"كونسلتيشن إنيرجي" تجمد خططها لإنتاج الهيدروجين باستخدام الطاقة النووية

خطة "هيدروجين وردي" مليارية تنتظر دفعة من الإدارة الأميركية

برج تبريد بمحطة "ناين ميل بوينت" النووية التابعة لشركة "كونسلتيشن إنيرجي" بمقاطعة أوسويغو في ولاية نيويورك الأميركية - المصدر: بلومبرغ
برج تبريد بمحطة "ناين ميل بوينت" النووية التابعة لشركة "كونسلتيشن إنيرجي" بمقاطعة أوسويغو في ولاية نيويورك الأميركية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تملك شركة "كونستليشن إنرجي" (Constellation Energy) خطة طموحة بقيمة مليار دولار أميركي لإنتاج الهيدروجين بالاعتماد على كهرباء نووية خالية من الكربون. لكنَّ الخطة مجمدة - وربما تحيد عن مسارها نهائياً - إذ تنتظر الشركة صدور دليل توجيهي من واشنطن إزاء الإعفاء الضريبي الذي من المنتظر أن يسهم بدور مهم في جهود الاعتماد على هذا الغاز لإزالة الكربون من الصناعات الثقيلة.

تشير التوقُّعات إلى أنَّ وزارة الخزانة الأميركية ستصدر القواعد المنظمة خلال الشهور المقبلة، التي تبيّن طريقة تأهيل موردي الهيدروجين للحصول على دعم يبلغ 3 دولارات للكيلوغرام الواحد، بحسب ما هو مدون ببنود قانون خفض التضخم.

ينتظر القطاع الدليل التوجيهي منذ اعتماد القانون الرائد في أغسطس الماضي، ويتوقف مصير خطة "كونستليشن" على ما إذا كانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستفرض قيوداَ صارمة يطالب بها أنصار حماية البيئة وبعض المشرّعين الديمقراطيين.

تعتبر "كونستليشن" عملاقة في قطاع الطاقة، وهي الشركة الأميركية الأولى المنتجة للهيدروجين بأحجام كبيرة مستخدمة الطاقة النووية، بمحطة تقع شمال ولاية نيويورك. كانت الشركة تعتزم تركيب التكنولوجيا في مفاعلات عديدة بمنطقة الغرب الأميركي الأوسط لتزويد العملاء من الشركات الصناعية بالكهرباء. وتشكل مصانع الصلب والأسمدة والمواد الكيماوية وغيرها من المنتجات كثيفة الكربون ربع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري تقريباً على مستوى العالم، ويمكن أن يقدم الهيدروجين المنتج بالاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة أو النووية بديلاً منخفض الكربون للعمليات التشغيلية القائمة على الوقود الأحفوري. برغم ذلك، توجد حملة متصاعدة لإضافة نصوص في سياسة القطاع، بحيث تكون كفيلة بتقييد استراتيجية الشركات.

عدم يقين

أوضح الرئيس التنفيذي جو دومينغيز في أثناء مقابلة: "تسببت حالة عدم اليقين المحيطة باللوائح بطريقة كبيرة في توقفنا تماماً. وأضاف أنَّ القيود الخاضعة للدراسة ستمثل تهديداً لأهداف المناخ الأميركية. وتابع: "إذا لم يُفسر هذا بصورة صحيحة، فلن نملك وقود هيدروجين يكفي لتحقيق هذه الأهداف".

ربما تكون الولايات المتحدة الأميركية بحاجة لكميات كبيرة منه. وربما يبلغ الطلب السنوي على الهيدروجين النظيف 10 ملايين طن مع حلول 2030، بفضل الاستهلاك الصناعي بطريقة كبيرة، بحسب تقرير لوزارة الطاقة صادر خلال مارس الماضي. قد تزيد هذه الكميات 4 أضعاف مع حلول 2050.

إنفوغراف.. 300 مليار دولار استثمارات بالهيدروجين النظيف حتى 2030

تعد 10 ملايين طن هي نفس الكمية المستهلكة بقطاع الطاقة الأميركي حالياً، إذ تُستعمل في تكرير الوقود الأحفوري، وإنتاج الأسمدة، وتصنيع الأغذية، ومعالجة المعادن، واستخدامات أخرى كثيرة. لكنَّ غالبيتها العظمى بالوقت الراهن تُستخرج من الغاز الطبيعي، وهي عملية ينجم عنها انبعاثات كربونية أيضاً.

لهذا السبب ظهرت حملة لمناصرة الهيدروجين النظيف المستخلص من الماء. يكمن السر في أنَّ العملية التشغيلية يتعين أن تعتمد على كهرباء خالية من الكربون. قد يكون ذلك بواسطة طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية أو سدود الطاقة الكهرومائية - لصنع ما يعرف باسم الهيدروجين الأخضر - أو بواسطة المفاعلات النووية لإنتاج ما يطلق عليه الهيدروجين الوردي. بيّن دومينغيز أنَّ قطاع الطاقة النووية الأميركي قد يمد الأسواق بما يبلغ نصف الطلب خلال 2030.

برغم ذلك؛ فإنَّ بعض أنصار حماية البيئة تساورهم مخاوف حول استعمال مرافق الطاقة النظيفة الحالية لتصنيع الهيدروجين. أكدت راشيل فخري، مديرة السياسات للتكنولوجيات الناشئة بمجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية أنَّ محطات توليد الكهرباء هذه تمد الشبكة بالطاقة فعلياً، لكنَّ تحويل الكهرباء لإنتاج الهيدروجين قد يعني دخول طاقة نظيفة أقل للشبكة، حيث سينجم عنه فجوة يمكن سدها بكهرباء مولدة باستخدام الغاز الطبيعي أو الفحم.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

الوصول لعتبة الانبعاثات

يعتمد نص قانون خفض التضخم على تحقيق الجدارة ببلوغ عتبة الانبعاثات الدنيا دون ذكر لأي تكنولوجيا بعينها لتوليد الكهرباء. طرح مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية ملاحظات على وزارة الخزانة تضع عدة معايير مقترحة تحدّد توفّر أحقية المطالبة بالإعفاء الضريبي الكامل الخاص بالهيدروجين النظيف المعروف باسم "45 في" أو(45V). تتضمن الملاحظات شروطاً تقيّد منح الجدارة لمحطات توليد الكهرباء الجديدة. من شأن بعض الخيارات أن تتيح للمحطات الحالية الحصول على الإعفاء، على غرار المحطات النووية العاملة ليلاً، وهو وقت تراجع الطلب على الكهرباء، أو مرافق الطاقة المتجددة, التي بدأت عملياتها التشغيلية مؤخراً

أشارت فخري إلى أنَّ "المبدأ الأساسي يتمثل في أنَّه لا ينبغي السماح بزيادة الانبعاثات بمنظومة إمداد الشبكة بالكهرباء".

بيل غيتس: يجب أن يكون الهيدروجين الأزرق نظيفاً

من دون "حواجز أمان صارمة"، قد ينجم عن الاستثمار الناتج ارتفاع صافي الانبعاثات الأميركية، بحسب ما حذر السيناتور جيف ميركلي من ولاية أوريغون و4 ديمقراطيين آخرين بمجلس الشيوخ دائرة الإيرادات الداخلية في خطاب يوم 25 مايو الماضي.

قد ينطوي على تحفيز إنتاج هيدروجين يخلو من الكربون على فوائد مناخية ملموسة، إذ إنَّه لن يزيل فقط الانبعاثات المرتبطة بالهيدروجين المستعمل بطريقة كبيرة حالياً، لكن قد ينهي أيضاً استعمال الغاز في استخدامات جديدة، على غرار تصنيع الصلب النظيف أو وقود الطائرات المستدام. كما يمكن مزجه مع الغاز لخفض الانبعاثات عند حرقه بمحطات توليد الكهرباء واستعماله بخلايا الوقود لتوليد الكهرباء. لكن تحتاج كل هذه الأمور لهيدروجين نظيف، والولايات المتحدة الأميركية تنتج في الوقت الراهن أقل من مليون طن سنوياً.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

الإنتاج التجاري للهيدروجين الوردي

تعتبر "كونستليشن" أكبر شركة تشغيل مفاعل نووي أميركي، وشرعت في الإنتاج التجاري للهيدروجين الوردي خلال مارس الماضي بمصنعها "ناين مايل بوينت" الواقع في شمال مدينة سيراكيوز. تستهلك أقل من 1% من كهرباء الموقع لإنتاج 530 كيلوغراماً تقريباً (1168 رطلاً) يومياً. تستخدم المفاعلات النووية الهيدروجين غالباً بأنظمة تبريدها، وتنتج المحطة ما يكفيها لتلبية احتياجاتها، مما يوفر للشركة مليون دولار تقريباً سنوياً.

ذكر بوب بومونت، مدير المشروع، أنَّ شركات تشغيل المفاعلات النووية الأميركية الأخرى تنتج كميات صغيرة من الهيدروجين، لكنَّ "كونستليشن" تعد الوحيدة التي تحظى بإنتاج كميات كبيرة.

مبادرات الهيدروجين الأوروبية عاجزة حتى الآن عن جذب الاستثمارات المطلوبة

تدرس الشركة أيضاً خلط الغاز والهيدروجين بمحطات توليد الكهرباء. كما أدارت موقع هيلابي بولاية ألاباما بخليط يحتوي على 38% من الهيدروجين في عملية اختبار الشهر الماضي، وهي نسبة تركيز أشار دومينغيز إلى أنَّه من المحتمل رفعها لـ"أكثر من 50%".

وضعت الشركة أهدافاً أكبر بكثير، إذ تسعى لرفع كميات إنتاج الهيدروجين 400 ضعف بواسطة إضافة وحدات تحليل كهربي بمحطات كهرباء عديدة بمنطقة الغرب الأوسط. بينما كان دومينغيز يجري محادثات مع عملاء محتملين فضلاً عن مورّدي معدات أيضاً، قبل شهر تقريباً من إعلان العقود المبرمة؛ اضطر لوقف المشروع بالكامل بعد أن بات واضحاً أنَّ الدليل التوجيهي لوزارة الخزانة الأميركية سيتأخر صدوره لشهور، وأنَّه يوجد احتمال عدم تأهيل محطات الكهرباء النووية للحصول على الإعفاء الضريبي مطلقاً.

أضاف دومينغيز أنَّ حالة عدم اليقين أصابت خطط "كونستليشن" بالشلل التام، وأي لائحة ستقيّد الإعفاء المخصص لمحطات الكهرباء الجديدة ستستبعد عملياً المحطات العاملة بالطاقة النووية.

اختتم بقوله: "لا توجد جدوى اقتصادية من تشييد مفاعل جديد تصل تكلفته عادة مليارات الدولارات، ويحتاج عدة أعوام للانتهاء منه، وأشعر بالإحباط صدقاً من بروز هذه المشكلة، وهو ما يعد ضرباً من الجنون".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك