كان رد الفعل الفوري لقرار "أوبك+" المفاجئ بخفض الإنتاج واضحاً بما فيه الكفاية، فقد قفزت أسعار النفط بأكبر قدر منذ أكثر من عام. ولكن كيف سيؤثر ذلك في الحملة العالمية لإنهاء استخدام الوقود الأحفوري الذي يرفع درجة حرارة كوكب الأرض؟ هذا ما يُعدّ أقل وضوحاً.
ففي العام الماضي، كان ارتفاع أسعار الطاقة والغزو الروسي لأوكرانيا بمثابة نعمة ونقمة في الوقت نفسه للانتقال بعيداً عن الوقود الأكثر تلويثاً. فعلى الرغم من تسببهما في تأكيد مخاطر الاعتماد على السلع التي تسيطر عليها مجموعة من الدول، فإن الأزمة المفاجئة دفعت -حتى الدول الأكثر تقدماً في مكافحة التغير المناخي- إلى اللجوء إلى الفحم والغاز باعتباره وقوداً بديلاً.
صدمة الأسعار الأخيرة التي تسببت بها منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" لا تختلف كثيراً عن ذلك.
قال أولي سلوث هانسن، رئيس استراتيجية السلع في "ساكسو بنك": "كلما ارتفعت تكلفة الوقود التقليدي زاد الحافز لمواصلة التحوّل.. كما أنه سبب لعدم إضرار (أوبك) بسوقها عبر رفع الأسعار لأعلى من 100 دولار للبرميل، فهذا من شأنه أن يضر بالطلب ويسرّع الانتقال".
تسعير مواد التحوّل الأخضر
يتعين على منتجي النفط أن يأخذوا في الاعتبار البدائل المتنافسة لمنتجاتهم كما لم يحدث من قبل، فكلما ارتفع سعر النفط بدأت كلفة التقنيات والمواد الخضراء في الانخفاض من جديد، بعد عامين من ارتفاعها.
خذ الليثيوم مثالاً حيّاً، فبينما ارتفع النفط هبط سعر المادة المستخدمة في صناعة البطاريات والسيارة الكهربائية لليوم السادس عشر على التوالي اليوم الثلاثاء، لتصل خسائرها هذا العام إلى أكثر من 58%. وهذا يسهّل على شركات صناعة السيارات مثل "تسلا" خفض الأسعار مع وصول مزيد من المركبات الكهربائية إلى السوق.
كما انخفضت أسعار المواد المهمة الأخرى. هبطت مادة البولي سيليكون المستخدمة في صناعة الألواح الشمسية بنسبة 30% من ذروة العام الماضي. وتراجع سعر الفولاذ المستخدم في صناعة توربينات الرياح 40% في أوروبا، وأكثر من 20% في أميركا الشمالية من أعلى مستوياته في 2022.
التنقيب في الولايات المتحدة
ومع ذلك، في حين أن ارتفاع سعر النفط قد يجعل المركبات الكهربائية والبدائل الأخرى أكثر جاذبية، فليس من السهل إجراء التحوّل على الفور. وفي غضون ذلك قد يدفع خفض "أوبك+" الإنتاج دولاً أخرى -مثل الولايات المتحدة- إلى زيادة التنقيب، على الرغم من أن التأثير من المرجح أن يكون ضئيلًا نسبياً.
كانت شركات النفط الغربية الكبرى الموجودة على جانبي المحيط الأطلسي حاسمة في تنفيذ مهمتها المتمثلة في توظيف أرباحها القياسية على توزيعات الأرباح لمساهميها، بدلاً من الزيادات الكبيرة في الإنتاج الجديد. ورغم المناشدات المتكررة من إدارة بايدن العام الماضي، فإن المنتجين الأميركيين ظلوا مترددين حيال زيادة التنقيب خوفاً من الوقوع في دورة ازدهار وكساد أخرى.
قال ويل هاريس، المحلل لدى "بلومبرغ إنتليجنس": "قد نلاحظ ارتفاعاً طفيفاً في الاستثمارات بالنفط الصخري والغاز.. لكن شركات الطاقة الكبرى لن تُعدّل خططها الانتقالية" بسبب خفض "أوبك+" الإنتاج.
كلفة التحوّل
الخطر الأكبر على تحوّل الطاقة هو أن أسعار النفط المرتفعة ستساعد على تغذية التضخم الذي دفع البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة بسرعة العام الماضي، وهو ما أثّر بالفعل في تمويل بعض مشاريع الطاقة المتجددة واسعة النطاق التي اعتمدت لسنوات على الديون الرخيصة. فبجانب الدولار القوي، يمكن أن يرفع ذلك كلفة تعدين المعادن شديدة الأهمية الضرورية لإنتاج تقنيات مثل البطاريات وتوربينات الرياح والكابلات، وفقاً لهانسن من "ساكسو بنك".
في النهاية، على الرغم من ذلك فإن من المرجح أن يتضاءل أي تأثير سلبي لخفض "أوبك+" الإنتاج مقارنة بالعوامل الأخرى التي تقود مسيرة إزالة الكربون طويلة المدى، وفقاً لتورستن ليشتناو، الشريك في "باين آند كو" (Bain & Co).
من المتوقع استمرار تقلّب أسعار النفط، مما يعزز تأكيد أن الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي علّم العالم أهمية الاعتماد على مصادر الطاقة المحلية الموثوقة. يُنظر إلى مصادر الطاقة المتجددة بشكل متزايد ليس فقط على أنها وسيلة لخفض الكربون، ولكن أيضاً وسيلة للحد من التعرّض المبالغ فيه لقرارات منتجي الوقود الأحفوري غير المتوقعة.
قال ليشتناو: "لأمن الطاقة تأثير كبير للغاية في تحوّل الطاقة.. إذ سيعمل على تسريع انتقال الطاقة على المدى الطويل بشكل أكبر، مقارنة بخفض الإنتاج لدعم سعر النفط".