع المسؤولون الإماراتيون بقوة نحو احتجاز الكربون كحل مناخي في قمة المناخ "كوب 28" التي تنظمها الأمم المتحدة خلال نوفمبر المقبل في دبي. قال سلطان الجابر، رئيس القمة -والذي يرأس "أدنوك" أيضاً- إن دبلوماسية المناخ يجب أن تركّز على التخلص التدريجي من انبعاثات النفط والغاز، مما يترك المجال مفتوحاً أمام مواصلة الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى جانب عزل الكربون.

يتعارض هذا الموقف مع مساعي الدبلوماسيين الأوروبيين والأميركيين، وأيضاً مع أفضل الأبحاث العلمية التي تؤكد الحاجة إلى تقليص استخدام الوقود الأحفوري في العقود المقبلة لتجنب الأضرار الكارثية على المناخ. وفيما سيحتاج العالم على الأرجح إلى إزالة مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون من الهواء خلال العقود المقبلة، تشير الأبحاث إلى أن هذه الجهود يجب أن تركز على الانبعاثات العنيدة الناتجة من مصادر، مثل الصناعات الثقيلة والطيران.

تواجه صناعة إزالة الكربون عقبتين رئيسيتين، وهما التكاليف العالية، واستهلاك الطاقة. تصل تكلفة تقنيات إزالة الكربون من الغلاف الجوي إلى مئات أو حتى آلاف الدولارات للطن الواحد. تقول "فيستا" إن نهجها قد يكلف أقل من 21 دولاراً للطن، ويتطلب طاقة بمقدار 40 كيلوواط/ ساعة لإزالة طن من ثاني أكسيد الكربون، على الرغم من أن غرين رفض ذكر التكلفة الحالية لخدمات "فيستا". قدّر تقرير صدر عام 2022 عن "الأكاديمية الوطنية للعلوم" (وهي منظمة أميركية غير ربحية) أن التكلفة المحتملة لتطبيق هذه التقنيات وما يماثلها في العقود المقبلة، تتراوح من 100 دولار إلى 150 دولاراً للطن من ثاني أكسيد الكربون.

هناك أيضاً عدد من المسائل الأخرى المتعلقة بتلقيح المحيطات بالزبرجد الزيتوني، بما في ذلك الأسئلة حول مقدار المعدن الذي يمكن أن يسرّع من جهود إزالة ثاني أكسيد الكربون. في هذا السياق، يقدّر بيتر كيليمن، وهو أستاذ الكيمياء الجيولوجية في مرصد "لامونت-دوهرتي" للأرض، التابع لمدرسة كولومبيا للمناخ، بأن عملية إذابة الزبرجد الزيتوني تمتلك نصف عمر يبلغ حوالي 70 عاماً، أي ما يعني أن الأمر سيستغرق 70 عاماً حتى يذوب نصف المعدن ويزيل ثاني أكسيد الكربون بموجب هذه العملية. وأضاف أن "الشكوك كبيرة في هذا الشأن". من جانبها، تقول شركة "فيستا" إنها تستهدف نصف عمر هذه العملية والذي يتراوح بين 10 أعوام و20 عاماً، بسبب ارتفاع درجات حرارة المياه، وحركة الأمواج، ومدى صلاحية الرمال التي تضم الزبرجد الزيتوني.

صعوبة قياس التأثير

كذلك، فإن القياس الدقيق لكمية ثاني أكسيد الكربون التي تُحتجز وتُزال من الغلاف الجوي، يمثل تحدياً. نشرت "فيستا" أجهزة مخصصة في قاع البحر بموقع "هامبتونز" التجريبي لقياس عدد من المتغيرات، مثل درجة القلوية والكربون غير العضوي المذاب، والتي تفيد بأنها تسمح لها بنمذجة كمية الكربون التي تمت إزالتها.

قال ديفيد هو، الأستاذ في جامعة هاواي بقسم علوم المحيطات في مانوا: "مع وجود معدن، لا سيما عندما يُنثر فوق الشاطئ بكميات كبيرة، لا تكون لديك أي فكرة عن السرعة التي تذوب بها هذه الأشياء".

كما أن تأثير ربط السواحل بالزبرجد الزيتوني على النظم البيئية غير معروف إلى حد كبير. قد تجد الكائنات الحية التي تعيش في الرمال صعوبة في العيش وسط هذا النمط البيئي، إذ غالباً ما يحتوي الزبرجد الزيتوني على معادن سامة، مثل النيكل والكروم. قالت كيت موران، الرئيسة التنفيذية ورئيسة "أوشن نتوركس كندا" (Ocean Networks Canada)، وهي منظمة تراقب سلامة المحيطات، إنه إذا تم طحن الزبرجد الزيتوني بشكل جيد للغاية، فقد يؤثر وجوده على المخلوقات الصغيرة في أسفل السلسلة الغذائية عن طريق حجب الضوء عنها. يمكن أن تصعد إلى سطح المياه، ويتسبب ذلك في عواقب غير محسوبة. تقول موران إنه بالإضافة إلى ذلك، فإن قياس التأثير البيئي لجعل المحيط أكثر قلوية "يمثل تحدياً".

لرصد التأثير البيئي لهذا المعدن، كانت "فيستا" تقارن جودة المياه ووفرة الأنواع وتنوعها في موقع هامبتونز مع مناطق التحكم على كلا الجانبين. قال غرين إن الشركة الناشئة لم تجد حتى الآن "أي تأثير بيئي سلبي على الإطلاق" على شاطئها التجريبي. أجرت الشركة أيضاً دراسة وضعت خلالها المحار -الذي يتسبب في تراكم حيوي للمعادن الثقيلة- في كلا المنطقتين، ولم تجد فارقاً بين مجموعتي المحار.

لفت غرين إلى أن إضافة الزبرجد الزيتوني يمكن أن تكون مفيدة للمحيطات، لأنها يمكن أن تساعد في مكافحة تحول مياهها إلى وسط حمضي، والذي يهلك أنواعاً معينة من الحياة البحرية. ومع ذلك، لا يزال هناك العديد من الجوانب المجهولة حول تأثير مثل هذا التدخل البشري الكبير على النظم البيئية للمحيطات. إلا أن غرين ينظر إلى البحار على أنها وسيلة رئيسية لكبح ظاهرة الاحتباس الحراري.

قال: "لأننا مخلوقات أرضية، نحن منحازون للأرض. ولكن، في الواقع، يقدّم المحيط أكبر فرصة محتملة لإزالة الكربون".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك