قطاع تصنيع الألبسة مسؤول عن 8% من إجمالي الانبعاثات العالمية.. والملابس المرمية تمثل 22% من النفايات الخطرة

كيف تسهم الموضة السريعة والرخيصة في تلوث الكوكب؟

مجموعة من الملابس المعروضة للبيع - المصدر: بلومبرغ
مجموعة من الملابس المعروضة للبيع - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

حقق نموذج الأعمال المعروف باسم "الموضة السريعة" نجاحاً كبيراً. ينتج مصنعو الألبسة طرازات جديدة على فترات قصيرة، ويطرحونها بأسعار منخفضة للغاية، مثل قميص مقابل 5 دولارات أو بنطال جينز بسعر 20 دولاراً، ليشتري المستهلكون عدداً أكبر من القطع، حتى وإن لم يرتدوها سوى مرات قليلة. لكن هناك جانباً مظلماً: فالانتعاش في إنتاج الملابس زاد حجم انبعاثات الكربون، وفاقم الأضرار البيئية الأخرى، وخلّف كميات ضخمة من نفايات الملابس. يقول بعض المستهلكين إنهم يفضلون شراء الملابس التي ينجم عن تصنيعها ضرر أقل بالبيئة، وقد بدأت العلامات التجارية في قطاع الأزياء الذي يبلغ حجمه 1.5 تريليون دولار، التعهد بإنتاج ما يطلق عليه "الموضة المستدامة". ورغم ذلك، لا يزال مجال الموضة السريعة ينمو بلا هوادة.

1) كيف تضر الملابس بالبيئة؟

في الصين والدول النامية، حيث يُنتج معظم الملابس، غالباً ما تُولّد الكهرباء من أنواع الوقود الأكثر تسبباً في التلوث، مثل الفحم. وتحدث كل خطوة من عملية التجميع في دولة مختلفة على الأغلب، ما يزيد انبعاثات النقل. إجمالاً، يولّد إنتاج المنسوجات، وعلى رأسه تصنيع الألبسة، نحو 8% من انبعاثات الكربون العالمية، وفقاً للأمم المتحدة، متجاوزاً انبعاثات الشحن البحري والطيران الدولي معاً.

يشكل البوليستر والقطن 85% من إجمالي خامات الملابس، وكلاهما له تأثير قاس على الكوكب بطرق عدة. فيُنتج أغلب البوليستر من النفط الخام، وتضاف أغلب الصبغات الكيميائية إلى القماش، ما قد يلوّث المياه الجوفية. وعند غسل الملابس المصنوعة من البوليستر والنايلون، تنطلق منها جسيمات تلوّث مياه الصرف. أما القطن، فيحتاج إلى الكثير من الماء، بحيث إن إنتاج قميص واحد يتطلب كمية من الماء تكفي حاجة شخص واحد لثلاث سنوات.

2) ما المشكلة التي تمثلها نفايات الملابس؟

خلال العقدين الماضيين، تضاعف إنتاج الملابس تقريباً، في حين أن عدد سكان العالم زاد بنحو 30%. ما يعني أن الناس تشتري مزيداً من الملابس وتستعملها لفترات أقصر. تتزايد كميات الملابس التي يلقيها المستهلكون وبائعو الأزياء الرخيصة في النفايات، حيث غالباً ما يتخلص البائعون من الملابس غير المباعة لإفساح مكان للتصميمات الجديدة. ولا يُجمع أغلب الملابس لإعادة تدويرها أو استعمالها، ما يترك معظمها لإلقائه في مكبات النفايات أو حرقه، ما يطلق الكربون. وحيث إن الملابس مصبوغة ومعالجة كيميائياً، فإنها تشكل 22% تقريباً من النفايات الخطرة على مستوى العالم.

3) ما هي الموضة المستدامة؟

هي حركة تهدف إلى زيادة المسؤولية البيئية لقطاع الأزياء عبر تغيير كيفية تصميم الملابس وتصنيعها ونقلها واستخدامها والتخلص منها. يقول مؤيدو الحركة إنه إذا أُجبر صانعو الألبسة على تحمل تكلفة معالجة المشكلات المتسببين فيها، فسيتبنون ممارسات أكثر مراعاة للبيئة. تتضمن الممارسات التي يشجعها مؤيدو الحركة: إجراء تكامل أكثر شدة بين مرحلتي التصميم والتصنيع، واللتين غالباً ما تحدثان في قارتين مختلفتين. قد يؤدي ذلك إلى زيادة الدقة في قص القماش وتقليل نفايات المنسوجات.

تشعر علامات الملابس التجارية بالضغط الواقع عليها، وبدأت تشير إلى زيادة شعبية الموضة المستدامة على أنها خطر على عملها، كما أنها تُجري بعض التغييرات. فقد كشفت شركة "أديداس" (Adidas AG) أن نحو 96% من البوليستر التي استخدمته في 2022 جاء من مواد أعيد تدويرها. وقالت شركة "هوغو بوس" (Hugo Boss AG) إن 93% من القطن الذي استعملته اشترته من مصادر "أكثر استدامة" في 2022، أما في شركة "غاب" (GAP Inc)، فقد بلغ ذلك الرقم 81%، في حين أن شركات "بربري غروب" و"إتش آند إم" (H&M AB)، و"ليفي شتراوس آند كو"، تتجه لاستخدام بدائل نباتية للصبغات الكيميائية. دخل العديد من صغار مصنعي الألبسة المؤيدين للموضة المستدامة السوق في السنوات الأخيرة، ليستكشفوا فرص استعمال "الجلد" المصنوع من الفِطر، بل وحتى من الطحالب البحرية، للحد من تأثير الملابس التي تُلقى في النفايات.

4) هل الحل في إعادة التدوير أو الاستعمال؟

أجل ولا. يمكن إعادة تدوير معظم الملابس، جزئياً على الأقل، لكن تلك العملية لها كلفتها البيئية. على سبيل المثال، يجب فصل خليط الألياف باستخدام عملية كثيفة الاستهلاك للطاقة، وحتى بعد الفصل، لا يمكن خلط إلا نحو 20% من الخامات تقريباً مع البوليستر أو ما يطلق عليه "القطن البِكر" لصنع ملابس جديدة.

في الولايات المتحدة، لا يُعاد تدوير أو استعمال إلا 15% تقريباً من المنسوجات، ومنها الملابس. طالما صدرت الدول الغربية نفايات منسوجاتها إلى الدول النامية، في أفريقيا بشكل أساسي، لإعادة استعمالها، لكن تلك الدول أصبحت تقبل منها كميات أقل حالياً. تدرس الجهات التنظيمية في مناطق من الولايات المتحدة وأوروبا فرض رسوم تدفعها شركات الأزياء اعتماداً على حجم إنتاجها من الملابس، مثلما يفعل مصنعو البطاريات والأفرشة في بعض الأحيان، وستُوجه الإيرادات إلى برامج إعادة التدوير.

5) هل سيُحدِث أيٌ من ذلك فرقاً؟

ليس بعد. فما زالت أفضل الممارسات لا تعوض الآثار الضارة لنمو القطاع السريع، إذ يتوقع أن يبلغ حجم الألبسة والأحذية المشتراة سنوياً حتى 2030 أكثر من 100 مليون طن. وتواجه شركات التجزئة، بما فيها "شاين غروب" (Shein Group)، و"إتش آند إم"، و"زارا" (Zara)، و"بوهو غروب"، انتقادات المستهلكين والنشطاء والمسؤولين الحكوميين بسبب تفاقم تأثيرها في تغير المناخ وتلوث المياه والتلوث البلاستيكي، إلى جانب "الغسل الأخضر" (greenwashing)، أو تضليل العملاء عن آثارها البيئية. وأثارت بعض الحلول التي اقترحها القطاع مشكلات جديدة: فزراعة القطن باستخدام المواد العضوية يقلل خطر التعرض للمواد السامة، لكنها تحتاج إلى كمية أكبر بكثير من المياه. وحتى أشد مؤيدي التحوّل إلى "الموضة البطيئة"، يقرّون بأن هناك مساحة ضئيلة للتغيير دون تغيير جذري في عادات المستهلكين.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك