أعلنت شركات صناعة السيارات الألمانية عن خطط جريئة في السنوات القليلة الماضية للتحول إلى اعتماد السيارات الكهربائية وتحدي هيمنة "تسلا" على السوق. إلا أن هذه الشركات تتخلف عن هدفها.
سلّمت تسلا 889 ألف سيارة في النصف الأول من هذا العام، متجاوزةً بذلك اجمالي السيارات الكهربائية التي باعتها "فولكس واجن" و"بي إم دبليو" و"مرسيدس بنز" و"بورشه" مجتمعة.
تواجه الشركات الألمانية تحدياً لأن مشكلات البرمجيات تؤخر إطلاق النماذج الرئيسية وتساهم في تراجع المبيعات في الصين التي تُعد أكبر أسواقها، حيث تتسابق "تسلا" وشركة "بي واي دي" المحلية الرائدة على ريادة السوق هناك. كما تلعب هذه الشركات دوراً ثانوياً في عقر دارها بألمانيا، حيث تبقى "تسلا" أفضل علامة تجارية رائدة في صناعة السيارات الكهربائية هناك. "تسلا" ترفع مدة قروض السيارات إلى 84 شهراً مع ارتفاع الفائدة
"تسلا" في الصدارة
بينما تسعى "تسلا" جاهدةً لزيادة حجم مبيعاتها مع تخفيضات حادة في أسعارها، فإنها تزيد الضغط على الشركات المصنعة العريقة التي تكافح من أجل مواكبة ذلك. ارتفعت مبيعات السيارات الكهربائية من "تسلا" بنسبة 30 نقطة مئوية أكثر من مبيعات "فولكس واجن" خلال الأشهر الثلاثة التي انتهت في يونيو، مما عزز صدارتها في السوق.
بينما تغرق الشركات الألمانية في محادثات معقدة مع النقابات حول إعادة تجهيز مواقع الإنتاج التابعة لعصر سيارات محركات الاحتراق الداخلي، تدرس "تسلا" توسيع مصنعها في ألمانيا وتستعد لبناء مصنع جديد في المكسيك.
لا تزال "تسلا" تتقدم بأميال على الشركات الألمانية في جميع الأسواق الرئيسية"، وفقاً لما قاله ماتياس شميدت، محلل سوق السيارات الذي يُقيم بالقرب من هامبورغ. مُضيفاً: "تتعرض الشركات لضغوط لزيادة حجم مبيعاتها للوصول إلى نوع وفورات الحجم اللازمة لجعل المركبات الكهربائية مربحة".
ازدهرت شركات صناعة السيارات الألمانية في الماضي لأنها أتقنت إنتاج السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل ، حيث زودتها مئات الشركات المحلية المصنعة لقطع الغيار ذات الجودة العالية بعلب التروس وحاقنات الوقود وأعمدة الكرنك. أما الآن بعد تولي البطارية الكهربائية زمام الأمور فقد تغير الأمر.
تراجع أداء الشركات الألمانية
تضيف الضغوط التضخمية وندرة العمال المهرة وارتفاع أسعار الطاقة في أكبر اقتصاد في أوروبا، إلى التحديات الهيكلية التي يفرضها تحول السيارات الكهربائية. حيث تشهد توقعات شركات صناعة السيارات الألمانية أسوأ حالاتها منذ الأزمة المالية لعام 2008، وفقاً لاستطلاع نشره معهد "إيفو" (Ifo)، الذي يقع مقره في ميونيخ، هذا الشهر.
يُشكل وضع الشركات الألمانية الضعيف في الصين أكبر تهديد لها. هيمنت "فولكس واجن" و"بي إم دبليو" و"مرسيدس" على مبيعات سيارات الاحتراق الداخلي في أكبر سوق للسيارات في العالم منذ عقود، لكنها تراجعت مؤخراً عن العلامات التجارية الصينية التي حققت نجاحاً أفضل في إنتاج سيارات كهربائية بأسعار معقولة مع التكنولوجيا والبرامج الموجهة للأذواق المحلية. خفضت "مرسيدس" أسعار سيارتها "سيدان" الكهربائية الرائدة (EQS) في الصين في أواخر العام الماضي بعد مبيعات مخيبة للآمال.
تعرضت "فولكس واجن"، على وجه الخصوص، لضغوط، حيث تفوقت مبيعات "بي واي دي" عليها في الصين خلال الربع الأول. كما تراجعت مبيعات الشركة الألمانية للسيارات الكهربائية في الصين خلال النصف الأول في سوق نمت بنسبة 20%.
حرب الأسعار
يُتوقع أن تشكل المركبات الكهربائية 90% من السوق الصينية بحلول عام 2030، ما يشكل ضغطاً على الشركات الألمانية لتسريع عروض السيارات الكهربائية الأكثر تنافسية. استبدلت "أودي" -أكبر شركة لصناعة السيارات في أوروبا- الشهر الماضي رئيسها التنفيذي سعياً إلى وقف تراجع أداء العلامة التجارية في البلاد.
سيشدد قادة السيارات الكهربائية الحاليون في الصين "قبضتهم على السوق"، كما قال محللو"إتش إس بي سي" (HSBC) في تقرير صدر هذا الشهر. "باستثناء "تسلا"، نعتقد أنها ستكون جميعها علامات تجارية للسيارات الكهربائية في الصين".
لم نفقد كل شيء. ترك إيلون ماسك نافذة مفتوحة من الفرص للذين يسعون إلى اللحاق بالركب، بعد إطلاقه آخر سيارة ركاب جديدة –الطراز واي (y)– في عام 2020. لم تعد "تسلا" تصميم الطراز 3 منذ دخوله حيز الإنتاج قبل ست سنوات، على الرغم من أن العمل جار على تطويره.
في الوقت نفسه، تبتعد "بي واي دي" عن السوق الأميركية بسبب الحواجز التجارية، وقد لا تنجو العديد من الشركات الناشئة الصينية الأصغر حجماً من حرب الأسعار في هذه الصناعة.
لا تزال الشركات الألمانية تجني أرباحاً جيدة من بيع نماذج سيارات الاحتراق الداخلي، بما في ذلك في الصين. لا تتبع "مرسيدس" و"بي إم دبليو" "تسلا" في سياسة الشرائح السعرية المتميزة، حيث لا تزال تضاعف الشركتان مبيعات السيارات الكهربائية تقريباً، على أساس سنوي.
يمكن أن تغير خطط الشركات الألمانية الهادفة إلى إدخال منصات تركز على السيارات الكهربائية في منتصف العقد تقريباً لخفض تكلفة سياراتها الكهربائية وتزويدها بتكنولوجيا جديدة، هذه الديناميكية.
التحول إلى السيارات الكهربائية
تستعد شركة "فولكس واجن" لإطلاق سيارة كهربائية مدمجة بسعر يقل عن 25 ألف يورو -سيارة بمتناول المستهلك في العصر الكهربائي- أي على بعد عامين من بدء إنتاجها للسيارات الكهربائية. عززت أكبر شركة لصناعة السيارات في أوروبا مؤخراً خطتها الخمسية للإنفاق لتصل إلى 180 مليار يورو، مع تخصيص أكثر من ثلثيها للبرمجيات والمركبات الكهربائية. تأتي سيارتها السيدان ID.7 التي ستصل إلى صالات العرض في وقت لاحق من هذا العام مع شاشة الواقع المعزز التي تنقل المعلومات إلى مجال رؤية السائق.
ستقدم "مرسيدس" نسخة كهربائية من سيارتها "سي إل إيه" (CLA) سيدان المدمجة في الولايات المتحدة العام المقبل للتنافس بشكل أفضل مع طراز 3 من "تسلا"، وفقاً لتقرير صادر عن "أوتوموتيف نيوز". كما أنها تعمل على تحويل "جي واغون G-Wagon لسيارة كهربائية.
تراهن "بي إم دبليو" على أن سيارة "Neue Klasse"، المقرر أن تصل في عام 2025، وستساعد في تسريع المبيعات. تهدف الشركة المصنعة إلى خفض تكاليف البطارية بمقدار النصف وزيادة نطاق وسرعة الشحن بنسبة 30% مقارنةً بالموديلات الحالية.
"يمكن لمنصات الجيل التالي من السيارات الكهربائية التابعة للشركات الألمانية من أن تغير بعض الميزات"، وفقاً لما قاله مايكل دين محلل "بلومبرغ إنتليجنس". مُضيفاً: "هذا هو الوقت الذي سترى فيه دفعة كبيرة منها، حتى في الصين".