في ظل تكتّل طبقات كثيفة من الدخان إثر اندلاع مئات حرائق الغابات الكندية فوق مساحة كبيرة من أميركا الشمالية هذا الأسبوع، حثت السلطات ملايين المواطنين على ملازمة منازلهم وتشغيل مرشحات الهواء الميكانيكية "هيبا فلتر" (HEPA) وعدم الخروج دون استخدام كمامة واقية عالية الجودة.
دخان حرائق الغابات، وهو خطر موسمي يطال أجزاء من الولايات المتحدة، أضحى مشكلة يواجهها الجميع، بين عشية وضحاها. "يُشكل ذلك خطراً على صحتنا"، وفق قول كريستين فيدينماير، المديرة المساعدة في قسم العلوم في المعهد التعاوني للبحوث في العلوم البيئية في جامعة كولورادو بولدر.
دخان كندا يخنق إنتاج الطاقة الشمسية شرق الولايات المتحدة
وبحسب فيدينماير، فإن لهذه الحرائق تأثيرات ملحوظة على الجهاز التنفسي مثل الربو وصولاً إلى مشكلات القلب والأوعية الدموية. أظهرت الأدلة أن النساء اللواتي يتعرضن لدخان حرائق الغابات أثناء الحمل، يُرجح انخفاض وزن مواليدهن.
خطر كبير
يُعتبر تلوث الهواء في عدد من مدن أميركا الشمالية، عند مستوى معين أمراً عادياً، سواءً كان ناتجاً عن الوقود الأحفوري أو انبعاثات المركبات أو الغاز الطبيعي المستخدم للتدفئة أو الدخان الناجم عن إنتاج المواد الكيميائية. لكن يُشكل الدخان المنبعث من حرائق غابات كندا خطراً كبيراً على البشر بشكل خاص، يرتبط ذلك بكل من حجم الجسيمات المعنية ومما تتكون منه.
ويقول لوك مونتروز، الأستاذ المساعد وعالم السموم البيئية في ولاية كولورادو: "يُعتبر دخان حرائق الغابات، وخاصة الدخان الذي قطع شوطاً طويلاً، صغير جداً". مُضيفاً: "هذا ما يسهل انتقالها.
حرائق الغابات تضطر كندا لإجلاء سكان وخفض إنتاج النفط والغاز
تُعتبر الجسيمات الموجودة في دخان حرائق الغابات صغيرة جداً، ولا تواجه صعوبة كبيرة في تجاوز حواجز الحماية الطبيعية في جسدنا لتفادي الملوثات. يمكن لهذه الجزيئات أن تتجاوز شعر الأنف والأغشية المخاطية التي تبطن الجهاز التنفسي العلوي. يُعتبر البلغم ناجماً عن استنشاق الدخان لأن مخاط الجسم يحبس الجسيمات الصغيرة حتى يمكن سعالها وإخراجها.
أمراض رئوية خطيرة
يمكن لأصغر الجسيمات -المعروفة باسم (PM2.5)- أن تخترق الغشاء المخاطي للوصول إلى الجهاز التنفسي السفلي. ويوضح مونتروز أن وظيفة مجرى الهواء هي "نقل الأكسجين عبر حاجز الدم في الرئة"، ما يجعل هذا النوع من التلوث مدمراً بشكل خاص للأشخاص الذين يعانون سابقاً من أمراض الرئة الكامنة مثل الربو أو مرض الانسداد الرئوي المزمن. حتى الأشخاص الذين يتمتعون برئتين سليمتين يحصلون على كمية أقل من الأكسجين بشكل فعال. ولا تُعرف هذه التأثيرات دائماً من خلال أعراض علنية مثل السعال.
يقول مونتروز: "عادةً ما يُظهر الأشخاص الذين قد لا يكونون حساسين لأعراض أخرى مثل الخمول". و"قد يشعرون فقط بالانحطاط أو الإرهاق أو يفتقرون إلى الطاقة. ويمكن أن يُعزى ذلك إلى نقص الأكسجين الذي يصل إلى الجسم".
موجات حر وفيضانات وحرائق.. ما أسباب هذا الطقس المتطرف؟
يُعتبر النقص في الأكسجين أيضاً سبب تثبيط الأشخاص الذين يتعاملون مع نوعية الهواء الرديئة الملوثة عن ممارسة الرياضة، خاصة في الهواء الطلق. ويؤدي المزيد من النشاط إلى تنفس أثقل وأسرع، ما يقود إلى استنشاق المزيد من الجسيمات ودفعها أعمق في الرئتين. وبالتالي، تثبيط قدرة الجسم على استنشاق الأكسجين عندما يكون في أمس الحاجة إليه. يمكن أن تكون هذه التأثيرات طويلة الأمد أيضاً. وفي عام 2020، توصلت دراسة إلى أن المواطنين في مونتانا الذين تعرضوا لدخان حرائق الغابات لأكثر من شهر، يعانون من تدهور وظائف الرئة حتى بعد مرور عام.
دخان سام
يحتوي دخان حرائق الغابات أيضاً على آلاف المركبات، قد يكون بعضها ساماً، مثل المركبات العضوية المتطايرة والهيدروكربونات وأكاسيد النيتروجين. كشفت دراسة جديدة نُشرت في الدورية العلمية في عام 2022 "ذي لانست بلانيتري هيلث" (The Lancet Planetary Health) التي نظرت في آثار دخان حرائق الغابات على الكنديين أن الأشخاص الذين عاشوا على بعد نحو 30 ميلاً من حرائق الغابات لديهم خطر متزايد بنسبة 4.9% للإصابة بسرطان الرئة وزيادة خطر الإصابة بأورام المخ بنسبة 10% مقارنةً بالسكان غير المعرضين للدخان.
كما أن مخاطر دخان حرائق الغابات لا تتبدد أثناء انتقاله- فالدخان المنبعث في الغلاف الجوي يصبح "قديماً" وأكثر سمية مع مرور الوقت. وقد وجدت دراسة أجريت عام 2020 أن عينات الدخان المأخوذة بعد أكثر من خمس ساعات من انبعاثها من الحريق سامة مرتين أكثر مما كانت عليه عند إطلاقها لأول مرة. وتصبح سامة أربع مرات أكثر بعد تعتيقها في المختبر.
ضرورة الوقاية
يُشير مونتروز إلى أن الدخان المنتقل من مسافات طويلة "لديه وقت أطول للتفاعل مع المواد الكيميائية الموجودة في الهواء، ولديه وقت أطول للتفاعل مع الشمس". يحذّر من أن الدخان السام في المصدر سيكون أكثر تركزاً".
تُعتبر حرائق هذا الأسبوع مجرد بداية لما يمكن أن يكون صيفاً مليئاً بالدخان في أميركا الشمالية؛ ووضعاً طبيعياً جديداً من نوع ما بفضل تغير المناخ. "يزداد الوضع سوءاً بشكل تدريجي، لجهة شدة الحرائق، وطول موسم الحرائق، وكمية الدخان التي انبعثت في الهواء"، كما تقول كريستين فيدينماير من جامعة كولورادو بولدر. "ولكن هناك طرق لحماية نفسك. ابق في الداخل، وقم بتشغيل مكيف الهواء عندما يكون هناك انبعاث للدخان، وارتد كمامةً للوقاية في الخارج [و] قلل مدة التمرين الرياضي لتفادي استنشاق هذه الجسيمات لفترة أطول".