دراسة حديثة: عبوات ورقية أنتجت قدراً أكبر من الغازات الدفيئة وعبوات بلاستيكية حققت منافع بيئية أكبر

عبوة ورقية أم بلاستيكية؟ سؤال لم تعد إجابته سهلة

عبوات ألبان معروضة في أحد متاجر البقالة - AFP
عبوات ألبان معروضة في أحد متاجر البقالة - AFP
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يعتقد معظم الناس أن العبوات الورقية تعد بديلاً ممتازاً لنظيراتها البلاستيكية من الناحية البيئية، لكن ماذا لو كان ذلك خطأ؟

ففي سلسلة من الدراسات الحديثة، قدم الباحثون لمئات المتسوقين قطعتين من الغرانولا، وسألوهم، أياً من القطعتين تحافظ على البيئة أكثر، القطعة ذات الغلاف البلاستيكي الملفوفة في طبقة إضافية من الورق، أم القطعة ذات الغلاف البلاستيكي التقليدي دون طبقة الورق. وبالفعل، اختارت نسبة كبيرة جداً من الخاضعين للبحث القطعة المغلفة بالبلاستيك والورق، رغم حقيقة أن كلتيهما بهما القدر ذاته من البلاستيك، وأن قطعة الغرانولا ذات الغلاف الزائد أقل حفاظاً على البيئة بشكل واضح.

من السهل فهم السبب وراء تلك الإجابة، رغم أنها غير منطقية. حيث أصبح البلاستيك أكثر مادة مكروهة في العالم، لا سيما في العبوات وحيدة الاستخدام. فهو لا يضر بالبيئة فحسب، بل أصبح مرفوضاً اجتماعياً أيضاً.

وتكشف استطلاعات الرأي بشكل مستمر عن رغبة المستهلكين في استبدال البلاستيك بمواد أخرى. بل وتبحث شركات السلع الاستهلاكية عن حلول مستدامة، على أمل حماية علاماتها التجارية من غضب المستهلكين.

البديل الطبيعي المفضل

أصبح الورق هو البديل المفضل، فيراه المستهلكون أكثر طبيعية، لكنه ليس الاختيار الأفضل الذي يبحث عنه مناصرو القضايا البيئية أو يطالبون به. إذ يمكن أن يفوق البلاستيك في مساوئه.

فمنذ ظهور رغبة البشر في الانتقال من مكان لآخر وحفظ الأغراض احتاجوا لعبوات أكثر وأفضل، وهو ما دفع الإغريق إلى صناعة أوعية نبيذ من السيراميك بكميات كبيرة، كما اشترى الأميركيون في منتصف القرن الماضي مليارات من أكياس "زيبلوك" (Ziploc) البلاستيكية، والشروط الأساسية الواجب توافرها في التغليف الجيد كانت دائماً التكلفة المنخفضة وسهولة النقل والمتانة، سواء كنا نتحدث عن عام 1000 قبل الميلاد أو في السبعينيات.

مع ذلك، على مدى العقدين الماضيين، بدأت الشركات والمستهلكون في المطالبة بميزة جديدة تماماً في العبوات، وهي الاستدامة، وهو مفهوم لم تتضح ملامحه بعد. فالاستدامة عند البعض تمثل القابلية للتدوير، وعند البعض الآخر تشير إلى الالتزام بخفض انبعاثات الكربون ومواجهة تغير المناخ.

لكن الأغلبية تتفق على أمر واحد، على الأقل، أن ذلك لا ينطبق على العبوات البلاستيكية، فمن ضمن مشكلاتها الواضحة أنها مشتقة من المواد البتروكيماوية، ولا تتحلل في الطبيعة إذا لم يعاد تدويرها أو التخلص منها بشكل صحيح.

تجربة بأثر محدود

بالنسبة للكثير من العلامات التجارية فإن الحل الأفضل للتخلص من الاعتماد الكبير على العبوات البلاستيكية هو استخدام نظيراتها الورقية باعتبارها البديل الطبيعي لها، وهناك طرق لتنفيذ هذا الحل، بعضها يستهدف الحفاظ على البيئة فعلاً وبعضها الآخر غير ذلك.

على سبيل مثال، أدركت بعض الشركات أن العبوات الورقية البنية، أي غير المعالجة كيميائياً، أو حتى تلك التي لا يبدو أنها عولجت كيميائياً، تقدم صورة طبيعية مستديمة للمستهلكين المهتمين بالبيئة، حتى عند بيع العبوات على أنها وحيدة الاستخدام. بينما حاولت شركات أخرى زيادة الاعتماد على عبواتها المستدامة عبر استخدام العبوات الورقية القابلة لإعادة التدوير بدلاً من البلاستيكية.

فمثلاً، جربت شركة "نستله" في وقت سابق من العام الجاري، أغلفة ورقية لحلوى "كيت كات" في أستراليا، وكان ذلك إنجازاً تقنياً رائعاً، رغم أثره المحدود. تنتج الشركة سنوياً المليارات من قطع "كيت كات"، وطرحت أكثر من ربع مليون منها في أغلفة ورقية في أستراليا.

تركيز على الجانب الخاطئ

تركز أغلب تلك الحلول المرتبطة بالعبوات الورقية على ما يحدث للعبوة بعد رميها في النفايات أو صندوق إعادة التدوير، لكن نهاية دورة حياتها ليست المؤشر الأهم على الاستدامة، ولا يجب أن تكون كذلك، فهناك عوامل أخرى يمكن القول إنها أشد تأثيراً. فمثلاً، ما أنواع الغازات الدفيئة المرتبطة بالعبوات المختلفة؟ وغالباً ما تكون الإجابات مفاجئة.

كشفت دراسة حديثة أجرتها شركة "ماكنزي آند كو" (Mckinsey & Co.) أن عبوات الألبان في الولايات المتحدة، التي يجب تبطينها بالبلاستيك، تولد انبعاثات دفيئة أكثر بنسبة 20% على مدى دورة حياتها، بدءاً من الإنتاج حتى التخلص منها، عن الأوعية البلاستيكية. وقدمت عبوات بلاستيكية أخرى، سواء كانت عبوات اللحم أو أكياس التسوق، منافع مناخية أكبر مما تحققه العبوات الورقية.

حتى لو ركزت إحدى الشركات على جانب نهاية دورة الحياة، أو إعادة التدوير، فهناك صعوبات. فغالباً ما تبطن العبوات الورقية للأغذية بالبلاستيك، ما يمنع إعادة تدويرها، أو لا يمكن ذلك إلا في أماكن معدودة فقط. كما أن أغلفة "كيت كات" الورقية مبطنة برقاقة من الألمنيوم تتفاخر الشركة بأنها قابلة لإعادة التدوير في أستراليا.

مع ذلك؛ لم ترد "نستله" على سؤال لاحق عما إذا كان يمكن إعادة تدويرها في أميركا الشمالية وأوروبا أم لا، وأين تجري إعادة التدوير. فإذا لم يُعاد تدويرها وانتهى بها المطاف في مكب النفايات، قد تصبح مصدراً محتملاً للميثان، وهو أحد الغازات الدفيئة.

فضلات الطعام تعيق إعادة التدوير

في الوقت ذاته، لا تشكل إعادة تدوير البلاستيك الكارثة التي غالباً ما تُصور عليها. فمادة البولي إيثلين تريفثالات (PET) المستخدمة في زجاجات المياه والمشروبات الغازية قابلة لإعادة التدوير بشكل كبير، وعليها طلب كبير من شركات التصنيع التي تتطلع لصنع أي شيء، من السجاد إلى زجاجات المياه الجديدة.

في العام الماضي، وصل عدد منشآت إعادة تدوير البلاستيك في الولايات المتحدة التي تتعامل مع البولي إيثلين تريفثالات والراتنجات الأخرى إلى 180 منشأة على الأقل. لكن ظهرت مشكلات واضحة، فرغم قابلية العبوات لإعادة التدوير من الناحية الفنية، إلا أن فضلات الطعام الكثيرة غالباً ما تعيق العملية، سواء كانت العبوات بلاستيكية أو ورقية.

لا تنحصر مشكلات المواد الخام في إعادة التدوير والمواد البتروكيماوية. فإنتاج الورق العادي لأغراض التعبئة له تحدياته، أولها تدمير الأشجار التي تحتجز الكربون، ومع تزايد الطلب على العبوات الورقية، من سيوفر لب الأشجار؟ حيث تمثل الغابات المستدامة خياراً متزايداً ومهماً، لكن المستهلكين والشركات ستواجه أسئلة متزايدة عما إذا كانت العبوات الورقية وحيدة الاستخدام تمثل الاستغلال الأمثل لمصادر بطيئة النمو. قد يقرر المستهلكون أنه ليس أمثل استخدام، وربما تحذو الجهات التنظيمية حذوهم.

الشفافية هي الخطوة الأولى

هذا لا يعني أن العبوات الورقية غير مستدامة، فتلك المادة الطبيعية ظاهرياً لها منافع ومساوئ بيئية، كحال البلاستيك. وللأسف، فالسجال شديد الحساسية عن تلوث المحيطات بالعبوات البلاستيكية جعل تقديم الشركات تفسيراً واضحاً لاختيار عبواتها أمراً صعباً، بل وغير حكيم.

عوضاً عن ذلك، يجب على الشركات أن تكافح للوصول إلى المستهلكين الذين تحيزوا بشكل متكرر لحل لا يخلو من العيوب بسبب مفهومهم للاستدامة.

إعادة التوازن بين مفهومي الاستدامة، ووضع أساس لنقاش صادق حول استدامة العبوات لن يكون سهلاً، لكن يجب أن يبدأ بالشفافية. فيجب على الشركات التي تملك الموارد أن تكشف طوعاً عن الانبعاثات المرتبطة بقراراتهم الخاصة بالعبوات، بوضع رقم قرب رمز إعادة التدوير. ولضمان صحة تلك الأرقام، يجب على الجهات التنظيمية البدء في وضع معايير احتسابها.

بمرور الوقت، قد تؤجج تلك "الملصقات" البيئية المنافسة والابتكار، ما سيفيد المستهلكين والبيئة والشركات على حد سواء. بل وقد يحدث الأفضل، فتتحول تلك الملصقات إلى حافز تنافسي للشركات للقضاء على عبواتها تماماً. فإذا تعلم المستهلكون الثقة في الملصقات، ستقل شحنة التوتر المحيطة بسؤال "عبوة ورقية أم بلاستيكية"، فالمسألة هي أي المادتين أكثر استدامة في حالة ذلك الاستخدام.

نادراً ما تكون حلول المشاكل المعقدة بسيطة. وقبل كل شيء، يجب أن يتفهم المستهلكون ذلك التعقيد إذا كان لديهم أي أمل في تحقيق الاستدامة.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك